«سوداليتيكا» يدرس خطاب الكراهية والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي في ظل حرب السودان

إجتماعي ،سياسي

مع اشتداد حدة الصراع المسلح في السودان والذي تفجر في منتصف أبريل الماضي، انعكست تأثيراته على المجتمع بشكل حاد، في شكل ردود أفعال عنيفة والتي يعد خطاب الكراهية أحد تمظهراتها الأساسية، فيما تمثل وسائل التواصل الاجتماعي أداتها الباطشة. 

 

ما قبل تفجر الثورة التكنولوجية، في العالم، قبل عقود قليلة، كانت وسائل الدعاية الحربية حصرًا على أجهزة الدولة عبر الإعلام التقليدي، لكن اليوم تغيرت الطرق التي يحصل بها الجمهور على المعلومات بشكل كبير، كما أصبح الجمهور نفسه جزءًا من آلة الإعلام الجديد.  

وأصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المزيد من المعلومات عن الأحداث حول العالم، وفي بعض الأحيان، قد يقرر البعض الاكتفاء بهذه الوسائل الرقمية، دونًا عن اللجوء للوسائل التقليدية لمعرفة ما يدور في فلك اهتماماته.

 

توجد فوائد عدة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمكن الأفراد من الحصول على أخبار مصممة خصيصًا لاهتماماتهم، في أي وقت من اليوم، وفي أي مكان على وجه الأرض. علاوة على ذلك، تتيح لهم التعبير عن آرائهم وأن يكونوا مشاركين في تبادل ونقل المعلومات.

 

إلا أن هذه الحرية الرقمية تنطوي عليها أيضًا العديد من المخاطر المجتمعية أبرزها نشر خطابات الكراهية والمحتوى العنصري والتحريض على العنف، وتضخيم ونشر هذه الرسائل والأفكار على وسائل التواصل الاجتماعي بطرق لم تكن ممكنة من قبل.

 

وفي السنوات الأخيرة، أصبح خطاب الكراهية والأخبار المزيفة على منصات التواصل الاجتماعي من القضايا البارزة التي تؤثر على كل من المنصات نفسها والمجتمعات التي يتم استخدامها فيها، حيث تخلق الوسائط الرقمية، بسبب افتقارها إلى القيود الفعالة، واقعًا بديلاً لا يلتزم بالضرورة مع الأعراف الاجتماعية على أرض الواقع بشكل قد يحمل أضراراً للأفراد والمجتمعات. ولعل أبرز المشاكل المجتمعية التي تفاقمها الوسائط الرقمية هو انتشار خطاب الكراهية وتطبيعه لدرجة أن يصبح طريقة قوية لممارسة التأثير الاجتماعي وتحفيز التحيز والتمييز والعنف بين المجموعات في أرض الواقع.

المنهجية

يدرس هذا التقرير جانب من التفاعل الاجتماعي مع أحداث الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» منذ 15 أبريل 2023 الذي قد يصنف «خطاب كراهية» بناءً على الخصائص والتعريفات المختلفة المقدمة من الدراسات القانونية والاجتماعية، ويستعرض التأثيرات المحتملة لهذا الخطاب على المجتمع السوداني.

الفرضيات:

تم توجيه البحث بكلمات مفتاحية حددت بوضع فرضيات عن طبيعة الخطاب المتداول بالاستناد إلى تعريفات قانونية وأكاديمية لمصطلح خطاب الكراهية، مع مراعاة السياق الثقافي والتاريخي السوداني كالتالي:

  • خطاب إثني: خطاب يستهدف أفرادًا سودانيين بناءً على انتماءاتهم القبلية أو الإثنية، ويتبناه سودانيون آخرون.
  • خطاب نوعي: خطاب يدعو للعنف ضد النساء أو يستخدم تعابير مهينة بحقهن.
  • خطاب دولي: خطاب موجه من سودانيين لمواطني دول أخرى، أو العكس، يحمل طابع الكراهية والتحريض.

جمع البيانات:

من أجل جمع البيانات، رصد فريق «بيم ريبورتس» المحتوى على منصتي فيسبوك وإكس بدءًا من اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 حتى شهر نوفمبر من العام نفسه. خلال هذه الفترة، ضمت قائمة المراقبة 500 منشورًا، كما قام برصد فترات زمنية محددة لدراسة تقلبات محتوى الخطاب بناءً على أحداث معينة، وتم اختيار عينة عشوائية تتكون من 289 منشورًا من المجموع الكلي للمقارنة والتحليل العميق.

استند جمع البيانات على البحث بمجموعة من الكلمات المفتاحية المرتبطة بالحرب والمصطلحات الدالة على التوترات السياسية والعرقية والاجتماعية التي تشهدها الساحة السودانية، على منصتي فيسبوك وإكس، وذلك خلال الفترة المذكورة أعلاه. ومن بين الكلمات المفتاحية المستخدمة نجد :

(“عرب”، “دارفور”، “عبيد”، “دولة 56″، “النهر والبحر”، “فصل/انفصال”، “تشاد”، “الجلابة”، “الغرابة”، “المصريين، اغتصاب”).

صفات العينة:

تضمنت عينة البيانات محتوى منشور من سودانيين وسودانيات داخل وخارج السودان، بالإضافة لمواطني ومواطنات دول أخرى تضمن حديثهم عن الحرب في السودان الكلمات المفتاحية التي وضعت للبحث.

أثناء عملية التصنيف، حرصت «بيم ريبورتس» على التمييز بين الحق في التعبير بحرية عن الآراء والأفكار، حتى وإن كانت مثيرة للجدل أو تختلف عن الآراء الشعبية السائدة، وبين المحتوى الذي يشجع على الكراهية أو التمييز ضد فئة معينة على أساس عوامل مثل العرق أو الدين أو نوع الجنس أو أي عامل محدد للهوية، بالإضافة إلى اعتبار السياق والهدف من المحتوى المنشور.

ما هو خطاب الكراهية؟

يعتبر خطاب الكراهية نوع استثنائي من أنواع الخطابات لقدرته على إثارة المشاعر السلبية وتأجيج الصراعات والتأثير على المجتمعات والأفراد عند تداوله في ظل ظروف معينة. 

ومع ذلك، وعلى الرغم من التأكيد على ضرره وسماته المميزة، إلا أنه لا يوجد تعريف واحد متفق عليه لخطاب الكراهية، كما أن العلاقة بينه وبين تأجيج النزاعات وأعمال العنف، هي أيضًاً موضع خلاف.

يرى أستاذ السياسة ودراسات اللغة والاتصال، الكساندر براون، أن محاولة وضع تعريف موحد لخطاب الكراهية هي عملية غير مجدية، حيث أن المصطلح «خطاب الكراهية» ليس بالوضوح الذي قد يبدو عليه للوهلة الأولى أو من التداول المتزايد للمصطلح داخل وخارج الأطر الأكاديمية، وليس ذلك لأنه مصطلح متنازع على معناه، بل هو مبهم بشكل منهجي. ويعتقد براون بأن هناك ضرورة لتبني فهم خطاب الكراهية كمجموعة غير متجانسة من الظواهر التعبيرية، أي أنه يتضمن معاني مختلفة تقتضي قصور جميع محاولات صياغة تعريف شامل.

ويتفق الأكاديمي القانوني، روبرت بوست، مع إشارة براون لقصور تعاريف خطاب الكراهية، ووضع بوست أربع أسس لصياغة تعريفات خطاب الكراهية، تستند على أهداف المعرفين والسياق الذي سيستخدم فيه التعريف، وحدد ذلك بأربعة أهداف وهي: معرفة الضرر المحتمل جرائه، محتواه اللغوي والكلمات المستخدمة، تأثيره على كرامة واحترام الأفراد، والأفكار التي يعكسها.(أندرسون، لوفيل، بارنز ومايكل 2023).

ونتج عن رؤية الباحثين أن خطاب الكراهية واسع جدًا ومنفتح على إساءة الاستخدام، ظهور مصطلحات أخرى أكثر تحديداً، مثل «الخطاب الخطير» الذي يتحدث عن خطاب له القدرة على تحفيز العنف المادي بشكل خاص، ويقاس ذلك بناء على خمسة متغيرات هي: درجة تأثير المتحدث، مظالم ومخاوف الجمهور المتلقي، ما إذا كان الخطاب يتضمن دعوة إلى ممارسة العنف، السياق الاجتماعي والتاريخي، والطريقة التي ينتشر عبرها الخطاب (بينيش 2023).

كذلك ظهر مصطلح «خطاب الخوف» الذي يعد من أكثر أشكال خطاب الكراهية رواجًا على وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تحجب المحتوى الذي قد يصنف كـ «خطاب خطير»، حيث أن خطاب الخوف عادةً ما يكون أقل وضوحًا ويعمل على إثارة الخوف من مجموعات بعينها كما يعمل في حالة النزاعات على ربط مجموعات بأفعال العنف.

:خلفية

 

كان أغلب السودان الحديث، قبل الاستعمار التركي – المصري، 1821 – 1885 يتشكل من الأجزاء الشرقية والوسطى مما سمي قديمًا (بلاد السودان)، وهو اسم أطلقه الرحالة المسلمون على المنطقة جنوب الصحراء الكبرى، وكان آخر هذه الممالك هو مملكة الفونج، المعروفة أيضًا بمملكة سنار السلطنة الزرقاء.

 

وإلى الشرق، على ساحل البحر الأحمر، توجد قبائل البجة التي اتخذت سواكن مركزاً لها، وقامت في جنوب كردفان مملكة تقلي وفي شماله مملكة المسبعات، بينما اتخذت مملكة الفور موقعًا امتد من ودّاي غربًا إلى حدود كردفان، وحدها من الجنوب بحر الغزال، وتواجدت في الجنوب قبائل أبرزها الدينكا والشلك والنوير والزاندي.

 

وفي القرن التاسع عشر، مع بداية الغزو التركي – المصري، بدأ ظهور ملامح كيان سياسي واحد من هذه المكونات المختلفة، عرف باسم السودان، ولم يكن التأسيس لحظيًا، بل كان نتاج توسع متدرج للاستعمار الأول والثاني بعده.

 

وصاحب الاستعمار التركي – المصري، والانجليزي – المصري، دخول مكونات اجتماعية وثقافية جديدة أثرت بشكل كبير على هياكل المجتمع وممارساته، كما استحدثت أنظمة تعليمية وهياكل سياسية تفاعلت مع القاعدة الاجتماعية والثقافية للسودان القديم وصنعت طبقات معقدة من أشكال السلطة (كولينز، 2008 ).

 

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبينما كان السودان يقبع تحت وطأة الاستعمار، واجهت بذور الوعي القومي حديثة التكون تحديات شاقة تمثلت في جهاز الدولة المركزي والبنيات الاستعمارية، التي عملت على تكريس الاقتصاد السلعي ومظاهر حياة حديثة، في ظل النفوذ القبلي المتجذر وهيمنة الطرق الصوفية المتعددة.

 

وفي ظل هذه المعطيات المعقدة، نال السودان استقلاله في يناير 1956، ووجدت الدولة الفتية نفسها أمام مهمة شاقة: توسيع نطاق نموذج الدولة المستحدث ليضم مجتمع تقليدي مترامي الأطراف تحت راية واحدة، التحدي الذي شبهه المفكر  محمد أبو القاسم حاج حمد الأمر بمحاولة (قزم لابتلاع فيل). حيث كانت تغلي أسفل سطح الدولة الموحدة تراكمات السياسات الاستعمارية التي سرعان ما وضعت الدولة أمام أزمة التفاوت التنموي في البلاد.

 

وتبلورت الأزمة كذلك خارج دوائر الحكم في المجتمع السوداني، حيث أصبح الاستقطاب الحاد والتعصب، والذي يعتبر نتيجة متوقعة لهذه العوامل التاريخية، حالة ملازمة للمجتمع السوداني، وقد يؤدي شحذ هذه الحالة بخطاب تحريضي من الدولة والأطراف الفاعلة في فترات الحروب إلى تأجيج أحداث عنف مجتمعي في ظل عوامل مثل احتكار الموارد، سوء ادارة التنوع، الفقر، وتراكم المظالم التاريخية.

:نتائج البحث

تعبئة عرقية

تناولت النسبة الأكبر من المحتوى الذي تم دراسته حديث عن المكونات العرقية والقبلية للسودان، وتقع النسبة الأكبر من هذا المحتوى داخل تصنيف  (الخطاب الخطير)، حيث تضمنت النسبة الأكبر دعوات للإقصاء والانفصال وجهت بشكل أساسي لإقليم دارفور استخدم فيها آليات تبرير ذات طابع تحريضي منها وصف مجموعات إثنية بالحيوانات، والحشرات، وحتى الفيروسات والكائنات الطفيلية التي يجب التخلص منها، وهو أسلوب شائع يستخدم بغرض محو إنسانية الفئة المهاجمة لتبرير العنف الموجه نحوها أو التحريض ضدها.

كذلك استخدم ناشرو المحتوى أسلوب التخويف في خطابهم، حيث يتهمون قبائل ومجموعات عرقية بعينها في التسبب في الحرب ووصف مجموعات عرقية بصفات تثير الخوف مثل الحقد والشر، ولم  يقتصر التخويف في الخطاب العرقي على الاتهام المباشر، بل يلجأ إلى أساليب متعددة ومدروسة للتأثير على مشاعر ووجهات نظر الأفراد، منها التعميم المفرط حيث يتم تحويل الأفراد المنتمين إلى مجموعة عرقية معينة إلى نمط واحد، يتم وصفه بشكل سلبي، بدلاً من الحديث عن الأفراد أو الجماعات الفاعلة، ما يخلق تصوراً جامداً ويُسهّل شيطنتها ويُقدّم أفرادها على أنهم “تهديد وجودي” للمكونات الأخرى.

بين (أولاد البحر) و (أولاد الغرب)

لم يكتفِ ناشرو هذا المحتوى باستخدام لغة تحريضية مباشرة، بل عملوا على تعزيزها أيضًا بالسرديات والمصطلحات التاريخية بهدف تأجيج النزعات القبلية والمناطقية، وكان المثال الأكثر انتشاراً لذلك هو تصوير الحرب الحالية على أنها صراع بين مواطني شمال السودان (أولاد البحر) و مواطني دارفور وكردفان (أولاد الغرب)، وهي تسميات ترجع إلى أحداث في عهد الدولة المهدية.

وترتبط هذه السردية بشكل مباشر مع دعوات لتقسيم السودان وإقامة دولة تشمل الأجزاء الشمالية والشرقية والوسطى، وفصل ولايات غرب السودان، الدعوة التي بدأت في الظهور على منصات التواصل الاجتماعي منذ منتصف العام 2020 وتبناها عدد من مرتادي مواقع التواصل الإجتماعي في فترة الحرب.

ويرى الكاتب والأكاديمي السوداني، عبدالله علي إبراهيم، أن أصحاب هذه الدعوة يبنون حججهم على مقدمات صحيحة، إلا أنهم يصلون بها، إلى (نتائج وخيمة)، بسبب مرجعية تاريخية مشوشة. و يوضح إبراهيم أن الاستعمار جمع بالفعل خليطًا من شعوب وقبائل متباينة تاريخيًا وثقافيًا، إلا أن السودان كان من أقل الدول تضرراً من اصطناع الحدود، حيث أن جغرافية السودان الحالي تاريخية موروثة من دولة فترة الحكم التركي والدولة المهدية من بعده، واللتان تطابقت في كليهما الحدود لدرجة لا بأس بها قبل أن يأتي الاستعمار الإنجليزي ليحكم السودان بالشكل الذي عرف عليه.

كذلك يضيف الباحث السوداني في دراسات التنمية،  قصي همرور، أن هذه الحالة هي “تعبير متأخر عن نزعات قديمة ومشتتة لدى مجموعات في المركز”، حيث أثارت تحولات الفترة الانتقالية مخاوف من تغيير هياكل الإمتيازات المتوارثة في السودان بصورة أكبر مما توقعوا مسبقًا. ويضيف همرور “مساحات الحرية التي أتت بها موجات الثورة، مع الخوف من التغيير الجذري، ومع انهيار أكبر حاضنة لنزعات المركز العنصرية المتمثلة في دولة الإنقاذ، جعل بعضهم يرى أن هذه أخر فرصة للبوح بأفكارهم ونزعاتهم لعلها تجد صدى حقيقياً في وسط من يشبهونهم”.

تقدم الباحثة الأمريكية سوزان بينش تحليلاً لتأثير هذا الخطاب، مشيرة إلى أن الرسائل الأكثر حدة وتحريضًا لا تملك قدرة على إشعال فتيل العنف من دون أن يكون جمهور المتلقين مستعداً لتقبل هذه الرسائل، وهذا الاستعداد قد ينبع من مجموعة من العوامل مثل:

  • الخوف من التهديدات: وجود تهديدات فعلية أو سابقة من جماعات أخرى، أو أحداث عنف شهدتها المجتمعات مباشرة، يجعل الأفراد أكثر تأثراً برسائل الكراهية التي تلعب على هذا الخوف.
  • التعرض لرسائل تثير الخوف: حتى وإن لم تكن تحريضية بشكل صريح، يهيئ التعرض لرسائل التخويف الأرضية لاستقبال خطاب الكراهية بشكل أسهل، خاصةً إذا كان يستخدم نفس اللغة والمخاوف المزروعة مسبقًا.
  • المصاعب الاقتصادية: الظروف الاقتصادية الصعبة تؤدي إلى اليأس والإحباط، ما يجعل الأفراد أكثر قابلية للتأثر بخطاب الكراهية الذي يقدم لهم تفسيراً بسيطاً لمشاكلهم، وإن كان مبنيًا على الكراهية والتمييز.
  • الصدمات الجماعية: التجارب المؤلمة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، يمكن أن تترك ندوبًا نفسية واجتماعية عميقة، تجعل الأفراد أكثر عرضة للإيمان بخطاب الكراهية الذي يستغل تلك الصدمات ويقدم حلاً انتقامياً لها.
  • الأعراف الاجتماعية: الثقافة والموروثات الاجتماعية التي تُعلي قيم الولاء العميق للقبيلة أو المجموعة على أي قيمة أخرى، يمكن أن تخلق بيئة مناسبة لانتشار خطاب الكراهية الذي يستغل هذه الولاءات لصالح أجندات سياسية أو شخصية.

وتتخذ هذه العوامل النظرية، والتي تنطبق جميعها على الواقع في السودان، بعدًا أكثر خطورة في ظل الصراع الدائر، حيث يسعى كل طرف لاستمالة الولاءات القبلية وتأييد قيادات بعض القبائل ومليشياتها لأطراف الحرب، كما حدث في استهداف قوات الدعم السريع ومليشيات متحالفة معها لمئات المدنيين من قبيلة المساليت في أردمتا، إحدى ضواحي الجنينة بغرب دارفور في نوفمبر 2023م.

عنف جنسي

ظهر كذلك في المحتوى خطاب يستخدم الاعتداء الجنسي على النساء كأداة ترهيب وتخويف، من خلال الحديث عن أن نساء مجموعات معينة سوف يتعرضن أو تعرضن للاعتداء الجنسي أو الاغتصاب من مجموعة أخرى، وكان ذلك في سياق إثارة الخوف من مجموعات قبلية معينة والتحريض ضدها. كذلك، استخدم هذا الخطاب بهدف تهديد مجموعات قبلية باغتصاب النساء المنتمين إليها، ولهذا الخطاب مقدرة عالية على إثارة الخوف والهلع، خصوصًا في فترات الحروب حيث يعتبر العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات ظاهرة شائعة حيث تستخدم الجهات الفاعلة المسلحة المفاهيم المتعلقة بالحفاظ على الشرف المرتبط بأجساد النساء، ويتم استخدام اغتصاب النساء كأداة لإضعاف المجتمعات والسيطرة عليها، وتخويفها، وإجبارها على الانتقال إلى مكان آخر.

وتشكل هذه الاستعارات التي تدور حول عار الضحية عقبة أمام حصول ضحايا الاعتداء الجنسي على المساعدة اللازمة، بل وتساهم في استمرار دورة العنف وتفاقم آثاره عليهم، وتُظهر الدراسات النسوية تأثير هذه الاستعارات على مختلف الأصعدة، بدءًا من المستوى الفردي حيث تشعر الضحية بالخزي وتُحجم عن التحدث خوفًا من الاتهام والوصم، ما يمنعها من طلب الدعم النفسي والقانوني الذي تحتاجه. 

إلى المستوى المؤسسي، حيث تعزز هذه الاستعارات من النظرة المُتسامحة تجاه العنف الجنسي، وتُضعف من استجابة المؤسسات المعنية بحماية الضحايا وتطبيق العدالة.

استهداف النسويات

أيضاً، رصد البحث استهداف النسويات باتهامات بالعمالة بغرض التحريض ضدهن، ولا يعد استهداف النسويات والناشطين الحقوقيين بشكل عام، أمرًا جديدًا، إلا أن بعض ناشري المحتوى استغلوا الواقع العدائي الذي خلقته الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل إثارة الشك حول نوايا النسويات وربطهن بجهات خارجية بهدف التشويه وعزل النسويات عن المجتمع ووصمهن بالخيانة، ما يسهل استبعاد مطالبهن وتقويض مصداقيتهن. 

وأشارت الصحفية والناشطة الحقوقية، ملاذ عماد، إلى أن اللغة والمصطلحات العنيفة و الإقصائية المتداولة في فترة الحرب تحمل للنساء أكبر الأضرار، حيث يعيق الخطاب العدائي المجهودات النسوية التي تعطلت أغلبها بالفعل بسبب الحرب.

وتسلط عماد الضوء على تأثيرات هذا الخطاب، مشيرة إلى تفشي استخدام اللغة والمصطلحات العنيفة و الاقصائية التي تستهدف النساء بشكل مباشر والتي لا يتوقف ضررها عند الإهانة اللفظية، بل يشكل تهديدًا على سلامة وأمن النساء البدنية والنفسية في وقت يصعب فيه تقديم الدعم للنساء.

عبر الحدود

ظهر في المحتوى المدروس ارتفاعًا ملحوظًا في التوترات بين مواطني مصر والسودانيين الذين نزحوا بسبب الحرب كثر فيها إطلاق الألقاب العنصرية والمهينة من الجانبين.

وتلعب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الطرفان دوراً محورياً في هذا الأمر. فمن جهة، يعاني المواطنون المصريون من ضغوطات اقتصادية متزايدة، مما قد يؤدي إلى الشعور بالخوف على الموارد وفرص العمل، والذي قد ينعكس سلباً على نظرة البعض منهم إلى اللاجئين السودانيين. من جهة أخرى، يعاني اللاجئون السودانيون من صدمة النزوح، مما قد يجعلهم أكثر عرضة للانفعال والردود الحادة على أي استفزاز أو شعور بالتهميش.

وتستضيف مصر أكثر من 6 ملايين مهاجر من عدد من البلدان أبرزها سوريا والسودان واليمن وجنوب السودان وإريتريا، بحسب بيانات الحكومة المصرية، حتى العام 2022، حيث تتسبب النزاعات المحتدمة في نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص سنويًا إلى الدولة التي تمثل وجهة قريبة وسهلة الدخول، كما تمثل نقطة عبور للبعض في الطريق لمحاولة عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. ومنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل لجأ ما يقدر بـ(464,827) شخصًا من السودان إلى مصر، بحسب وزارة الخارجية المصرية.

تجاوز الإدانة

إن بناء مستقبل سلمي وآمن للسودان يتطلب التزامًا مستدامًا بتفكيك الأسس نفسها التي يقوم عليها خطاب الكراهية. وفي حين أن إدانة مثل هذه الخطابات أمر بالغ الأهمية، إلا أنها مجرد خطوة أولى تتطلب إلحاق خطوات متعددة الجوانب تبدأ من معالجة المظالم التاريخية من خلال جهود كشف الحقيقة والمصالحة الوطنية وبناء الثقة، وترسيخ مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية، وضمان الوصول العادل إلى الفرص في التعليم والتوظيف والخدمات العامة لعزل دعوات العنف التي تتغذى على مشاعر التهميش.

علاوة على ذلك، يتطلب مواجهة خطاب الكراهية تعزيز الهوية الوطنية الموحدة التي تتجاوز الانتماءات الطائفية الضيقة، بجانب الاعتراف بالتنوع المتأصل في السودان واحترامه، ما يعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة في بناء مستقبل أفضل.

مشاركة التقرير

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE