الحريق الكبير.. «سوداليتيكا» يرصد حوالي «3» آلاف معركة غيّرت وجه السودان

إجتماعي ،سياسي

وضعت المواجهات العسكرية الدامية صباح 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع جنوبي العاصمة الخرطوم ومدينة مروي شمالي البلاد حدًا للتحالف القائم بين الطرفين منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، في أبريل 2019، وسرعان ما انتقلت رقعة المواجهات لتشمل عدة أقاليم سودانية. كذلك كان اندلاع المواجهات العسكرية إشارة للتنافس الشرس على السلطة بين قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو حميدتي على السلطة.

وعلى مدى أسابيع سبقت اندلاع المواجهات بين الطرفين، شهدت العاصمة السودانية الخرطوم مظاهر عسكرية متزايدة من بينها إغلاق الطرق والجسور وحملات تفتيش للمدنيين. كما بدأت قوات الدعم السريع في حشد قواتها داخل الخرطوم.

أتت هذه التطورات بعد أقل من خمسة أشهر من توقيع قائد الجيش وقائد الدعم السريع على الاتفاق الإطاري مع قوى الحرية والتغيير  وشروع الأطراف في إقامة سلسلة ورش برعاية الأمم المتحدة لمناقشة القضايا العالقة بين الطرفين لإعادة إطلاق العملية السياسية الانتقالية بعد انقلاب الجيش والدعم السريع على الحكومة الانتقالية السابقة في 25 أكتوبر 2021.

ومع ذلك، تزايدت التوترات السياسية والمظاهر والتحركات العسكرية  لتندلع الحرب معلنة نهاية حقبة وميلاد أخرى وهي أكبر الصراعات المسلحة التي يشهدها السودان منذ استقلاله في يناير 1956.

بعد سنة على اندلاعها، تزداد ظلال الحرب في السودان قتامة مخلفة وراءها تأثيرات مدمرة على الأفراد والمجتمعات والبنية التحتية وضعت البلاد في أزمة إنسانية مروعة خسر فيها الآلاف أرواحهم واضطر الملايين للفرار من جحيم الحرب إلى الدول المجاورة أو الولايات الأكثر استقرارًا داخل البلاد، ما جعل السودان يشهد أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم بأكثر من 8 ملايين شخص مُجبرين على ترك منازلهم بحثًا عن ملاذ آمن. وحذرت الأمم المتحدة من أن نحو خمسة ملايين شخص في السودان يواجهون خطر الجوع الشديد.

«سوداليتيكا» يرصد «5,538» حادثة قتال وعنف منذ اندلاع الحرب حتى «5» أبريل الجاري

شهد الربع الأخير من 2023 والربع الأول من 2024 العديد من التطورات العسكرية، حيث اتسعت رقعة الاشتباكات إلى ولايات جديدة، ودخول فاعلين جدد كانوا في موقف الحياد في بداية الحرب مثل حركتي العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وجيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي.

كان إكمال الحرب سنة سيناريو محتمل بناءً على استطلاع رأي أجراه سوداليتكا في نوفمبر 2023 لمعرفة آراء السكان حول أسباب الحرب ومجرياتها ومآلاتها. حيث أظهرت النتائج أن نسبة كبيرة من المشاركين توقعوا تفاقم الوضع وتوسع رقعة الحرب بنسبة «%30.97»، في حين توقع «%12.76» وقف الحرب عن طريق المفاوضات أو النصر العسكري، وأخيراً توقع «%10.21» أن تستمر الحرب على وضعها الحالي.

تستعرض هذه الجزئية أحداث العنف التي تم رصدها خلال الفترة الماضية، حيث يهدف التحليل إلى تحديد أنماط الارتفاع والانخفاض في الأحداث المذكورة وتوزيعها في مختلف ولايات السودان. تتضمن الجزئية أيضاً رصد لعدد الضحايا خلال العام السابق، إذ يُعتبر تحليل عدد الضحايا مؤشرًا على تصاعد أو تراجع حدة النزاع.

المعارك وأحداث العنف

في الفترة من 15 أبريل 2023 إلى 5 أبريل 2024، وقع حوالي «7,142» حادثة عنف في السودان، حسب  مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED). تضمنت هذه الحوادث أعمال الشغب، المعارك، التطورات الاستراتيجية، التفجيرات عن بعد، الاعتداء على المدنيين.

يركز التقرير على ثلاثة أنواع رئيسية من الحوادث وهي:

  1. المعارك: حيث شهدت البلاد معارك متعددة، وتم تسجيل عدد كبير منها خلال الفترة المذكورة.
  2. التفجير عن بعد: تشمل هذه الفئة المتفجرات عن بعد، والألغام الأرضية، والعبوات الناسفة، بالإضافة إلى الضربات الجوية/بدون طيار، والقصف المدفعي/الهجمات الصاروخية.
  3. الاعتداء على المدنيين: تتضمن هذه الفئة الهجمات على المدنيين، والاختطاف والإخفاء القسري، والعنف الجنسي.

تبين البيانات أن عدد حوادث المعارك، والتفجيرات عن بعد، والاعتداء على المدنيين وحدها بلغت «5,538» حادثة خلال الفترة المذكورة. توزعت هذه الأحداث في ولايات السودان المختلفة، وتقدم الخريطة رقم «1» توزيع هذه الأحداث بشكل مبسط.

خريطة رقم «1»

بالنظر للخريطة، نلاحظ تركز عدد كبير من الهجمات على المدنيين في ولاية الخرطوم التي تمثل مركز الحرب حتى الآن، وولاية الجزيرة التي تشهد حتى الآن موجات عنيفة من الانتهاكات بعد إجتياح الدعم السريع لها في ديسمبر الماضي، وجزء من ولايات دارفور بشكل أقل إذ شهدت المنطقة عددًا من المعارك بين الجيش والدعم السريع بعد هجمات شنتها الدعم السريع على مدن الفاشر ونيالا والجنينة.

شكل رقم «1» مقارنة بين أحداث العنف

يبين الشكل رقم «1» أنماط ارتفاع وانخفاض أعداد الأحداث في الفترة من 15 أبريل 2023 إلى مارس 2024. بالنظر للشكل يتضح أن هناك انخفاضًا في عدد المعارك مع زيادة واضحة في أحداث العنف / التفجيرات عن بعد. استمر هذا النمط حتى يناير 2024، حيث بدأ عدد أحداث العنف/ التفجيرات عن بعد في الانخفاض بشكل كبير. يلاحظ أيضًا أن هذا الانخفاض لم يؤثر على عدد المعارك، التي حافظت على مستوى ثابت مع انخفاض طفيف في مارس 2024. يمكن أن تشير القراءة الأخيرة للشكل إلى انخفاض المواجهات بشكل عام بين الطرفين في فبراير ومارس 2024. ولكن يجب ملاحظة أن هذا الانخفاض لا يعني بالضرورة انخفاض حدة الصراع بين الطرفين في الوقت الحالي.

شهد شهر يناير 2024 أكبر عدد من حوادث العنف عن بعد/التفجيرات خلال العام السابق حيث بلغ عددها «311» حادثة، بينما شهد شهر فبراير 2024 أكبر عدد من حوادث العنف ضد المدنيين بعدد «133» حادثة.

يوضح الشكل رقم «2» توزيع عدد الضحايا خلال العام السابق، حيث سقط ما يقارب «15,555» ضحية خلال الفترة المذكورة. سجلت المعارك أعلى عدد من الضحايا بما يصل إلى «11,304» ضحية، تليها حوادث العنف ضد المدنيين بـ «2,181» ضحية، ثم حوادث العنف عن بعد/التفجيرات بـ «2,058» ضحية. 

من الشكل رقم «2» أيضاً، نلاحظ انخفاضًا واضحًا في عدد الضحايا في ديسمبر 2023، واستمر هذا الانخفاض خلال الربع الأول من عام 2024.

شكل رقم «2» عدد الضحايا 

يوضح الشكل رقم «2» توزيع الضحايا في ولايات السودان، حيث يلاحظ تركز أكبر عدد من الضحايا في ولاية الخرطوم بمجموع «7060» ضحية، تليها جنوب دارفور بعدد «1612» وشمال كردفان بعدد «931».

شكل رقم «3» عدد الضحايا حسب الولاية

المعارك

تُعرّف ACLED «المعارك» بأنها تفاعل عنيف بين مسلحين منظمين ومجموعات في وقت ومكان معين. يمكن أن تحدث “معارك” بين مسلحين والدول المنظمة وغير الحكومية والمجموعات الخارجية. شهدت ولايات السودان المختلفة «2936» معركة في الفترة بين أبريل حتى «5» أبريل 2024. بالنظر إلى الشكل رقم «4»، نلاحظ أن غالبية المعارك متركزة في الخرطوم بعدد «2004»، تليها ولاية جنوب دارفور بفارق كبير بعد «174» وولاية شمال دارفور بعدد «135» معركة.

شكل رقم «4» توزيع المعارك حسب الولاية

عند توزيع المعارك على مستوى المحليات كما هو موضح في الشكل رقم «5»، نلاحظ تركز المعارك في المحليات التابعة لولاية الخرطوم، حيث كان العدد الأكبر من المعارك في محلية الخرطوم «755» معركة، تليها محلية أم درمان «520» معركة ومحلية بحري «329» معركة. من الملاحظ أن غالبية المعارك الواقعة في ولاية جنوب دارفور تركزت في محلية نيالا جنوب بعدد «107» معارك من أصل «174» معركة، وكذلك غالبية المعارك التي وقعت في ولاية شمال دارفور تركزت في محلية الفاشر بعدد «100» من أصل «135» معركة.

شكل رقم «5» توزيع المعارك حسب المحليات

أحداث العنف عن بعد\ التفجيرات

تعرّف ACLED أحداث «الانفجارات/العنف عن بعد» بأنها حوادث يكون فيها جانب واحد يستخدم أنواع الأسلحة التي تكون بطبيعتها بعيدة المدى ومدمرة على نطاق واسع. الأسلحة المستخدمة في أحداث «الانفجارات/العنف عن بعد» هي الأجهزة المتفجرة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر: القنابل والقنابل اليدوية والعبوات الناسفة ونيران المدفعية أو القصف، والهجمات الصاروخية، والضربات الجوية أو الطائرات بدون طيار، وغيرها من الضربات الثقيلة المدمرة على نطاق واسع من الأسلحة أو الأسلحة الكيميائية.

شكل رقم «5» أحداث العنف عن بعد خلال العام

يوضح الشكل رقم «5» الارتفاع الكبير في عدد الضربات الجوية\ بدون طيار منذ شهر أغسطس 2023، حيث استمر الارتفاع حتى الربع الأول من 2024، حيث وصل أعلى مستوياته في شهري ديسمبر 2023 ويناير 2024. اتبعت حوادث القصف المدفعي\ الهجمات الصاروخية نفس نمط الارتفاع، كما تجاوز عددها الضربات الجوية بشكل ملحوظ في شهري أكتوبر ونوفمبر 2023، كما شهدت انخفاضًا كبيرًا في شهري فبراير ومارس 2024.

العنف ضد المدنيين

تعرّف ACLED “العنف ضد المدنيين” بأنه أحداث عنف حيث تقوم مجموعة مسلحة منظمة بممارسة العنف على افراد أو جماعات غير مقاتلة وغير مسلحة. وبحكم التعريف، فإن المدنيين غير مسلحين ولا يمكنهم المشاركة في العنف السياسي. ولذلك، يُفهم العنف على أنه غير متماثل حيث يُفترض أن يكون مرتكب الجريمة هو الفاعل الوحيد القادر على استخدام العنف في الحدث. ومن بين مرتكبي هذه الأعمال قوات الدولة والشركات التابعة لها، والمتمردين، والميليشيات، والقوات الخارجية/الأخرى.

الشكل رقم «6» حوادث العنف ضد المدنيين خلال العام

يوضح الشكل رقم «6» الارتفاع الكبير في عدد الهجمات على المدنيين في فبراير 2024، رغم انخفاض عدد المعارك في ذات الشهر إلى «188» مقابل «217» في يناير. يمكن إرجاع هذه الزيادة إلى الانتهاكات الكبيرة التي قامت بها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة بعد اجتياحها لها في ديسمبر 2023، حيث وقع العدد الأكبر من هذه الانتهاكات في فبراير في الولاية بعدد «66» حادثة من أصل «120» وتواصلت الانتهاكات في شهر مارس بعدد «46» من أصل «84» حادثة.

 يوضح الشكل رقم «7» توزيع أحداث العنف ضد المدنيين في ولاية الجزيرة، ويمكن ملاحظة الارتفاع الكبير للهجمات ضد المدنيين في شهر ديسمبر 2024 الذي شهد الاجتياح كما ذكرنا سابقاً، وتواصل في شهري فبراير ومارس 2024.

الشكل رقم «7» العنف ضد المدنيين في ولاية الجزيرة

بعد تحليل بيانات الفاعلين في الأحداث العنف ضد المدنيين، اتضح أن قوات الدعم السريع هي الأكثر ممارسة للانتهاكات ضد المدنيين بعدد «750» حادثة عنف ضد مدنيين من أصل «1052»، بالمقارنة مع «64» حادثة عنف ضد المدنيين قامت بها القوات المسلحة السودانية.

أوضاع النازحين خلال عام من الحرب

يعاني السودان من أسوأ أزمة نزوح في العالم، حيث نزح أكثر من 6.5 مليون شخص داخل البلاد، وفر 2.09 مليون إلى دول أخرى، خاصة تشاد وجنوب السودان ومصر، وعادة ما يصل هؤلاء النازحون إلى المناطق التي تستقبلهم وهم بلا موارد كافية، مما يزيد العبء على المجتمعات المضيفة الضعيفة اقتصادياً، ومع استمرار تفشي الصراعات وتوسع رقعتها، تعرض بعض النازحين للتشريد مرات عديدة خلال أشهر أو حتى أسابيع، وقد تم تشريد بعض المجتمعات أكثر من مرتين أو ثلاث مرات.

شكل رقم «8» إحصاءات النزوح خلال عام من الحرب

أوضاع النازحين داخل السودان

يوضح الشكل رقم «8» إحصاءات النازحين واللاجئين خلال الفترة بين أبريل 2023 حتى مارس 2024. بالنظر للشكل نلاحظ التصاعد المستمر في العدد الكلي للنازحين حيث بلغ عددهم «6,552,118» شخصاً. اتبع عدد اللاجئين إلى دول الجوار نفس نمط الإرتفاع حيث بلغ عددهم الكلي في مارس 2024 «2,019,027» حسب آخر إحصائيات لمنظمة الهجرة الدولية.

توزيع النازحين داخل ولايات السودان

شكل رقم «9» توزيع النازحين داخل ولايات السودان

بالنظر للشكل رقم «9»، نلاحظ أن غالبية النازحين توجهوا نحو ولاية جنوب دارفور حيث مثل عدد النازحين في الولاية نسبة «12%» من العدد الكلي، تليها ولاية نهر النيل بفارق حيث استضافت «11%» من العدد الكلي للنازحين، ثم ولاية شرق دارفور بتواجد نسبة «10%» من العدد الكلي للنازحين في الولاية.

شكل رقم «10» أعداد النازحين من كل ولاية

يوضح الشكل رقم «10» أعداد الأفراد الذين نزحوا من كل ولاية نحو ولايات أخرى. بالنظر للشكل، نلاحظ أن الغالبية العظمى من النازحين خرجوا من ولاية الخرطوم بمجموع «3,556,673» نازح، تليها ولاية جنوب دارفور بعدد «977,796» نازح، ومن ثم ولايتي شمال دارفور بعدد «572,231» نازح و الجزيرة بعدد «546,548» نازح.

أماكن إقامة النازحين داخل الولايات

الشكل رقم «10» يوضح أماكن الإقامة التي لجأت إليها الأسر النازحة في الولايات التي هاجروا إليها. من الشكل، نلاحظ أن المجتمعات المحلية استوعبت معظم الصدمة، حيث استقبلت مساكن الأسر المضيفة في الولايات العديد من الأسر النازحة بإجمالي عدد يصل إلى «863,209» أسرة. بينما اضطرت «165,414» أسرة للإقامة في المدارس والمباني العامة الأخرى. كما استقرت بقية الأسر في المعسكرات أو التجمعات في المناطق المفتوحة، بالإضافة إلى استئجار بعض الأسر للسكن في المنازل المستأجرة.

هذا التوزيع يظهر التحدي الكبير الذي واجهته الولايات المضيفة في استيعاب وتوفير الإسكان والخدمات الأساسية للنازحين، خاصة في ظل التكدس السكاني الكبير الذي كان موجودًا في الخرطوم قبل الحرب. تعزز هذه البيانات الحاجة إلى تعزيز الجهود الإنسانية والتنموية لمساعدة النازحين وتوفير الملاجئ والخدمات الأساسية لهم، بالإضافة إلى تعزيز قدرة المجتمعات المضيفة على استيعاب هذه الأعباء الإضافية.

شكل رقم «11» أماكن إقامة النازحين داخل الولايات

اللجوء إلى دول الجوار

على الرغم من أن العديد من الأسر توجهت إلى الولايات الآمنة في بداية الحرب، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة وتراجع الخدمات والبنية التحتية وارتفاع الأسعار دفع العديد من المواطنين إلى البحث عن فرص للنجاة خارج البلاد، وهذا شمل تدفقاً كبيراً من اللاجئين عبر الحدود إلى دول الجوار. بحسب أحدث إحصاءات منظمة الهجرة الدولية حتى مارس 2024، بلغ العدد الكلي للأشخاص الذين لجأوا إلى الخارج «2,019,027» شخصًا.

يوضح الشكل رقم «12» توزيع اللاجئين السودانيين في دول الجوار، حيث استضافت تشاد أكبر عدد من اللاجئين بواقع «729,473» لاجئا حيث توجه إليها عدد كبير من مواطني ولايات دارفور مع تصاعد المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في المنطقة. وتليها جنوب السودان التي استضافت «620,103» لاجئا، وجمهورية مصر العربية التي استضافت «514,827» لاجئا. قد فرضت جمهورية مصر العربية شروطًا جديدة صعبة على اللاجئين السودانيين، حيث اشترطت على النساء والأطفال والمواطنين الذين تجاوزوا عمر الـ 50 عامًا الحصول على تأشيرة دخول. وتحت ظروف التكدس الكبير في قنصليات الدولة في ولايات مختلفة، بدأ السوق الموازي لتأشيرات الدخول يزدهر مما جعل الدخول إلى مصر أكثر صعوبة. تحت هذه الظروف، اضطر بعض اللاجئين السودانيين إلى اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية إلى مصر عبر طرق التهريب، رغم المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها هذه الخطوة.

شكل رقم «12» عدد الأفراد الذين عبروا الحدود إلى دول الجوار

يوضح الشكل رقم «13» احتياجات النازحين داخل ولايات السودان المختلفة. حيث يوضح أن عدد «1,13,065» نازح يعانون من صعوبات متعلقة بالأمن الغذائي، تاليها المساعدات الصحية بعدد «1,018,005» نازح، و توفير سبل العيش بعدد «892,696» نازح. كما يشير الشكل إلى أن «726,063» نازح يعانون من صعوبات في الحصول على المياه، و«590,888» نازح يعانون من توفير مكان للسكن. يعكس الشكل حجم المعاناة البشرية الكبيرة التي يعيشها النازحون لتوفير أبسط احتياجات الحياة اليومية.

الشكل رقم «13»

الاعتداء على المنشآت الصحية

منذ اندلاع الحرب، تم تسجيل 289 هجومًا على المنشآت الصحية، معظمها في ولاية الخرطوم حيث بلغ عددها 144 هجومًا، شملت حادثة تضمنت اعتداءً  جنسياً و21 حادثة أدت إلى مقتل أفراد من الفرق الطبية ونتج عنها وفاة 31 شخصًا. في جنوب دارفور، وقع 29 هجومًا على المنشآت الصحية، شملت 3 حوادث مقتل أفراد من الفرق الطبية وأسفرت عن وفاة 3 أشخاص. في ولاية الجزيرة، تم تسجيل 20 هجومًا على المنشآت الصحية، شملت حادثة تضمنت اعتداءً جنسياً و 5 حوادث مقتل أفراد من الفرق الطبية وأسفرت عن وفاة 6 أشخاص. في غرب دارفور، تم تسجيل 16 هجومًا على المنشآت الصحية، شملت 5 حوادث مقتل أفراد من الفرق الطبية وأسفرت عن وفاة 7 أشخاص. في ولاية شمال دارفور، تم تسجيل 11 هجومًا على المنشآت الطبية، شملت اثنان منها حوادث مقتل أفراد من الفرق الطبية وأسفرت عن وفاة 4 أشخاص. وأخيرًا، في ولاية غرب كردفان، تم تسجيل 5 هجمات على المنشآت الطبية، شملت واحدة منها حادثة مقتل فرد من الفرق الطبية وأسفرت عن وفاة شخص واحد. 

وتم تحديد قوات الدعم السريع كمسؤولة عن الهجمات في 128 حالة، في حين نفذ الجيش 27 هجومًا على المنشآت الصحية. وقد شاركت كلتا القوتين في 28 حادثة اعتداء، بينما لم يتم التعرف على الجناة في الحوادث الأخرى.

وتم تصنيف ست من المنشآت الصحية على أنها مدمرة بالكامل، حيث كانت أربع منها في ولاية الخرطوم، ومنشأة واحدة في كل من ولاية الجزيرة وغرب دارفور. بالإضافة إلى ذلك، تم تصنيف 57 منشأة صحية أخرى على أنها تعرضت لأضرار بالغة، منها 41 في ولاية الخرطوم، وخمس في ولاية النيل الأزرق، وخمس في جنوب دارفور، وأربع في شمال دارفور، ومنشأة واحدة في كل من شمال كردفان وغرب دارفور.

شملت الغالبية العظمى من هذه الهجمات (207) استخدام الأسلحة النارية الصغيرة (مثل بنادق الكلاشنكوف)، وشهدت 14 حادثة استخدام القصف الجوي، وتضمنت 11 حادثة قصف مدفعي. كما تم استخدام القنابل والمتفجرات في 34 هجومًا، والصواريخ في 10 هجمات، وتضمنت 7 حوادث عمليات حرق. ولم يتم التعرف على نوع الأسلحة المستخدمة في الهجمات الأخرى.

يواجه نظام الرعاية الصحية في السودان خطر الانهيار الكامل، حيث تم توقف الخدمات الأساسية مثل التطعيم والتغذية والعناية العاجلة، وأسفر عن انتشار الأوبئة، بما في ذلك الكوليرا وحمى الضنك، كما أن الهجمات المتكررة على المنشآت الصحية والعاملين بها، وسيطرة الجماعات المسلحة على المرافق الطبية قد أدت إلى هدم البنية التحتية الطبية وإغلاق المستشفيات، مما أدى إلى وجود حوالي 11 مليون شخص في السودان في أمس الحاجة إلى المساعدة الصحية العاجلة.

مجاعة

حذر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة من أن التدهور الإقتصادي الناتج من الحرب في السودان يزيد من حدة أزمة الغذاء في المنطقة بعد أن أصبحت الأراضي الزراعية في السودان مسارح للنزاعات، وأهملت المزارع والمؤسسات التجارية نتيجة هروب السكان بحثاً عن ملاذ آمن. علاوة على أن معاناة البلاد من شح السيولة النقدية، والانقطاعات المتكررة في وسائل الاتصال تعيق الأنشطة التجارية.

وشهدت أسعار الغذاء في السودان ارتفاعاً بنسبة 73% مقارنة بالعام الماضي، وبنسبة 350% مقارنة بالمعدلات الخمسية، وتفاقمت الأزمة بفعل انخفاض قيمة العملة. وتمتد تأثيرات هذه الأزمة إلى جنوب السودان وتشاد، حيث يؤدي انقطاع التجارة وتشريد السكان إلى زيادة الضغط على الموارد وتفاقم الجوع.

وتقول سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي: “ملايين الأشخاص في السودان وجنوب السودان وتشاد مهددون بالمجاعة نتيجة الحرب التي ألحقت الدمار بالقطاع الزراعي والأعمال التجارية والاقتصادات الوطنية، مما ترك الضحايا دون طعام أو مال”. وتضيف: “يجب وقف الأعمال القتالية فوراً، وإلا فإن المنطقة قد تواجه قريباً أسوأ أزمة جوع في العالم”.

ومن المتوقع أن يأتي موسم الجفاف في السودان مبكراً وأن يستمر لفترة أطول من المعتاد بسبب تأثير الحرب على الموسم الزراعي الأخير. وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة تشير إلى أن إنتاج الحبوب الوطني انخفض بنسبة 46% مقارنة بعام 2023، وبنسبة 40% عن المعدل الخمسي، نتيجة تدمير واسع للأراضي الزراعية وإجبار المزارعين على الفرار من أراضيهم. كما أصبحت تكاليف الأسمدة والوقود باهظة للمزارعين القادرين على الاستمرار في العمل.

ومن غير المتوقع أن يتمكن السودان من توفير الأموال اللازمة لاستيراد كميات كافية من الغذاء لسد النقص. العام الماضي شهد تضاعف أسعار الحبوب الأساسية، ومن المرجح أن تشهد ارتفاعاً إضافياً بسبب ضعف المحصول الأخير، ما من شأنه أن يؤدي إلى نقص حاد في الغذاء خلال الموسم الجاف.

فقدان الدخل

يشير تقرير مشترك من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومعهد السياسة الغذائية الدولية بعنوان “سبل العيش في السودان في ظل النزاع المسلح” إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة للحرب على الأرياف السودانية، ويعتمد التقرير على بيانات مسح شامل للأسر الريفية أُجري في الفترة من نوفمبر 2023 إلى يناير 2024، وشمل 4,504 أسرة.

أكد التقرير أن أكثر من نصف الأسر الريفية في العينة تأثرت أعمالهم الزراعية بالحرب، مع أعلى نسبة تأثر في ولاية الخرطوم بأكثر من 68%، وفي ولايتي سنار وغرب كردفان بنحو 63%.

كما تسببت الحرب في اضطرابات جسيمة في فرص العمل وسبل العيش، ما أسفر عن عدم استقرار اقتصادي شامل. وتغيرت أنشطة توليد الدخل لدى نسبة كبيرة من الأسر الريفية (36.9%)، وانتقل 15% منهم من حالة العمل إلى عدم العمل. وشهدت 60% من الأسر المدروسة انخفاضًا في الدخل، حيث تجاوزت نسبة تخفيض الدخل 50%، علاوة على حالات فقدان الدخل بالكامل، خاصة في المناطق المتأثرة بالحرب بشكل مباشر.

 

وأوضحت الدراسة أن الحرب أحدثت اضطرابًا كبيرًا في دخل الأسر الريفية وزادت من الضعف القائم المتعلق بالسكن والوصول إلى البنية التحتية والخدمات، كما أن معظم الأسر تعيش في مساكن غير كافية، وتواجه تحديات إضافية بسبب التفاوت في الوصول إلى المياه والكهرباء وخدمات الصرف الصحي.

تسلط الدراسة الضوء أيضًا على أزمة انعدام الأمن الغذائي المتزايدة، حيث يعاني 59% من الأسر الريفية من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، مع أعلى معدلات الانتشار في ولايات غرب كردفان وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتحذر الدراسة من توقع حدوث مجاعة في السودان في عام 2024، خاصة في ولايات الخرطوم والجزيرة وفي مناطق دارفور وكردفان.

ويشير ثائر شريده، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإنابة في السودان، إلى أهمية فهم تأثير النزاع المسلح في السودان على حياة الناس وسبل عيشهم في بلد يعيش ثلثي سكانه في مناطق ريفية، مؤكدًا أن هذا الفهم يشكل أساسًا للتدخلات المستهدفة وإصلاحات السياسات للتخفيف من الآثار السلبية للحرب وتعزيز الصمود والاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.

مشاركة التقرير

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE