استطلاع رأي لأعضاء (مقاومة الخرطوم)… تكوين اللجان ودورها والتحديات التي تواجهها

إجتماعي ،سياسي

ملخص

تطورت عملية الاستطلاع من كونها مجرد مِيزَة مستخدمة في الممارسة الصحفية، إلى واحدة من أقوى الأدوات المستخدمة لقياس اتجاهات الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية لمعرفة تصورات وآراء المواطنين، فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاجتماعية.

ولأن آراء المواطنين تمثل مرتكزًا حيويًا في البناء الديمقراطي، يبدو أن قياسها وضمان تمثيلها المتوازن وغير المنحاز يشكلان صعوبة تتلازم وأهمية تلك الآراء، ما أدى إلى تطوير منظومة منهجية تَستخدم كلاً من العلوم الاجتماعية والنظريات الإحصائية؛ لعكس آراء المواطنين من مختلف الفئات بأفضل تمثيل ممكن.

يتم استخدام استطلاعات الرأي من قبل المنصات الإعلامية عادة كوسيلة لإيصال أصوات المواطنين فيما يتعلق بالمرشحين الرئاسيين أو بسياسات الدولة أو بأي قضايا اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.

ومع ذلك، نادراً ما يتم استخدام هذه الطرق في السياق السوداني، الأمر الذي يخلق فجوة بين المواطنين وصانعي القرار.

دفع ذلك (بيم ريبورتس) إلى إنشاء قسم (سوداليتيكا) المختص بقياس الرأي العام، والذي يهدف لتوفير قناة لأصوات وآراء المواطنين السودانيين، ومِن ثَمَّ تحفيز الحوار العام، وتشجيع ثقافة الاستناد إلى البيانات الموثوقة في عمليات اتخاذ القرار.

وتُدشن (بيم ريبورتس) هذه المنصة بسلسة استطلاعات تهدف لعكس آراء الأجسام القاعدية بشأن الموضوعات ذات الأولوية في الفترة الحالية، مثل قضايا التحول الديمقراطي، وتحديات التنظيم والحشد، ومستوى تمثيل النساء والفئات العمرية في تلك الأجسام، وسلوك استهلاك وسائل الإعلام.

يهدف هذا المشروع إلى إنتاج تقارير تحليلية تسلط الضوء على آراء المجموعات المستهدفة بخصوص أربعة موضوعات ذات أولوية في الفترة الحالية. وتركز منهجية البحث على جمع البيانات من القواعد، حيث يتم جمعها من أعضاء لجان المقاومة في مدن ولاية الخرطوم الثلاث (الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان)، بغرض الوقوف على آرائهم كأفراد، وليس كلجان او كتنسيقيات.

سيتم إصدار هذه التقارير شهرياً لنشر نتائج كل استطلاع، ونأمل استفادة الأجسام القاعدية منها، وأن تحفز نقاشاً مثمراً بين الجهات السياسية الفاعلة.

إن الهدف من هذه السلسلة الاولى من الاستطلاعات، هو تشجيع صناع القرار على إيلاء المزيد من الاهتمام للرأي العام، وبالتالي تعزيز مفهوم إشراك المواطنين في عملية صنع السياسات والتحول الديمقراطي.

علاوة على ذلك، فإن أحد أهداف هذا المشروع هو تنمية روح الاستناد إلى البيانات في حياتنا اليومية، لما تشكله من أهمية كبرى لقراراتنا وتوجهاتنا ومواقفنا.

عن المشروع

تُدشن (بيم ريبورتس) قسم (سوداليتيكا) عبر مجموعة من استطلاعات الرأي، التي تهدف إلى إنتاج تقارير تحليلية، تعكس أفكار وآراء الأجسام القاعدية بشأن الموضوعات ذات الأولوية في الفترة الحالية، مثل قضايا التحول الديمقراطي، وتحديات التنظيم والحشد، ومستوى تمثيل النساء والفئات العمرية في تلك الأجسام، وسلوك استهلاك وسائل الإعلام.

هذا الاستطلاع يعتبر الأول ضمن سلسلة استطلاعات تهدف لعكس آراء أعضاء لجان المقاومة بولاية الخرطوم.

اختيار موضوعات البحث وتصميم الاستبيانات

استند فريق البحث إلى إجراء مقابلات مع عدد من أعضاء لجان المقاومة، لتحديد الموضوعات ذات الأهمية والأولوية من وجهة نظرهم، بالاضافة الى بعض التقارير التحليلية التي تَدرس لجان المقاومة كتنظيمات جديدة، أو تعكس آراء الشباب وأعضاء اللجان ومنظمات المجتمع المدني بخصوص الفترة الانتقالية في السودان وتحدياتها.

بالاضافة الى ذلك، تم إجراء نقاشات موسعة، بعد تحديد أسئلة الاستطلاع، مع بعض أعضاء اللجان، لمناقشة الأسئلة الموضوعة وتقسيمها الى أربعة استبيانات.

:يمكن تلخيص مخرجات المقابلات والبحث في الموضوعات التالية

معرفة تحديات التنظيم والحشد ووجهات النظر، بخصوص تمثيل النساء والفئات العمرية المختلفة في الحي والأدوار السياسية والاجتماعية والخدمية، التي يجب أن تلعبها اللجان في مناطقها.

يأتي ذلك بالإضافة إلى مستوى التنسيق المطلوب بين اللجان نفسها، بمعنى هل الأنسب من وجهة نظر المستجيبين أن تنتظم اللجان على مستوى تنسيقيات ولائية أم محلية، أم الأفضل لها أن تنتظم على مستويات أقل من ذلك؟

تهدف أيضًا الاستطلاعات لدراسة تأثير الانقلاب على الأدوار التي تلعبها اللجان داخل الأحياء، وعلى علاقة اللجان بالأجسام السياسية والمدنية الأخرى، وأولويات الخروج من الوضع الراهن.

كذلك تم ذِكر أهمية معرفة وجهات نظر أعضاء اللجان بخصوص عملية التحول الديمقراطي ككل، أي مستقبل الفترة الانتقالية وما بعدها، وتصورهم لهياكل الحكم، ودور اللجان المتوقع بعد نهاية الفترة الانتقالية.

ومع أخذ أهداف (بيم ريبورتس) في الاعتبار، يهمنا أيضاً كمؤسسة اعلامية دراسة (سلوك استهلاك وسائل الإعلام) من منظور الأجسام القاعدية.

يتضمن ذلك معرفة آرائهم بخصوص وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والوسائل المُفضلة بالنسبة لهم، إن كانت وسائل إعلام تقليدية أم رقمية، أو وسائل أخرى، مثل النقاشات مع المعارف، أو قراءة الكتب والمقالات، الخ.

تهدف هذه الجزئية للمقارنة بين القنوات المستخدمة لتلقي المعلومات والأخبار، مثل الجرائد والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الإخبارية ، و بين المصادر التي يعتبرها المستجيبون موثوقة، كما تهدف لمعرفة الوسيلة التي يفضلونها لتلقي المعلومات (محتوى مكتوب، انفوجرافيك، فيديو، الخ).

ومعرفة الاهتمامات المختلفة للأفراد، وارتباط المنصات الإعلامية بالأنواع المختلفة للمحتوى (ترفيهي، ثقافي، رياضي، سياسي، الخ).

ويمكن الاستفادة من ذلك في قياس درجة الوعي بضرورة التحقق من المعلومات، والطرق والمعايير المتبعة لتحديد الأخبار التي قد تتطلب التحقق، مما يساعد مؤسسات الإعلام السودانية لتطوير الأساليب المتبعة لمحاربة المعلومات المضللة، أو التي تهدف لتوجيه الرأي العام.

أهداف الاستطلاع الأول

يهدف الاستطلاع الأول لمحاولة فهم طبيعة تكوين اللجان من فئات عمرية، وتوزيع النوع الاجتماعي، والمهن، ومدى فعالية الأعضاء في المناطق المختلفة. يساعد ذلك في اختيار موضوعات الاستبيانات المقبلة وتصميمها، بالإضافة إلى تقييم العينات التي تم جمعها من تلك المناطق.

يهمنا كذلك معرفة مستوى تمثيل فئات الحي المختلفة في اللجنة (نساء، فئات عمرية، الفئات ذات الدخل المنخفض) من وجهة نظر المستجيبين، ودراسة العوامل التي تجعل بعض اللجان أكثر نشاطاً وفاعلية من غيرها، والتحديات التي تواجه الأعضاء في التنظيم والحشد.

كما يتضمن جزئية لقياس آراء أعضاء اللجان بخصوص الأساليب المتبعة للتنظيم الداخلي مثل الهيكلة، وطرق اختيار وتصعيد القيادات، وطرق صناعة المواثيق، الخ.

يساعد ذلك على فهم علاقات اللجان مع سكان المناطق التي تنتمي لها، وآراءهم في شكل هذه العلاقة، وتوضيح الرؤى المختلفة للأعضاء بخصوص الدور الذي يجب أن تلعبه اللجان في مناطقها (دور سياسي، اجتماعي، ثقافي، أم خدمي).

خلفية: تاريخ وتطور لجان المقاومة

صدحت الساحة السياسية في السودان بلجان المقاومة (لجان الأحياء). وبرزت هذه اللجان كتنظيمات لديها فاعلية عالية وقدرة كبيرة على الحشد. ولعبت لجان المقاومة دورَا أساسيَا في الحراك السياسي منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2018 إلى إسقاط البشير وحتى اليوم، وكانت حائط الصد الأساسي أمام انقلاب أكتوبر 2021.

وأثبتت لجان المقاومة قدرتها العالية على التشبيك والحشد والتحريك، وثقلها الكبير كأحد أشكال التنظيم والعمل السياسي القاعدي، فاتحة مساحات جديدة للانخراط السياسي في الساحة السودانية لم توجد من قبل.

فقبل لجان المقاومة، اعتمد النشاط السياسي في السودان بصورة كبيرة على الأحزاب السياسية والانتماءات الطائفية، وكان حصرًا على فئات اجتماعية معينة دَلفت إليه بصورة أساسية عبر النشاط السياسي بالجامعات. 

أتاحت لجان المقاومة مساحات جديدة للنضال السياسي مفتوحة للجميع، بهيكل أفقي وتوزيع جغرافي وشروط انضمام محدودة، كفلت حق فئات جديدة في الانخراط السياسي، فئات شاركت في الثورة بصورة أساسية، ولم يكن لها وجود فعال في صناعة المشهد السياسي من قبل على مدى تاريخ السودان، مضيفة بذلك عاملًا جديدًا في المعادلة السياسية السودانية.

وقعت اللجان مؤخرًا على ميثاقها السياسي الموحد، فارضة نفسها بشرعية الورق كفاعل رئيس. يعود تاريخ نشأة لجان المقاومة الى العام 2013 عقب القمع العنيف من السلطة المركزية لحراك ثوري رفع شعارات إسقاط النظام، ومثل نقطة فارقة في تصاعد مستمر للاحتجاجات الشعبية منذ استقلال الجنوب.

وقد برزت أولى لجان المقاومة الناشئة حينها كخلايا تنظيمية صغيرة عملت على حشد وتحريك المظاهرات. قامت مظاهرات سبتمبر 2013 كرد فعل شعبي على قرار الحكومة وقتها بخفض دعم القمح والمحروقات عقب الأزمة المالية التي تلت انفصال الجنوب، وكانت بمثابة تدريب لمظاهرات 2018 من عدة نواحي. وقد قتل فيها ما لا يقل عن 200 متظاهر من الشباب.

في العام 2018، بدأت موجة مظاهرات أخرى عقب أزمة اقتصادية جديدة، ومع محاولة أخرى للحكومة لخفض الدعم. ولكن في هذه المرة اشتعلت الاحتجاجات عبر طول البلاد وعرضها معلنة قيام ثورة ديسمبر 2018.

فأصبح من الضروري أن ينتظم المتظاهرون بصورة أفضل في مواجهاتهم مع الأجهزة الأمنية، مما أدى لاعادة اختراع لجان مقاومة الأحياء، والتي تطورت لتصبح وحدات للمناورة والخدمات اللوجستية موزعة سكنيًا ومسؤولة عن تخطيط وتنفيذ وتغذية التظاهر، ولكن بتركيب ومهام اختلفت جذريًا عن نسختها في 2013. 

لعب تجمع المهنيين السودانيين دور التنسيق والادارة للتظاهرات حتى قيام اعتصام القيادة في السادس من أبريل 2019، ويذكر الكثير من الناس أن لجان المقاومة كانت هي المنفذ الفعلي على الأرض للتوجيهات الصادرة من تجمع المهنيين السودانيين في الفترة بين ديسمبر 2018 وحتى أبريل 2019.

تواصل الحراك عبر أحياء السودان وفي اعتصاماته المختلفة حتى سقوط البشير في 11 أبريل 2019.

لعبت لجان المقاومة دورًا أساسيًا في تنظيم الاعتصام والقيام بأنشطته المختلفة، ما سمح لها بتقوية التشبيك بينها والعمل على تقوية تنظيمها الداخلي.

استمرت الاعتصامات حتى فضها الدموي في الثالث من يونيو 2019، فيما سمي بمجزرة القيادة العامة، التي أنهت حياة المئات ودمرت حيوات آخرين بالإصابة والفقد.

مع الأحداث العنيفة في ذلك اليوم، تم قطع شبكة الإنترنت عن جميع البلاد. في فترة انقطاع الإنترنت، ازدهر التنسيق والتشبيك على الأرض بين اللجان عندما اضطرت للعمل دون تواصل آمن وسريع، ففقدت القدرة على متابعة بيانات تجمع المهنيين السودانيين، ما فرض مزيدًا من التنسيق بين اللجان المتقاربة جغرافيًا، فظهرت تنسيقيات اللجان المختلفة.

أثبتت اللجان جدارتها في العمل المنسق في التظاهرات الحاشدة عبر مدن السودان المختلفة في 30 يونيو 2019 رغم انقطاع الإنترنت واستمرار الاحتجاج بعدها، ما كفل قيام التسوية السياسية بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وتوقيع الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019.

استمرت اللجان بعدها في نشاطها المقاوم وتقوية تنظيمها في الفترة الانتقالية. وازدادت عضويتها وتزايد تطورها المؤسسي وتكاملها في مركزيات وتنسيقيات.

وقد شمل عمل اللجان في هذه الفترة عددًا من الأنشطة، فاشتغلت في الأعمال الخدمية ونظمت الحشود والمواكب والاعتصامات وأغلقت الشوارع، وكتبت المذكرات للضغط على الحكومة الانتقالية احتجاجًا على بعض السياسات التي تم تنفيذها والممارسات القمعية التي ظلت مستمرة، وقد أقامت اللجان كذلك عددًا من الاعتصامات داخل وحول مقار عدد من المحليات.

في 25 أكتوبر 2021، اقتلع المكون العسكري السلطة من المكون المدني، واعتقل عددًا من القادة المدنيين وأعلن حالة الطوارئ في البلاد، لتبدأ موجة أخرى للثورة السودانية لمناهضة الانقلاب.

شهدت لجان المقاومة تصعيدًا في مقاومتها وزيادة في عضويتها وفعاليتها، وأصبحت المحرك الرئيس للحراك المناهض للانقلاب في معظم المدن والولايات السودانية.

تستمر لجان المقاومة في نشاطها ضد الانقلاب حتى اليوم، ولا تزال تواجه القتل والاعتقال والتعذيب من السلطة الانقلابية، رافعة شعار “لا تصالح. لا مساومة. لا شرعية”.

في تلك الأثناء، سعت اللجان لوضع صيغة مشتركة بينها لرؤيتها عن التغيير، فأخرجت ما عرف بـ (الميثاق الثوري لسلطة الشعب)، الذي ضَم حوالى 15 ولاية، في حين صدر ميثاق آخر تحت مسمى (ميثاق تأسيس سلطة الشعب)، عن معظم لجان ولاية الخرطوم.

تشابهت الرؤيتان في الأهداف الأساسية، إلا أنهما سارا في نهجين مختلفين. ومع اقتراب مرور عام على الانقلاب، في الخامس من أكتوبر 2022، وقع ممثلون من لجان المقاومة وتنسيقياتها بالخرطوم والولايات المختلفة على (الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب)، بعد عملية دمج قاعدية طويلة للمواثيق المختلفة، لتفرض بذلك اللجان نفسها كلاعب رئيس في المشهد السياسي. 

اجتمع في لجان المقاومة العنصر التحرري للحركات الشعبية بهياكل ديمقراطية، على عكس السائد في الساحة السياسية، وقد تطورت لتصبح سلطة سياسية تتحدى، وفي بعض الأحيان تحل محل، الوحدات المحلية لجهاز الدولة. 

ويلاحظ أن لجان المقاومة هي التنظيم الذي يضم أكبر نسبة شباب في عضويته، والذين يشكلون أكثر من 40% من مجموع السكان، ويعانون من أوضاع سيئة، بمعدل بطالة بلغ 35.62 % في العام 2021، واحتمالية وفاة بنسبة 15.70 % في العام 2020 للشباب بين 15 الى 24 سنة.

كما تمتاز لجان المقاومة بإصرارها على استقلال موقفها السياسي، وتعمل في هذا الصدد على تمويل نفسها بالإمكانيات الذاتية لأعضائها.

وتواجه لجان المقاومة العديد من التحديات، ففضلًا عن كونها تتصدى سياسيًا للسلطة الحاكمة، فإنها تتعامل مع عدة عوامل شائكة اجتماعيًا، فاللجان هي شكل جديد للتنظيم السياسي وللعمل القاعدي ظل يتكون في فترة حرجة من تاريخ السودان، فترة يُهدم فيها القديم ويَنشأ فيها الجديد.

لذلك تجد اللجان نفسها في مواجهة تناقضات اجتماعية كثيرة، مِن ثَمّ فإنه لا يمكن التعاطي معها باعتبارها ظاهرة واحدة تتكرر جغرافيًا، بل تَحكم كل لجنة عوامل اقتصادية وعلاقات اجتماعية مميزة لكل مجال جغرافي تتحرك فيه.

وفي ظل هذه الشروط الاجتماعية الشائكة والمتغيرة، يصعب البحث في ماهية لجان المقاومة.

ومن هنا جاءت الحاجة لإجراء بحوث متعددة لمحاولة فهم طبيعة اللجان، وأنماط نموها وتطورها وعملها، ما يساعد على تطورها، ويساعد أيضًا على تطور الثورة السودانية. لذلك فإن هذا البحث يُمَثل خطوة في طريق طويل.

المنهجية

أعضاء لجان المقاومة بولاية الخرطوم.

إن إطار العينة هو حصر مُفصل لجميع العناصر أو الأشخاص في مجتمع الدراسة، ويتم استخدام هذه القائمة عادة لتحديد إستراتيجية المعاينة وحساب عينة الاستطلاع. وبما أن مجتمع الدراسة الخاص بهذا الاستطلاع يتكون من أعضاء لجان المقاومة بولاية الخرطوم، فمن المهم توضيح مسألة صعوبة الوصول إلى هذه الدرجة من التفصيل والدقة بالنسبة لمجتمع لجان المقاومة، نظراً لعدم وجود أرقام موثقة ومتاحة. 

ولكن يجب الحصول على إطار للعينة يمكن من خلاله توزيع العينة المستهدفة. مِن ثَمَّ جمع فريق البحث بيانات من مصادر مفتوحة مثل صفحات اللجان على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إجرائه لمقابلات هاتفية مع عدد من أعضاء التنسيقيات المختلفة بالولاية، للتوصل إلى عدد تقريبي للجان المندرجة تحت التنسيقيات ومدى فعاليتها.

أشار العديد من الأعضاء إلى أن عملية حصر اللجان على مستوى الأحياء قد تكون أكثر صعوبة، بالإضافة إلى أن أولويات المرحلة الحالية مثل صناعة المواثيق السياسية، وأسباب تتعلق بالوضع الأمني، أُجبرت العديد من اللجان للاتجاه إلى تركيز العمل على مستوى التنسيقيات المحلية أو الولائية. بناء على ذلك، تم اعتبار عدد التنسيقيات بولاية الخرطوم المؤشر الأساس لتوزيع العينة لهذا الاستطلاع.

حصر فريق البحث 20 تنسيقية بالولاية، وتم تقليص عدد التنسيقيات المستهدفة إلى 17 تنسيقية بسبب محدودية عدد جامعي البيانات، مما يُصعب عملية الوصول إلى جميع المناطق والأعضاء في فترة زمنية محدودة.وبما أنه لا يمكن ضمان عينات عشوائية في ظل عدم وجود إطار رسمي للعينات، أدت طبيعة البحث إلى أن يلجأ الباحثون إلى طريقة غير احتمالية لتوزيع 450 عينة، وبشكل أساس تم استخدام طريقة (العينة الحصصية)، لضمان التمثيل العادل لكل منطقة جغرافية، وتم ذلك عبر توزيع العينات على محليات ولاية الخرطوم نسبياً، حسب الكثافة السكانية لأي محلية، مع الأخذ في الاعتبار عدد  التنسيقيات واللجان الفاعلة في أي منطقة، بالإضافة إلى تقريب عدد العينات لأي منطقة بغرض التوزيع العادل بين جامعي البيانات.

بعد اختيار جامعي البيانات من المناطق المحددة للعينة، تم تدريبهم على أساليب إجراء المقابلات وجمع البيانات وإدخالها إلكترونياً باستخدام تطبيق (KoboToolbox) مفتوح المصدر. وبدأت عملية جمع البيانات بتاريخ 1 أكتوبر 2022 واستمرت لمدة أسبوعين، وتم جمع 300 عينة موزعة على محليات ولاية الخرطوم، حسب عدد التنسيقيات الفاعلة في أي محلية.

248 مقابلة تمت وجهاً لوجه تمثل (82.67 %) من العينات التي جمعها، وتم إجراء 52 مقابلة عبر الهاتف تمثل (17.33%) من العينات، وتم اللجوء لوسيلة التواصل عبر الهاتف، لأسباب ترتبط بالبُعد الجغرافي، أو بصعوبة الوصول لجميع المستجيبين، وذلك لضمان التوزيع العادل للعينة. 

تم اختيار المستجيبين لأي منطقة بناء على تقديرات جامع البيانات الخاص بها، ولكن وٌضعت معايير للاختيار؛ لضمان تمثيل عدد التنسيقيات المستهدفة، بالإضافة الى تنوع الفئات العمرية والنوع الاجتماعي. 

إن طريقة اختيار المستجيبين يمكن أن تُعتبر خليط بين (العينة الملائمة) و(عينة كرة الثلج)، حيث يتم الاستفادة من مجموعة صغيرة من المستجيبين للوصول إلى آخرين ملائمين لأغراض الدراسة.

جميع المستجيبين للاستبيان أعضاء في لجان مقاومة، ولكن تم إخطارهم بأن إجاباتهم ستُعتبر ممثلة لرأيهم الشخصي فقط، وليس بالضرورة رأي اللجنة أو التنسيقية التابعين لها. لم يتم خلال هذا الاستطلاع جمع أي بيانات شخصية يمكن من خلالها التعرف على المستجيبين أو استنتاج معلومات شخصية عنهم.

  • بعض جامعي البيانات واجهوا صعوبات في الوصول إلى العينات المطلوبة، ومِن ثَمَّ كان العدد الذي تم جمعه أقل من المطلوب في مناطق الخرطوم جنوب والكلاكلة وكرري وبعض مناطق أمبدة.
  • أحد القيود أيضاً يتمثل في طبيعة البحث، التي تؤدي إلى أن يلجأ الباحثون إلى الوصول للمشاركين بالاستطلاع عبر جامعي البيانات أنفسهم، وليس عبر إطار رسمي لأخذ العينات، كما هو موضح في الجزء المتعلق باستراتيجية المعاينة التي تم اتباعها.

نتائج وتحليل الاستطلاع

لمحة عن المستجيبين

كما تم الذكر في قيود الاستطلاع، كانت تغطية بعض المناطق أضعف من غيرها، حيث تم جمع 66 عينة من محلية الخرطوم تمثل (22 %) من مجموع العينات، و 63 عينة من محلية جبل أولياء تمثل (21 %) من مجموع العينات، و60 عينة من محلية أمدرمان تمثل (20 %) من مجموع العينات، و45 عينة من محلية بحري تمثل (15 %) من مجموع العينات، و45 عينة من محلية شرق النيل تمثل (11 %) من مجموع العينات، و15 عينة من محلية أمبدة تمثل (3 %) من مجموع العينات، و 10 عينات من محلية كرري تمثل (3 %) من مجموع العينات. إن المجموع الكلّي هو 300 عينة، ويُبين (الشكل 1) توزيع الاستجابات التي تم جمعها حسب المحلية والتنسيقية.

(الشكل 1) - عدد العينات التي تم جمعها حسب المحلية والتنسيقية

(الشكل 2) يوضح أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عامًا، يمثلون (81.88 %) من المشاركين، ويمكن اعتبارها نتيجة متوقعة، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم الأفراد المشاركين في العمل الميداني المرئي يعتبرون من فئة الشباب.

كما يُبين تحليل النوع الاجتماعي أن أغلبية المستجيبين ذكور بنسبة (69 %)، بينما مثلت نسبة المستجيبات الإناث (31 %)، وكانت تلك من التحديات التي واجهت جامعي البيانات، لأن تمثيل النساء يعتبر ضعيف في عدد من المناطق.

يوضح  (الشكل 3) أن محلية جبل أولياء ومحلية الخرطوم لديهم أعلى عينات ممثلة للنساء ضمن العينات التي تم جمعها، على عكس محليات شرق النيل وأمدرمان.

(الشكل 3) - توزيع النوع الاجتماعي حسب المحلية
(الشكل 2) - الفئات العمرية للمشاركين

أما بالنسبة للمهن، وضحت نتائج التحليل أن (37.25 %) من المستجيبين طلبة، مما يجعلهم الفئة الأعلى وسط المشاركين بالاستطلاع، يليهم الموظفون بنسبة (18.79 %)، وأصحاب الأعمال الحرة بنسبة (15.77 %) على التوالي، كما موضح في (الشكل 4)، مما يتناسب مع توزيع الفئات العمرية للعينة.

ومع الأخذ في الاعتبار أن المستجيبين للاستطلاع هم من العضوية الفاعلة باللجان، يمكن أن يكون ذلك مؤشراً إلى أن الطلاب والخريجين الجدد لديهم إمكانية أكبر للتفرغ لعمل اللجان، بالإضافة إلى أنها كانت الفئة الأكثر مشاركة في العمل الميداني منذ انتفاضة 2018-2019.

توجد أيضاً عوامل أخرى مثل الظروف المعيشية أو الأسرية التي تشغل أصحاب المهن الأخرى عن العمل العام، علاوة على الوضع السياسي المزعزع منذ العام 2019، الذي أسهم في عدم استقرار الجامعات، وإتاحة زمن للطلاب يُمكن استثماره في الانضمام إلى اللجان والمشاركة فيها بفاعلية أكثر.

(الشكل 4) - المهن الخاصة بالمستجيبين

من المتوقع أن يكون لدى أعضاء اللجان رغبة في النشاط السياسي أو الاجتماعي بشكل عام. ومع ذلك، أفاد أغلبية المستجيبين أنهم ليسوا أعضاءً في أجسام منظمة أخرى، حيث أن 85 شخصًا فقط من المشاركين أي بنسبة (28.5 %) أفادوا أنهم منتمين إلى أجسام أخرى غير لجان المقاومة.

وتم تقسيم الأجسام مسبقاً إلى 4 تصنيفات، حيث أنه لم يكن من المطلوب تحديد اسم المنظمة أو الجسم الذي يتبع له المشارك، إنما طُلب منه على وجه التحديد، تصنيف هذا الجسم حسب الخيارات الموضوعة وهي: (حزب سياسي، مبادرة أو حركة اجتماعية، جسم مطلبي، جمعية ثقافية).

وتم تعريف (المبادرة أو الحركة الاجتماعية) على أنها الحركات المخصصة لمناصرة قضايا اجتماعية محددة، مثل قضايا المرأة والنوع الاجتماعي، وقضايا حقوق الإنسان. أما (الجسم المطلبي) فالمقصود به الأجسام التي تُمثل فئات ذات مطالب مشتركة، مثل النقابات والأجسام المهنية، والروابط الطلابية في حالة الطلاب.

يُبين  (الشكل 5) عدد المستجيبين الذين صرحوا بأنهم أعضاء في أجسام تصنف وفقاً للتصنيفات الموضحة.

(الشكل 5) - عدد الأعضاء الذين ينتمون لأجسام أخرى
ما هي العوامل التي تدفع الأفراد للانضمام إلى لجان مقاومة؟

لعبت لجان المقاومة بشكل عام دورًا كبيرًا في التعبئة وتطوير تقنيات المقاومة طوال فترة انتفاضة 2018-2019، ومنذ ذلك الحين، يمر السودان بسلسلة من التقلبات السياسية والاقتصادية التي أثرت بدورها على نشاط لجان المقاومة في الأحياء.

يبين (الشكل 6) تقييم المستجيبين للاستطلاع لمستوى نشاطهم الحالي، مما يوضح أن الأغلبية بنسبة (81.2 %)، يعتبرون أن نشاطهم متوسط، أو أعلى من المتوسط داخل لجانهم.

(الشكل 6) - مستوى نشاط المستجيبين داخل اللجان

وبغرض فهم ما يحفز الأعضاء على الانضمام إلى لجنة منطقتهم، أو أن يكونوا جزءاً من حركات المقاومة المنظمة، اتخذ الباحثون نهج الأسئلة النوعية المفتوحة، التي يمكن تحليل مخرجاتها بجانب البيانات الزمنية التي تشير إلى الفترات التي انضم خلالها المستجيبون إلى لجانهم.

يوضح (الشكل 7) أن العام 2019 بصورة عامة هو الأعلى من ناحية انضمام الأعضاء إلى اللجان، وأعلى فترة زمنية هي الربع الثاني من 2019، وهي فترة ما قبل سقوط نظام البشير واعتصام القيادة العامة، الذي كان ما بين أبريل ويونيو 2019.

وشهد العام 2020م انخفاضاً ملحوظاً في العدد، حتى ارتفع مرةً أخرى في الربع الرابع من 2021، وهي الفترة التي تلت انقلاب 25 أكتوبر مباشرة.

(الشكل 7) - تاريخ انضمام الأعضاء الى اللجنة حسب الربع السنوي

بيد أن زمن الانضمام الى اللجنة، لا يعكس لنا الأوقات الأعلى من ناحية مستوى فعالية الأعضاء، فمن الممكن أن يكون مستوى الفعالية متذبذب حسب الوضع السياسي والأمني في البلاد. وكشفت البيانات عن بعض التباين بين تواريخ الانضمام إلى اللجنة، والفترات الأعلى نشاطاً التي تم التعبير عنها عبر إجابات مفتوحة.

فعلى الرغم من أن أغلبية المستجيبين انضموا إلى اللجان خلال عام 2019، يوجد عدد قليل نسبيًا يُمثل (15.4 %) من المستجيبين، الذين ذكروا أنهم كانوا نشطين قبل الإطاحة بالنظام السابق.

يمكن أن يكون ذلك بسبب القبضة الأمنية التي كانت متفشية طوال فترة انتفاضة 2018-2019، الأمر الذي تصعب معه عملية الحشد والتنظيم داخل لجان الأحياء، بالاضافة إلى أن كثير من اللجان تم إنشاؤها وزيادة عضويتها بصورة ملحوظة خلال تلك الفترة، ما يعني أنها كانت تعتبر حديثة التكوين، وعلى مستوى أقل من التنظيم والهيكلة.

أفاد أغلبية المستجيبين ويمثلون (60.4 %) بأن أكثر فترة كانوا فاعلين فيها في لجانهم، هي الفترة التي أعقبت انقلاب 25 اكتوبر مباشرة، ووصف عدد معتبر من المستجيبين يمثلون (33.5 %) فترات متفرقة خلال الفترة الانتقالية، بأنها كانت ذات فعالية عالية بالنسبة لهم.

أغلب هذه الفترات وقعت فيها أحداث سياسية مهمة، مثل فترة ما بعد فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019، وما بعد توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019.

تصب هذه النتائج في اتجاه أن دوافع الانضمام إلى اللجان، يمكن أن يكون لها ارتباط مباشر بالأوضاع السياسية التي تتطلب الحشد ومقاومة الأنظمة المعادية للديمقراطية.

يتأكد لنا ذلك عبر النتائج التي تدل على أن أغلبية المستجيبين بنسبة (42.8 %) وصفوا دوافعهم للانضمام إلى اللجان تحت مظلة (المشاركة في الحراك أو فعل المقاومة)، ويتضمن ذلك إجابات مثل مقاومة الأنظمة الديكتاتورية والانقلابات العسكرية، والمشاركة في الحراك السلمي المنظم.

إضافة إلى ذلك، أجاب (33.9 %) بأن دافعهم للانضمام، يتعلق بالمشاركة في عملية البناء القاعدي، أما بقية الأسباب تباينت ما بين الرغبة في إحداث تغيير على مستوى الدولة وهياكلها بنسبة (27.8 %)، أو المشاركة في إحداث تغيير مجتمعي عبر الانشطة الخدمية في الأحياء بنسبة (18.1 %)، أو المشاركة في اتخاذ القرار بنسبة (9.1 %).

التحديات العامة

من الواضح أن الفترة التي أعقبت الانقلاب العسكري قد عطلت بشكل كبير عملية التنظيم والبناء القاعدي، وأعاقت أنشطة لجان المقاومة في جميع أنحاء السودان.

وفي محاولة لاكتشاف طبيعة التحديات التي تواجه اللجان بصورة عامة، استخدم الباحثون أسئلة مفتوحة لتوفير مساحة للمستجيبين للتعبير عن آرائهم بتوسع؛ ثم تم تحليل الاستجابات وتصنيفها إلى فئات يمكن أن تُمثل المسائل التي ذٌكرت من قبل المستجيبين.

وفي هذا الإطار، أشار عدد كبير يمثل نسبة (63.1 %) من المستجيبين إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه لجان المقاومة هو الاختراقات الأمنية وسط اللجان، وأضافوا أن بعض اللجان -من وجهة نظرهم – تواجه إشكالية فقد الأعضاء الثقة في بعضهم بعضًا، فأسلوب التخوين أصبح هو السائد.

ويتم استخدامه تجاه بعض الأعضاء المنتمين إلى أحزاب سياسية، أو الذين يتم وصفهم بأنهم يحملون توجهات لا تتوافق مع رؤية اللجان الرافضة للتسوية السياسية. ثمة شبه اتفاق على أن هذه الإشكالات قد تُولد (انقسامات داخلية) داخل اللجان مما يعطل العمل، ويعطل التوافق على رؤية موحدة.

وذكر (43.96 %) من المستجيبين أن التحدي الثاني الذي يواجه اللجان يتمثل في ضعف الخبرة في العمل السياسي والتنظيمي، ثم تأتي مسألة تأخير صياغة رؤية سياسية موحدة، كإحدى العوامل التي تعيق التوافق بين عضوية اللجان بنسبة (22.48 %).

أما باقي الردود فقد أشارت إلى تدهور الوضع الاقتصادي كعامل يعيق عمل اللجان بنسبة (13.4 %)، بالإضافة إلى القبضة الأمنية، واستهداف الأعضاء من قبل السلطات بنسبة (13.4 %)، والبعد عن المجتمع والقواعد بنسبة (13.4 %). 

وعلى الرغم من ذلك، عندما نقارن هذه التحديات بنظرة الأعضاء بخصوص عوامل مختلفة في طريقة عمل لجنتهم الخاصة، مثل الهياكل واللوائح الداخلية، وشروط العضوية، وطرق اختيار الممثلين، ومستوى التشبيك مع اللجان الأخرى.

يوضح لنا (الشكل 8) أن الأغلبية تميل آراءهم إلى الجانب الإيجابي في جميع القضايا، باستثناء إدارة الاجتماعات ونسبة الحضور، التي يتضح أنها أكثر الجوانب تحدياً، ويمكن أن يكون ذلك بسبب التحديات التي ذٌكرت أعلاه، مثل القبضة الأمنية، وتدهور الوضع الاقتصادي، الذي يؤدي إلى انشغال الأعضاء بأوضاعهم المعيشية.

(الشكل 8) - تقييم الأعضاء لفعالية العمل بلجانهم
مستويات تمثيل الفئات المختلفة

من ضمن أهداف الاستطلاع الأول قياس مستوى تمثيل الفئات المتنوعة في الحي داخل لجان المقاومة، لكن من الصعب العثور على بيانات دقيقة يمكن أن تعكس مثل هذه الأرقام؛ نظرًا للوضع الأمني الحساس.

وبغرض تكوين فكرة بخصوص هذا الأمر، طلب الباحثون من المستجيبين تقييم هذه المستويات من 1 إلى 5، ابتداءاً من “لا يوجد تمثيل” وانتهاءً بـ “ممتاز”، بناءً على آرائهم الخاصة بخصوص مستوى تمثيل الفئات العمرية المختلفة، إلى جانب النساء والفئات ذات الدخل المنخفض في لجان الأحياء التي ينتمون إليها، ومعرفة الأسباب وراء أي تقييم.

تمثيل الفئات العمرية

بالنسبة لتمثيل الفئات العمرية، اتفق أغلبية المستجيبين بنسبة (81.2 %) على تقييم بين”جيد” و “ممتاز”، وكانت الأسباب وراء هذا التقييم الإيجابي – على التوالي – هي التوافق على رؤية موحدة أو هدف مشترك (24 %)، بالإضافة إلى أسباب متعلقة بطبيعة سكان الحي (21 %)، مثلاً أن جزءًا كبيرًا من الفئات العمرية الأكبر لديهم خبرة في العمل السياسي، أو أنه يوجد فرق واضح بين الموالين للنظام السابق، أو الموالين لانقلاب 25 أكتوبر، والمعارضين له بمختلف الفئات العمرية داخل الحي.

ايضاً تم ذكر أسباب متعلقة بالجهود التي بُذلت في البناء القاعدي (18 %)، وفي تحفيز سكان الحي باتجاه الانضمام إلى اللجان، وأخيراً الدور الذي لعبه العمل الخدمي في زيادة الترابط الاجتماعي بين السكان (15 %).

يوضح (الشكل 9) أن أغلبية الاستجابات بمختلف المحليات تميل بصورة عامة للتقييم الإيجابي، وأن أكثر محلية تحتوي على تقييم سلبي (“ضعيف” أو “لا يوجد تمثيل”) هي محلية الخرطوم، ولكن لا تزال أغلبية الاستجابات منها ايجابية.

(الشكل 9) تمثيل الفئات العمرية حسب المحلية (تم استبعاد محليات أمبدة وكرري في المقارنة بسبب نقص العينة)

أما العوامل التي ذُكرت في سياق التمثيل المتدني للفئات العمرية المختلفة كانت عدم التوافق على رؤية سياسية موحدة (10 %)، وعدم الاهتمام أو عدم الرغبة من جانب الفئات العمرية الأكبر (3 %)، و العزوف عن المشاركة في اللجان بسبب التخوفات الأمنية (3 %)، أو بسبب الوضع الاقتصادي (2 %)، الذي تسبب في انشغال السكان بمصادر دخلهم.

ايضاً كانت هناك أسباب متعلقة بطبيعة سكان الحي، مثل هيمنة عناصر النظام السابق على المنطقة، أو عدم الترابط الاجتماعي بين السكان.

تمثيل النساء

باتباع أسلوب التقييم نفسه، تراوحت الآراء بخصوص تمثيل النساء في اللجان بين “لا يوجد تمثيل” و “ممتاز”، ويعتقد (32 %) من المستجيبين أن التمثيل ليس جيدًا بما يكفي، مما يجعل نسبة التقييم السلبي لتمثيل النساء أعلى من النسبة المعنية بتمثيل الفئات العمرية (19 %).

ولكن الأهم بالنسبة لنا هو مقارنة الاستجابات بناء على المحليات، يوضح (الشكل 10) أن التقييم بالنسبة لمحلية أمدرمان ومحلية شرق النيل يميل أكثر للجانب السلبي، مما يعني أن عدد الذين يعتقدون أن تمثيل النساء ضعيف في لجانهم أكثر في تلك المناطق؛ على عكس محلية الخرطوم، حيث أن أغلبية الاستجابات بها تميل للجانب الايجابي.

(الشكل 10) تمثيل النساء في اللجان حسب المحلية (تم استبعاد محليات امبدة وكرري في المقارنة بسبب نقص العينة)

ولمعرفة الأسباب وراء التمثيل الجيد للنساء في اللجان، أظهرت النتائج أن أغلبية الذين أجابوا بتقييم إيجابي لهذا السؤال، أفادوا بأن الأسباب تتعلق بمستوى الوعي للنساء في منطقتهم (55 %)، أو بنسبة فعاليتهم وحرصهم على المشاركة في اللجان.

وقرابة (30 %) يرون أن الأسباب تتعلق بتحفيز اللجان نفسها لمشاركة النساء عبر الحملات التوعوية، أو بطريقة ممارستهم للعمل، التي توفر مساحات مناسبة لمشاركة النساء.

وشملت بقية الأسباب عوامل مثل الترابط الاجتماعي الخاص بالمنطقة (13 %)، وثقة سكان الحي باللجنة وبأعضائها (2 %).

وبالنسبة للأسباب المتعلقة بالتمثيل الضعيف للنساء، رأى (73 %) من الذين أجابوا بتقييم سلبي، أن العوامل الأهم هي القيود الاجتماعية التي تمنع النساء من المشاركة في اللجان، وتشمل هذه الفئة إجابات مثل تقاليد المجتمع، التي تعارض مشاركة المرأة في العمل العام، أو الأعراف التي تستوجب تفرغ النساء للأدوار النمطية لهن.

وأفاد (37 %) بأن الأسباب تتعلق بعدم مقدرة اللجان على توفير البيئة المطلوبة لمشاركة النساء، مثل عدم استقطابهن بالصورة المطلوبة، أو بهيمنة الرجال على اللجان مما يؤدي لعدم مراعاة ظروف النساء خلال ممارسة العمل، مثل تحديد أوقات للاجتماعات وأماكن لا يمكن للنساء المشاركة فيها بسهولة. وأضاف عدد بسيط سببين آخرين مثل الضغوطات الأسرية (25 %)، والمخاوف الأمنية التي ترافق عمل اللجان (10 %).

تمثيل الفئات ذات الدخل المنخفض

أما بالنسبة لتمثيل الفئات ذات الدخل المنخفض في الحي داخل اللجنة، رأى (32 %) من المستجيبين أن تمثيل هذه الفئات ضعيف، أو لا يوجد تمثيل على الإطلاق، وهي نسبة مشابهة لتلك التي تخص تمثيل النساء في اللجان.

ولكن على الرغم من أن أعضاء اللجان بمحلية الخرطوم كان لديهم أعلى التقييمات بخصوص تمثيل النساء، إلا أن أغلبيتهم أفادوا بتقييم سلبي فيما يخص تمثيل الفئات ذات الدخل المنخفض، يليهم بعد ذلك المستجيبون من محلية أمدرمان، أما الأعضاء في محليات جبل أولياء وشرق النيل، فإنهم يميلون أكثر باتجاه التقييم الإيجابي لتمثيل الفئات ذات الدخل المنخفض، كما يوضح (الشكل 11).

(الشكل 11) تمثيل الفئات ذات الدخل المنخفض حسب المحلية (تم استبعاد محليات امبدة وكرري في المقارنة بسبب نقص العينة)

ومن ضمن الذين أجابوا بتقييم إيجابي لمستوى تمثيل هذه الفئة، أشار (57 %) بأن عوامل مشاركة المنتمين لفئة الدخل المنخفض تتعلق برغبتهم في صنع التغيير، وذلك لأن الوضع الاقتصادي المتدهور، يعتبر من أهم الأسباب التي تجعل المواطنين يشعرون بالرغبة في التغيير، وأفاد (27 %) ممن أجابوا بتقييم إيجابي لتمثيل الفئة ذات الدخل المنخفض في محلياتهم، أن التمثيل الجيد يرجع إلى أن تلك المحليات والمناطق، تتكون في الأصل من فئات ذات دخلِ منخفض، فمن الطبيعي أن تتمثل هذه الفئات بصورة جيدة داخل لجان المقاومة.

أما الأسباب وراء التمثيل المتدني للفئة ذات الدخل المنخفض فنسبة (76 %) من الأسباب التي ذُكرت، تشير إلى عدم التفرغ للعمل في اللجان بسبب الوضع الاقتصادي، الذي يؤدي إلى انشغال المواطنين بالضائقة المعيشية.

وأضاف (27 %) أن هنالك أسباب متعلقة بطبيعة سكان الحي، الذين يمكن اعتبار أغلبهم من الفئات ذات الدخل المتوسط، أو أعلى من المتوسط.

يمكننا اعتبار الوضع الاقتصادي كعامل أساس وراء بقية الأسباب التي ذُكرت، مثل بُعد هذه الفئات عن العمل العام، أو السياسي بصورة عامة، بالإضافة إلى  ِذكر الوضع الاقتصادي كعامل مؤثر أيضاً على مدى فعالية الأعضاء داخل اللجان.

أدوار اللجان في مناطقها

خلال الفترة التي سبقت تنفيذ الاستطلاع، أُجريت عدة مقابلات مع أعضاء التنسيقيات لمعرفة القضايا التي يتم مناقشتها بشكل شائع، وكانت إحدى القضايا المذكورة هي التباين بين تصورات الناس فيما يتعلق بالأدوار التي تلعبها لجان المقاومة، وتلك التي من المتوقع أن تلعبها اللجان في المستقبل. لقياس هذا الاختلاف، قسم الباحثون هذه الأدوار إلى ثلاثة فئات: الأدوار السياسية والأدوار الاجتماعية والأدوار الخدمية.

يوضح (الشكل 12) أن جميع المحليات تتفق على أن الدور الأهم هو السياسي، ثم الاجتماعي ويليهما الدور الخدمي، باستثناء محلية بحري التي رأى أعضاء لجانها أن الدور الاجتماعي أو الثقافي هو الأهم، ومحلية شرق النيل التي يوجد بها تقارب كبير بين عدد الذين أجابوا بالدور السياسي والاجتماعي.

(الشكل 12) الرأي بخصوص الأدوار التي يجب أن تقوم بها اللجان في الأحياء

ولكن يهمنا معرفة طبيعة الأدوار المرتبطة بكل فئة على مستوى أعمق من التفصيل، وعبر تحليل الأسئلة النوعية المفتوحة، تبيًّن أن الأدوار السياسية الأكثر تكراراً هي تنظيم الندوات السياسية (23 %)، وصياغة المواثيق السياسية (21 %)، وتنظيم المواكب (17 %) على التوالي.

تم ذكر فعاليات أخرى ضمن الاستجابات، مثل توحيد الأهداف (14 %)، وإسقاط النظام (10 %)، والأدوار الأقل ذِكراً هي إنشاء التحالفات السياسية (7 %)، والمشاركة في هياكل الدولة (7 %) أو مواقع اتخاذ القرار (4 %).

من الواضح أن الأدوار الاجتماعية أيضاً لديها أهمية عالية بالنسبة للأعضاء، وكان الدور الأكثر ذكراً (48 %) هو إقامة الأنشطة الثقافية التي ترفع من مستوى الوعي السياسي والثقافي لدى المواطنين، وتشتمل على سبيل المثال على الندوات وجلسات النقاش والورش.

وتأتي فعاليات البناء القاعدي بعد ذلك بنسبة (23.15 %) والتي تشمل جميع الأنشطة التوعوية المتعلقة بالعمل العام، أو بعملية البناء القاعدي، بالإضافة إلى الدورات التدريبية التي ترفع من مهارات الأعضاء.

أما بقية الأنشطة الاجتماعية التي ذُكرت، فهي متعلقة بزيادة الترابط الاجتماعي بين سكان الحي، مما يساعد على بناء الثقة بين أعضاء اللجان والمواطنين.

إن الأدوار الخدمية كانت بصورة عامة هي الأقل ذكراً، حيث أن عدد الذين يعتبرونها أدوارًا مهمة للجان كان أقل من ثلث المستجيبين ككل.

ولكن من بين تلك الاستجابات، تم ذكر أمثلة تتعلق بدعم الأسر والمواطنين، وإنشاء التعاونيات، بالإضافة إلى الدور الرقابي على الخدمات التي يتم توفيرها في الحي.

من الملاحظ ان كثير من المستجيبين الذين ذكروا أدوارًا خدمية في إجاباتهم، يعتقدون أن لجان المقاومة يمكن أن تأخذ دور إشرافي على تكوين لجان الخدمات والتغيير، وهي اللجان التي تم تكوينها واعتمادها من قبل الحكومة الانتقالية (ما قبل انقلاب 25 أكتوبر)، كبديل للجان الشعبية التي كانت موجودة في فترة النظام السابق.

ما هي أنسب وسائل للتواصل مع القواعد؟

يٌقصد بالقواعد في هذه الحالة، الأفراد الذين ليسوا من ضمن عضوية اللجنة، أي سكان الحي أو المواطنين بصورة عامة. ومن بين مواقع التواصل الاجتماعي، والمخاطبات المباشرة، والمنشورات الورقية، كانت آراء المستجيبين بخصوص أنسب وسيلة للتواصل مع القواعد متقاربة.

حيث أن 223 أجابوا بمواقع التواصل الاجتماعي (74 %)، و215 أجابوا بالمخاطبات المباشرة (71 %)، و هو فرق بسيط جداً.

لمعرفة المزيد عن ذلك على مستوى المحليات، يمكننا مقارنة النتائج الموضحة في (الشكل 13)، والتي تُظهر أن الأغلبية في محلية الخرطوم ومحلية أمدرمان يعتقدون أن مواقع التواصل الاجتماعي هي الأمثل، على عكس محلية بحري وجبل أولياء الذين يفضلون المخاطبات المباشرة. أما محلية شرق النيل كان اجاباتها متقاربة بين الاثنين.

(الشكل 13) الرأي بخصوص أنسب وسائل للتواصل مع القواعد، حسب المحلية

ومن الخيارات الأخرى التي ذُكرت للتواصل مع القواعد وسكان الحي، جلسات النقاش المباشرة والاجتماعات الدورية، والندوات والورش، بالإضافة إلى خيارات أخرى كالاستفادة من المنابر المتوفرة في الحي مثل المساجد والأندية.

ما هو مستوى التنسيق المطلوب بين اللجان؟

إن الشكل التنظيمي للجان حالياً هو شكل التنسيقيات الولائية والمحلية، ولكن هناك قدر من التباين بخصوص هذا المستوى المطلوب من التنسيق.

وفي هذا السياق، نعني بالتنسيق الهيكل التنظيمي المتوقع أن تنضوي اللجان تحته، أي هل يجب على اللجان أن تنتظم تحت تنسيقيات ولائية أم محلية؟ أم يكفي أن تتحرك كلجان أحياء بالتنسيق مع بعضها بعضًا فقط، من غير وجود جسم مركزي أعلى مثل التنسيقية؟

أجاب الأغلبية بنسبة (53.9 %) بأن التنسيقيات الولائية تعتبر المستوى المطلوب للتنسيق بين اللجان، تليها التنسيقيات المحلية بنسبة ( 34.3 %) ثم الأحياء بنسبة (11.8 %). ولكن من المفيد في مثل هذه الأسئلة تقسيم البيانات بناء على المحلية، لمعرفة التباين بين المناطق إن وجد.

فمثلاً، يوضح (الشكل 14) أن أغلبية الذين أجابوا بالتنسيق بين الأحياء فقط هم من محلية الخرطوم، على عكس محلية أمدرمان التي يرى الأغلبية فيها أن التنسيقيات الولائية هي الأمثل.

أما محلية جبل اولياء هي الوحيدة التي جاوب أغلبيتها بـ “تنسيقيات محلية” بوصفه الخيار الأمثل لأعلى مستوى تنسيق المطلوب.

(الشكل 14) الرأي بخصوص مستوى التنسيق المطلوب بين اللجان، حسب المحلية

وأوضح الذين أجابوا بالتنسيقيات الولائية أو المحلية، أن القضايا التي تستوجب هذا المستوى من التنسيق هي على الأغلب، تلك التي تم وصفها ب “القضايا القومية”، مثل توحيد المواثيق السياسية بين اللجان، وقضايا الحكم وهياكل الدولة (المجلس السيادي والتشريعي والتنفيذي).

أما القضايا التي تستوجب التنسيق على المستوى المحلي، هي الجوانب الخدمية مثل الصحة والتعليم، وتوفير مستلزمات العيش للمواطنين، ثم تأتي بعد ذلك قضايا تكوين هياكل الحكم المحلي.

ورأى الذين أجابوا بـ “أحياء فقط”، وهو عدد بسيط نسبياً (يٌمثل 11.8% من العينة ككل)، أنه توجد قضايا تحتاج للتنسيق بين اللجان ولكن يمكن أن يتم ذلك عبر المكاتب المختصة بذلك مباشرة.

كيف أثر الانقلاب على عمل اللجان؟

ذكر العديد من المستجيبين أن تبعات الانقلاب العسكري الذي تم في أكتوبر من العام الماضي تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه اللجان وعضويتها في الفترة الحالية. بهدف دراسة تأثير الانقلاب على اللجان وعملها، تم إضافة أسئلة مفتوحة، تتناول تأثير الانقلاب على دور اللجان في الأحياء، وتأثيره على علاقة اللجان بالأجسام السياسية الأخرى.

تأثير الانقلاب على علاقة اللجان بالأجسام السياسية الأخرى

أجاب أغلبية المشاركين في الاستطلاع بنسبة (66.1 %) بأن تأثير الانقلاب على علاقة لجان المقاومة بالقوى السياسية كان تأثيرًا سلبياً، فمن وجهة نظرهم، فإن العدد الأكبر من الأعضاء قد فقدوا الثقة في الأحزاب السياسية وقدرتها على تمثيل المواطنين وقضاياهم من مواقع اتخاذ القرار.

بالإضافة إلى أن حدوث الانقلاب عزز الفجوة بين اللجان وكوادر الأحزاب، ووصف المستجيبون ذلك بانتقال صراعات الأحزاب إلى اللجان، مما أثر على وحدة أعضائها في شكل ظهور اختلافات في الرؤى السياسية.

من بين الذين ذكروا أن التأثير الأكبر هو على علاقة اللجان بالأحزاب السياسية، وصف الكثير منهم هذا التأثير كعامل سلبي يُضعف من الحراك المقاوم للانقلاب، فالانقِلابيون هم المستفيدون من هذا الانقسام وتداعياته على وحدة القوى الثورية.

ايضاً أشار عدد بسيط من المستجيبين بنسبة (9 %) إلى أن الانقلاب أفقد بعض الأعضاء الثقة في منظمات المجتمع المدني، وتحديدًا في المنظمات المدعومة من جهات خارجية، باعتبارها يمكن أن تكون حاملة لأجندات خارجية لا تمثل بالضرورة قضايا المواطنين السودانيين.

بينما رأى عدد من المستجيبين بنسبة (18.8 %) أن هناك تأثيرًا إيجابيًا للانقلاب، بتوحيده لأهداف القوى السياسية والمدنية في مطلب إسقاط الانقلاب وتكوين سلطة مدنية.

بالإضافة إلى ذلك، طور وضع ما بعد الانقلاب أساليب المقاومة والتشبيك بين اللجان والتنسيقيات، وطور التعاون بين اللجان والمجتمع المدني في تنظيم المواكب والفعاليات، التي ترفع من مستوى الوعي السياسي والثقافي.

وأضافوا ايضاً أن الانقلاب قد رفع اللجان من خانة المقاومة الى خانة العمل السياسي المنظم، مما زاد استقلاليتها من الأحزاب السياسية التي فقدت مصداقيتها، حسب آراء المشاركين بالاستطلاع.

تأثير الانقلاب على دور اللجان في الأحياء

أفاد أغلبية المستجيبين ويمثلون نسبة (51 %) بأن أكبر أثر سببه الانقلاب على عمل اللجان في الأحياء هو الدور الخدمي داخل الحي.

وأشار العديد منهم إلى أن التأثير جاء بسبب عدة عوامل، منها صعوبة التعامل مع الجهات الحكومية، مثل المحليات المسؤولة عن الخدمات في الأحياء، والتي كانت تتعامل معها لجان الخدمات والتغيير (وأحياناً لجان المقاومة في بعض المناطق) في الفترة السابقة للانقلاب، بغرض عكس متطلبات سكان الحي.

يبدو أن هذه المشكلة هي من أكبر التحديات على مستوى الأحياء وسكانها، فالجهات الحكومية أصبحت مُمَثلة للانقلابيين، بالإضافة إلى أن هذا التأثير قد زاد سوءًا بسبب عودة بعض عناصر النظام السابق إلى تلك المواقع، مما قاد أعضاء اللجان لمقاطعتها وعدم التعامل معها.

مِن ثَمَّ فإن التأثير امتد إلى الأدوار الخدمية والاجتماعية، التي تعتبر مهمة للحفاظ على الترابط الاجتماعي لسكان الحي. أيضاً أشار (23 %) من المستجيبين إلى أن أولويات اللجان تغيرت بعد الانقلاب بصورة متوقعة، فتركيز الأعضاء اتجه إلى تطوير طرق الحشد والمقاومة وصياغة المواثيق السياسية، مما أثر على عمليات البناء القاعدي و – كما ذُكر سابقاً – أثر على الأدوار الخدمية والاجتماعية.

يرى البعض أن هناك جانبًا إيجابيًا من توجه اللجان إلى القضايا السياسية بدلاً عن القضايا الخدمية، ويبرز ذلك على مستوى ارتفاع الوعي السياسي لأعضاء اللجان، في إطار التركيز على التوحد خلف رؤية تتمثل في المواثيق السياسية التي طُرحت عبر التنسيقيات.

وإحدى العوامل الأخرى التي ذُكرت، هي تأثير القبضة الأمنية المشددة بنسبة (13.4 %) على مقدرة الأعضاء على التحرك وسط الأحياء، مما أدى لضعف التشبيك بين اللجان، واتجاههم للعمل المركزي في بعض المناطق.

الختام

تُظهر نتائج الاستطلاع الأول من سلسلة استطلاعات لجان المقاومة بولاية الخرطوم، أن اللجان تواجه تحديات عامة في الفترة التي أعقبت انقلاب 25 أكتوبر.

هذه التحديات أثرت على طريقة عمل اللجان في مناطقها، وعلى الأدوار التي كانت تقوم بها في الأحياء، قبل تشدد القبضة الأمنية خلال العام الماضي، بالإضافة إلى التأثير الذي تسبب به تدهور الوضع الاقتصادي على مستوى فعالية الأعضاء باللجان ومقدرتهم على التفرغ للعمل العام.

أظهرت نتائج التحليل أيضاً أن ثمة تباين بين آراء الأعضاء بمحليات الخرطوم، فيما يخص مستويات تمثيل فئات الحي المختلفة داخل اللجنة.

وبناء على آراء المستجيبين، يبدو أن أغلبية الأعضاء يعتقدون أن الأدوار التي يجب أن تقوم بها لجان المقاومة هي سياسية في الأصل وليست خدمية، مع وجود عدد كبير أيضًا أشاروا إلى أهمية الأدوار الاجتماعية والثقافية في نشر الوعي والترابط الاجتماعي بين سكان الحي، وأن وجود التنسيقيات الولائية والمحلية ضروري للتنظيم وبناء الرؤى المشتركة.

علاوة على ذلك، يتأكد لنا أيضاً عزوف أعضاء اللجان بصورة عامة عن الانضمام إلى التنظيمات والأحزاب السياسية، وفقدان الثقة في القوى السياسية التي كانت تمثل للثورة قبل الانقلاب.

يُعتبر ذلك مؤشراً واضحاً لضرورة تطوير الأحزاب السياسية لآليات جديدة، يمكن أن يتم من خلالها إشراك الأجسام القاعدية في عمليات اتخاذ القرار.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يرتفع مستوى التنسيق وبناء الثقة بين المجتمع المدني ولجان المقاومة، حتى تتمكن الأطراف الداعمة للتحول الديمقراطي من رفع مستوى الوعي في الأحياء.

وكما ذكرنا سابقاً، لا يمكن التعاطي مع لجان المقاومة على أنها ظاهرة واحدة يمكن تعميمها، بل تحكم كل لجنة عوامل اقتصادية وعلاقات اجتماعية مميزة خاصة بكل حي من الأحياء.

وفي ظل هذه الشروط الشائكة والمتغيرة، تزداد أهمية إنشاء بحوث تهدف لدراسة اتجاهات الرأي لدى المواطنين السودانيين.

ومن هنا ندعو الباحثين والمنصات الإعلامية المستقلة لإجراء بحوث مشابهة؛ لقياس الرأي العام السوداني، فهذه السلسلة تمثل خطوة صغيرة من أجل تطوير الثورة السودانية، وصولًا إلى التحول الديمقراطي.

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE