أعضاء (مقاومة الخرطوم).. ما الاتجاه الأنسب لتعامل اللجان والفاعلين السياسيين مع (الانتقالية)؟

سياسي

ملخص

تطورت عملية الاستطلاع من كونها مجرد مِيزَة مستخدمة في الممارسة الصحفية، إلى واحدة من أقوى الأدوات المستخدمة لقياس اتجاهات الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية لمعرفة تصورات وآراء المواطنين، فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاجتماعية.

ولأن آراء المواطنين تمثل مرتكزًا حيويًا في البناء الديمقراطي، يبدو أن قياسها وضمان تمثيلها المتوازن وغير المنحاز يشكلان صعوبة تتلازم وأهمية تلك الآراء، ما أدى إلى تطوير منظومة منهجية تَستخدم كلاً من العلوم الاجتماعية والنظريات الإحصائية؛ لعكس آراء المواطنين من مختلف الفئات بأفضل تمثيل ممكن.

يتم استخدام استطلاعات الرأي من قبل المنصات الإعلامية عادة كوسيلة لإيصال أصوات المواطنين فيما يتعلق بالمرشحين الرئاسيين أو بسياسات الدولة أو بأي قضايا اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.

ومع ذلك، نادراً ما يتم استخدام هذه الطرق في السياق السوداني، الأمر الذي يخلق فجوة بين المواطنين وصانعي القرار.

دفع ذلك (بيم ريبورتس) إلى إنشاء قسم (سوداليتيكا) المختص بقياس الرأي العام، والذي يهدف لتوفير قناة لأصوات وآراء المواطنين السودانيين، ومِن ثَمَّ تحفيز الحوار العام، وتشجيع ثقافة الاستناد إلى البيانات الموثوقة في عمليات اتخاذ القرار.

وتُدشن (بيم ريبورتس) هذه المنصة بسلسة استطلاعات تهدف لعكس آراء الأجسام القاعدية بشأن الموضوعات ذات الأولوية في الفترة الحالية، مثل قضايا التحول الديمقراطي، وتحديات التنظيم والحشد، ومستوى تمثيل النساء والفئات العمرية في تلك الأجسام، وسلوك استهلاك وسائل الإعلام.

يهدف هذا المشروع إلى إنتاج تقارير تحليلية تسلط الضوء على آراء المجموعات المستهدفة بخصوص أربعة موضوعات ذات أولوية في الفترة الحالية. وتركز منهجية البحث على جمع البيانات من القواعد، حيث يتم جمعها من أعضاء لجان المقاومة في مدن ولاية الخرطوم الثلاث (الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان)، بغرض الوقوف على آرائهم كأفراد، وليس كلجان او كتنسيقيات.

سيتم إصدار هذه التقارير شهرياً لنشر نتائج كل استطلاع، ونأمل استفادة الأجسام القاعدية منها، وأن تحفز نقاشاً مثمراً بين الجهات السياسية الفاعلة.

إن الهدف من هذه السلسلة الاولى من الاستطلاعات، هو تشجيع صناع القرار على إيلاء المزيد من الاهتمام للرأي العام، وبالتالي تعزيز مفهوم إشراك المواطنين في عملية صنع السياسات والتحول الديمقراطي.

علاوة على ذلك، فإن أحد أهداف هذا المشروع هو تنمية روح الاستناد إلى البيانات في حياتنا اليومية، لما تشكله من أهمية كبرى لقراراتنا وتوجهاتنا ومواقفنا.

عن المشروع

تُدشن (بيم ريبورتس) قسم (سوداليتيكا) عبر مجموعة من استطلاعات الرأي، التي تهدف إلى إنتاج تقارير تحليلية، تعكس أفكار وآراء الأجسام القاعدية بشأن الموضوعات ذات الأولوية في الفترة الحالية، مثل قضايا التحول الديمقراطي، وتحديات التنظيم والحشد، ومستوى تمثيل النساء والفئات العمرية في تلك الأجسام، وسلوك استهلاك وسائل الإعلام.

هذا الاستطلاع يعتبر الأول ضمن سلسلة استطلاعات تهدف لعكس آراء أعضاء لجان المقاومة بولاية الخرطوم.

اختيار موضوعات البحث وتصميم الاستبيانات

استند فريق البحث إلى إجراء مقابلات مع عدد من أعضاء لجان المقاومة، لتحديد الموضوعات ذات الأهمية والأولوية من وجهة نظرهم، بالاضافة الى بعض التقارير التحليلية التي تَدرس لجان المقاومة كتنظيمات جديدة، أو تعكس آراء الشباب وأعضاء اللجان ومنظمات المجتمع المدني بخصوص الفترة الانتقالية في السودان وتحدياتها.

بالاضافة الى ذلك، تم إجراء نقاشات موسعة، بعد تحديد أسئلة الاستطلاع، مع بعض أعضاء اللجان، لمناقشة الأسئلة الموضوعة وتقسيمها الى أربعة استبيانات.

:يمكن تلخيص مخرجات المقابلات والبحث في الموضوعات التالية

معرفة تحديات التنظيم والحشد ووجهات النظر، بخصوص تمثيل النساء والفئات العمرية المختلفة في الحي والأدوار السياسية والاجتماعية والخدمية، التي يجب أن تلعبها اللجان في مناطقها.

يأتي ذلك بالإضافة إلى مستوى التنسيق المطلوب بين اللجان نفسها، بمعنى هل الأنسب من وجهة نظر المستجيبين أن تنتظم اللجان على مستوى تنسيقيات ولائية أم محلية، أم الأفضل لها أن تنتظم على مستويات أقل من ذلك؟

تهدف أيضًا الاستطلاعات لدراسة تأثير الانقلاب على الأدوار التي تلعبها اللجان داخل الأحياء، وعلى علاقة اللجان بالأجسام السياسية والمدنية الأخرى، وأولويات الخروج من الوضع الراهن.

كذلك تم ذِكر أهمية معرفة وجهات نظر أعضاء اللجان بخصوص عملية التحول الديمقراطي ككل، أي مستقبل الفترة الانتقالية وما بعدها، وتصورهم لهياكل الحكم، ودور اللجان المتوقع بعد نهاية الفترة الانتقالية.

ومع أخذ أهداف (بيم ريبورتس) في الاعتبار، يهمنا أيضاً كمؤسسة اعلامية دراسة (سلوك استهلاك وسائل الإعلام) من منظور الأجسام القاعدية.

يتضمن ذلك معرفة آرائهم بخصوص وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والوسائل المُفضلة بالنسبة لهم، إن كانت وسائل إعلام تقليدية أم رقمية، أو وسائل أخرى، مثل النقاشات مع المعارف، أو قراءة الكتب والمقالات، الخ.

تهدف هذه الجزئية للمقارنة بين القنوات المستخدمة لتلقي المعلومات والأخبار، مثل الجرائد والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الإخبارية ، و بين المصادر التي يعتبرها المستجيبون موثوقة، كما تهدف لمعرفة الوسيلة التي يفضلونها لتلقي المعلومات (محتوى مكتوب، انفوجرافيك، فيديو، الخ).

ومعرفة الاهتمامات المختلفة للأفراد، وارتباط المنصات الإعلامية بالأنواع المختلفة للمحتوى (ترفيهي، ثقافي، رياضي، سياسي، الخ).

ويمكن الاستفادة من ذلك في قياس درجة الوعي بضرورة التحقق من المعلومات، والطرق والمعايير المتبعة لتحديد الأخبار التي قد تتطلب التحقق، مما يساعد مؤسسات الإعلام السودانية لتطوير الأساليب المتبعة لمحاربة المعلومات المضللة، أو التي تهدف لتوجيه الرأي العام.

أهداف الاستطلاع الثاني

يهدف الاستطلاع الثاني لمعرفة تصور أعضاء لجان المقاومة بولاية الخرطوم عن دور اللجان والفاعلين السياسيين في عملية التحول الديمقراطي، وقضايا الانتقال الأكثر أهمية من وجهة نظرهم. ويهدف الاستطلاع أيضاً لقياس اتجاهات الرأي بخصوص تكوين هياكل الحكم خلال الفترة الانتقالية، على المستوى السيادي والمستوى التنفيذي والمستوى التشريعي، بالإضافة إلى آرائهم بخصوص المجالس المحلية ودور اللجان في تشكيلها. يهمنا أيضاً دراسة تصور الأعضاء لمستقبل اللجان في ما بعد الفترة الانتقالية، والدور الذي يمكن أن تلعبه اللجان في ظل حكومة منتخبة.

خلفية: تاريخ وتطور لجان المقاومة

صدحت الساحة السياسية في السودان بلجان المقاومة (لجان الأحياء). وبرزت هذه اللجان كتنظيمات لديها فاعلية عالية وقدرة كبيرة على الحشد. ولعبت لجان المقاومة دورَا أساسيَا في الحراك السياسي منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2018 إلى إسقاط البشير وحتى اليوم، وكانت حائط الصد الأساسي أمام انقلاب أكتوبر 2021.

وأثبتت لجان المقاومة قدرتها العالية على التشبيك والحشد والتحريك، وثقلها الكبير كأحد أشكال التنظيم والعمل السياسي القاعدي، فاتحة مساحات جديدة للانخراط السياسي في الساحة السودانية لم توجد من قبل.

فقبل لجان المقاومة، اعتمد النشاط السياسي في السودان بصورة كبيرة على الأحزاب السياسية والانتماءات الطائفية، وكان حصرًا على فئات اجتماعية معينة دَلفت إليه بصورة أساسية عبر النشاط السياسي بالجامعات. 

أتاحت لجان المقاومة مساحات جديدة للنضال السياسي مفتوحة للجميع، بهيكل أفقي وتوزيع جغرافي وشروط انضمام محدودة، كفلت حق فئات جديدة في الانخراط السياسي، فئات شاركت في الثورة بصورة أساسية، ولم يكن لها وجود فعال في صناعة المشهد السياسي من قبل على مدى تاريخ السودان، مضيفة بذلك عاملًا جديدًا في المعادلة السياسية السودانية.

وقعت اللجان مؤخرًا على ميثاقها السياسي الموحد، فارضة نفسها بشرعية الورق كفاعل رئيس. يعود تاريخ نشأة لجان المقاومة الى العام 2013 عقب القمع العنيف من السلطة المركزية لحراك ثوري رفع شعارات إسقاط النظام، ومثل نقطة فارقة في تصاعد مستمر للاحتجاجات الشعبية منذ استقلال الجنوب.

وقد برزت أولى لجان المقاومة الناشئة حينها كخلايا تنظيمية صغيرة عملت على حشد وتحريك المظاهرات. قامت مظاهرات سبتمبر 2013 كرد فعل شعبي على قرار الحكومة وقتها بخفض دعم القمح والمحروقات عقب الأزمة المالية التي تلت انفصال الجنوب، وكانت بمثابة تدريب لمظاهرات 2018 من عدة نواحي. وقد قتل فيها ما لا يقل عن 200 متظاهر من الشباب.

في العام 2018، بدأت موجة مظاهرات أخرى عقب أزمة اقتصادية جديدة، ومع محاولة أخرى للحكومة لخفض الدعم. ولكن في هذه المرة اشتعلت الاحتجاجات عبر طول البلاد وعرضها معلنة قيام ثورة ديسمبر 2018.

فأصبح من الضروري أن ينتظم المتظاهرون بصورة أفضل في مواجهاتهم مع الأجهزة الأمنية، مما أدى لاعادة اختراع لجان مقاومة الأحياء، والتي تطورت لتصبح وحدات للمناورة والخدمات اللوجستية موزعة سكنيًا ومسؤولة عن تخطيط وتنفيذ وتغذية التظاهر، ولكن بتركيب ومهام اختلفت جذريًا عن نسختها في 2013. 

لعب تجمع المهنيين السودانيين دور التنسيق والادارة للتظاهرات حتى قيام اعتصام القيادة في السادس من أبريل 2019، ويذكر الكثير من الناس أن لجان المقاومة كانت هي المنفذ الفعلي على الأرض للتوجيهات الصادرة من تجمع المهنيين السودانيين في الفترة بين ديسمبر 2018 وحتى أبريل 2019.

تواصل الحراك عبر أحياء السودان وفي اعتصاماته المختلفة حتى سقوط البشير في 11 أبريل 2019.

لعبت لجان المقاومة دورًا أساسيًا في تنظيم الاعتصام والقيام بأنشطته المختلفة، ما سمح لها بتقوية التشبيك بينها والعمل على تقوية تنظيمها الداخلي.

استمرت الاعتصامات حتى فضها الدموي في الثالث من يونيو 2019، فيما سمي بمجزرة القيادة العامة، التي أنهت حياة المئات ودمرت حيوات آخرين بالإصابة والفقد.

مع الأحداث العنيفة في ذلك اليوم، تم قطع شبكة الإنترنت عن جميع البلاد. في فترة انقطاع الإنترنت، ازدهر التنسيق والتشبيك على الأرض بين اللجان عندما اضطرت للعمل دون تواصل آمن وسريع، ففقدت القدرة على متابعة بيانات تجمع المهنيين السودانيين، ما فرض مزيدًا من التنسيق بين اللجان المتقاربة جغرافيًا، فظهرت تنسيقيات اللجان المختلفة.

أثبتت اللجان جدارتها في العمل المنسق في التظاهرات الحاشدة عبر مدن السودان المختلفة في 30 يونيو 2019 رغم انقطاع الإنترنت واستمرار الاحتجاج بعدها، ما كفل قيام التسوية السياسية بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وتوقيع الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019.

استمرت اللجان بعدها في نشاطها المقاوم وتقوية تنظيمها في الفترة الانتقالية. وازدادت عضويتها وتزايد تطورها المؤسسي وتكاملها في مركزيات وتنسيقيات.

وقد شمل عمل اللجان في هذه الفترة عددًا من الأنشطة، فاشتغلت في الأعمال الخدمية ونظمت الحشود والمواكب والاعتصامات وأغلقت الشوارع، وكتبت المذكرات للضغط على الحكومة الانتقالية احتجاجًا على بعض السياسات التي تم تنفيذها والممارسات القمعية التي ظلت مستمرة، وقد أقامت اللجان كذلك عددًا من الاعتصامات داخل وحول مقار عدد من المحليات.

في 25 أكتوبر 2021، اقتلع المكون العسكري السلطة من المكون المدني، واعتقل عددًا من القادة المدنيين وأعلن حالة الطوارئ في البلاد، لتبدأ موجة أخرى للثورة السودانية لمناهضة الانقلاب.

شهدت لجان المقاومة تصعيدًا في مقاومتها وزيادة في عضويتها وفعاليتها، وأصبحت المحرك الرئيس للحراك المناهض للانقلاب في معظم المدن والولايات السودانية.

تستمر لجان المقاومة في نشاطها ضد الانقلاب حتى اليوم، ولا تزال تواجه القتل والاعتقال والتعذيب من السلطة الانقلابية، رافعة شعار “لا تصالح. لا مساومة. لا شرعية”.

في تلك الأثناء، سعت اللجان لوضع صيغة مشتركة بينها لرؤيتها عن التغيير، فأخرجت ما عرف بـ (الميثاق الثوري لسلطة الشعب)، الذي ضَم حوالى 15 ولاية، في حين صدر ميثاق آخر تحت مسمى (ميثاق تأسيس سلطة الشعب)، عن معظم لجان ولاية الخرطوم.

تشابهت الرؤيتان في الأهداف الأساسية، إلا أنهما سارا في نهجين مختلفين. ومع اقتراب مرور عام على الانقلاب، في الخامس من أكتوبر 2022، وقع ممثلون من لجان المقاومة وتنسيقياتها بالخرطوم والولايات المختلفة على (الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب)، بعد عملية دمج قاعدية طويلة للمواثيق المختلفة، لتفرض بذلك اللجان نفسها كلاعب رئيس في المشهد السياسي. 

اجتمع في لجان المقاومة العنصر التحرري للحركات الشعبية بهياكل ديمقراطية، على عكس السائد في الساحة السياسية، وقد تطورت لتصبح سلطة سياسية تتحدى، وفي بعض الأحيان تحل محل، الوحدات المحلية لجهاز الدولة. 

ويلاحظ أن لجان المقاومة هي التنظيم الذي يضم أكبر نسبة شباب في عضويته، والذين يشكلون أكثر من 40% من مجموع السكان، ويعانون من أوضاع سيئة، بمعدل بطالة بلغ 35.62 % في العام 2021، واحتمالية وفاة بنسبة 15.70 % في العام 2020 للشباب بين 15 الى 24 سنة.

كما تمتاز لجان المقاومة بإصرارها على استقلال موقفها السياسي، وتعمل في هذا الصدد على تمويل نفسها بالإمكانيات الذاتية لأعضائها.

وتواجه لجان المقاومة العديد من التحديات، ففضلًا عن كونها تتصدى سياسيًا للسلطة الحاكمة، فإنها تتعامل مع عدة عوامل شائكة اجتماعيًا، فاللجان هي شكل جديد للتنظيم السياسي وللعمل القاعدي ظل يتكون في فترة حرجة من تاريخ السودان، فترة يُهدم فيها القديم ويَنشأ فيها الجديد.

لذلك تجد اللجان نفسها في مواجهة تناقضات اجتماعية كثيرة، مِن ثَمّ فإنه لا يمكن التعاطي معها باعتبارها ظاهرة واحدة تتكرر جغرافيًا، بل تَحكم كل لجنة عوامل اقتصادية وعلاقات اجتماعية مميزة لكل مجال جغرافي تتحرك فيه.

وفي ظل هذه الشروط الاجتماعية الشائكة والمتغيرة، يصعب البحث في ماهية لجان المقاومة.

ومن هنا جاءت الحاجة لإجراء بحوث متعددة لمحاولة فهم طبيعة اللجان، وأنماط نموها وتطورها وعملها، ما يساعد على تطورها، ويساعد أيضًا على تطور الثورة السودانية. لذلك فإن هذا البحث يُمَثل خطوة في طريق طويل.

المنهجية

أعضاء لجان المقاومة بولاية الخرطوم.

إن إطار العينة هو حصر مُفصل لجميع العناصر أو الأشخاص في مجتمع الدراسة، ويتم استخدام هذه القائمة عادة لتحديد إستراتيجية المعاينة وحساب عينة الاستطلاع. وبما أن مجتمع الدراسة الخاص بهذا الاستطلاع يتكون من أعضاء لجان المقاومة بولاية الخرطوم، فمن المهم توضيح مسألة صعوبة الوصول إلى هذه الدرجة من التفصيل والدقة بالنسبة لمجتمع لجان المقاومة، نظراً لعدم وجود أرقام موثقة ومتاحة. 

ولكن يجب الحصول على إطار للعينة يمكن من خلاله توزيع العينة المستهدفة. مِن ثَمَّ جمع فريق البحث بيانات من مصادر مفتوحة مثل صفحات اللجان على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إجرائه لمقابلات هاتفية مع عدد من أعضاء التنسيقيات المختلفة بالولاية، للتوصل إلى عدد تقريبي للجان المندرجة تحت التنسيقيات ومدى فعاليتها.

أشار العديد من الأعضاء إلى أن عملية حصر اللجان على مستوى الأحياء قد تكون أكثر صعوبة، بالإضافة إلى أن أولويات المرحلة الحالية مثل صناعة المواثيق السياسية، وأسباب تتعلق بالوضع الأمني، أُجبرت العديد من اللجان للاتجاه إلى تركيز العمل على مستوى التنسيقيات المحلية أو الولائية. بناء على ذلك، تم اعتبار عدد التنسيقيات بولاية الخرطوم المؤشر الأساس لتوزيع العينة لهذا الاستطلاع.

حصر فريق البحث 20 تنسيقية بالولاية، وتم تقليص عدد التنسيقيات المستهدفة إلى 17 تنسيقية بسبب محدودية عدد جامعي البيانات، مما يُصعب عملية الوصول إلى جميع المناطق والأعضاء في فترة زمنية محدودة.وبما أنه لا يمكن ضمان عينات عشوائية في ظل عدم وجود إطار رسمي للعينات، أدت طبيعة البحث إلى أن يلجأ الباحثون إلى طريقة غير احتمالية لتوزيع 450 عينة، وبشكل أساس تم استخدام طريقة (العينة الحصصية)، لضمان التمثيل العادل لكل منطقة جغرافية، وتم ذلك عبر توزيع العينات على محليات ولاية الخرطوم نسبياً، حسب الكثافة السكانية لأي محلية، مع الأخذ في الاعتبار عدد  التنسيقيات واللجان الفاعلة في أي منطقة، بالإضافة إلى تقريب عدد العينات لأي منطقة بغرض التوزيع العادل بين جامعي البيانات.

بعد اختيار جامعي البيانات من المناطق المحددة للعينة، تم تدريبهم على أساليب إجراء المقابلات وجمع البيانات وإدخالها إلكترونياً باستخدام تطبيق (KoboToolbox) مفتوح المصدر. وبدأت عملية جمع البيانات بتاريخ 1 أكتوبر 2022 واستمرت لمدة أسبوعين، وتم جمع 300 عينة موزعة على محليات ولاية الخرطوم، حسب عدد التنسيقيات الفاعلة في أي محلية.

248 مقابلة تمت وجهاً لوجه تمثل (82.67 %) من العينات التي جمعها، وتم إجراء 52 مقابلة عبر الهاتف تمثل (17.33%) من العينات، وتم اللجوء لوسيلة التواصل عبر الهاتف، لأسباب ترتبط بالبُعد الجغرافي، أو بصعوبة الوصول لجميع المستجيبين، وذلك لضمان التوزيع العادل للعينة. 

تم اختيار المستجيبين لأي منطقة بناء على تقديرات جامع البيانات الخاص بها، ولكن وٌضعت معايير للاختيار؛ لضمان تمثيل عدد التنسيقيات المستهدفة، بالإضافة الى تنوع الفئات العمرية والنوع الاجتماعي. 

إن طريقة اختيار المستجيبين يمكن أن تُعتبر خليط بين (العينة الملائمة) و(عينة كرة الثلج)، حيث يتم الاستفادة من مجموعة صغيرة من المستجيبين للوصول إلى آخرين ملائمين لأغراض الدراسة.

جميع المستجيبين للاستبيان أعضاء في لجان مقاومة، ولكن تم إخطارهم بأن إجاباتهم ستُعتبر ممثلة لرأيهم الشخصي فقط، وليس بالضرورة رأي اللجنة أو التنسيقية التابعين لها. لم يتم خلال هذا الاستطلاع جمع أي بيانات شخصية يمكن من خلالها التعرف على المستجيبين أو استنتاج معلومات شخصية عنهم.

  • بعض جامعي البيانات واجهوا صعوبات في الوصول إلى العينات المطلوبة، ومِن ثَمَّ كان العدد الذي تم جمعه أقل من المطلوب في مناطق شرق النيل وكرري وأمدرمان القديمة.
  • أحد القيود أيضاً يتمثل في طبيعة البحث، التي تؤدي إلى أن يلجأ الباحثون إلى الوصول للمشاركين بالاستطلاع عبر جامعي البيانات أنفسهم، وليس عبر إطار رسمي لأخذ العينات، كما هو موضح في الجزء المتعلق بإستراتيجية المعاينة التي تم اتباعها.

نتائج وتحليل الاستطلاع

لمحة عن المستجيبين

كما تم الذكر في قيود الاستطلاع، كانت تغطية بعض المناطق أضعف من غيرها، حيث تم جمع 80 عينة من محلية الخرطوم تمثل (25 %) من مجموع العينات، و80 عينة من محلية جبل أولياء تمثل (25 %) من مجموع العينات، و40 عينة من محلية أمدرمان تمثل (12.5 %) من مجموع العينات، و40 عينة من محلية بحري تمثل (12.5 %) من مجموع العينات، و40 عينة من محلية أمبدة تمثل (12.2 %) من مجموع العينات، و21 عينة من محلية شرق النيل تمثل (6.5 %) من مجموع العينات، و20 عينة من محلية كرري تمثل (6.2 %) من مجموع العينات. يُبين (الشكل 1) توزيع الاستجابات التي تم جمعها حسب المحلية والتنسيقية.

(الشكل 1) - عدد العينات التي تم جمعها حسب المحلية والتنسيقية

(الشكل 2) يوضح أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عامًا، يمثلون (82.2 %) من المشاركين، ويمكن اعتبارها نتيجة متوقعة، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم الأفراد المشاركين في العمل الميداني المرئي من فئة الشباب. كما يُبين تحليل النوع الاجتماعي أن أغلبية المستجيبين ذكور بنسبة (64 %)، بينما مثلت نسبة المستجيبات الإناث (36 %)، وكانت تلك من التحديات التي واجهت جامعي البيانات، لأن تمثيل النساء يعتبر ضعيف في عدد من المناطق. يوضح  (الشكل 3) أن محلية جبل أولياء ومحلية الخرطوم لديهما أعلى عينات مُمَثلة للنساء ضمن العينات التي جُمعت، على عكس محليتي شرق النيل وأمدرمان.

(الشكل 3) - توزيع النوع الاجتماعي حسب المحلية
(الشكل 2) - الفئات العمرية للمشاركين

أما بالنسبة للمهن، فقد وضحت نتائج التحليل أن (42.2 %) من المستجيبين طلبة، مما يجعلهم الفئة الأعلى وسط المشاركين بالاستطلاع، يليهم الموظفون بنسبة (13.4  %)، وأصحاب الأعمال الحرة بنفس النسبة، كما هو موضح في (الشكل 4)، مما يتناسب مع توزيع الفئات العمرية للعينة. وإذا أخذنا في الاعتبار أن المستجيبين للاستطلاع هم من العضوية الفاعلة داخل اللجان، فيمكن أن يكون ذلك مؤشراً إلى أن الطلاب والخريجين الجدد لديهم إمكانية أكبر للتفرغ لعمل اللجان، بالإضافة إلى أنهم الفئة الأكثر مشاركة في العمل الميداني منذ انتفاضة 2018-2019. توجد أيضاً عوامل أخرى مثل الظروف المعيشية أو الأسرية التي تشغل أصحاب المهن الأخرى عن العمل العام، علاوة على الوضع السياسي المزعزع منذ العام 2019، الذي أسهم في عدم استقرار الجامعات، وإتاحة أوقات فراغ للطلبة يُمكن استثمارها في الانضمام إلى اللجان والمشاركة فيها بفاعلية أكبر.

(الشكل 4) - المهن الخاصة بالمستجيبين

لعبت لجان المقاومة بشكل عام دورًا كبيرًا في التعبئة وتطوير تقنيات المقاومة طوال فترة انتفاضة 2018-2019، ومنذ ذلك الحين، يمر السودان بسلسلة من التقلبات السياسية والاقتصادية التي أثرت بدورها على نشاط لجان المقاومة في الأحياء. يبين (الشكل 5) تقييم المستجيبين للاستطلاع لمستوى نشاطهم الحالي، مما يوضح أن الأغلبية بنسبة (81.6 %)، يعتبرون أن نشاطهم في المجمل متوسط، أو أعلى من المتوسط داخل لجانهم. بالإضافة إلى ذلك، يوجد اختلاف في توزيع العينة بناء على النوع الاجتماعي، حيث أن غالبية الإناث نشاطهن متوسط، بينما غالبية الذكور نشاطهم أعلى من المتوسط.

(الشكل 5) - مستوى نشاط المستجيبين داخل اللجان، حسب النوع الاجتماعي

ما هي أدوار الفاعلين السياسيين في عملية التحول الديمقراطي؟

كما أشرنا في التقرير السابق، إلى أن أغلبية أعضاء لجان المقاومة تعتقد أن دور اللجان في الأحياء هو دور سياسي واجتماعي في آن واحد، مما يتضمن المشاركة في العملية السياسية وإقامة أنشطة توعوية لسكان الأحياء. في هذا الإستطلاع، أضاف الباحثون أسئلة لمعرفة رأي أعضاء اللجان عن دور الفاعلين السياسيين في عملية التحول الديمقراطي، وتحديداً خلال الفترة الانتقالية. يمكن اعتبار أن هذه الكتلة المؤثرة في عملية التحول الديمقراطي تنقسم إلى مجموعات ليست منفصلة بعضها عن بعض، وهي تتمثل في لجان المقاومة، والأحزاب السياسية، والأجسام المهنية، ومجموعات المجتمع المدني.

لجان المقاومة

رأت أغلبية المستجيبين أن لجان المقاومة يجب أن تركز على البناء القاعدي (70.6 %) والضغط على السلطة لتحقيق الأهداف المعلنة (68.1 %). يمكننا اعتبار أن هذه الأدوار مكملة لبعضها بعضاً، باعتبار أن عملية البناء القاعدي والتنظيم هي الأساس في تكوين أجسام قاعدية قادرة على ممارسة الدور الرقابي الذي يضمن تحقيق قضايا الانتقال. 

أما نسبة المشاركين بالاستطلاع الذين أجابوا بالأدوار المتعلقة بالمشاركة في هياكل الدولة كانت (42.8 %)، وتليها المشاركة في تنفيذ خطط الحكومة الانتقالية المعلنة (38.1 %). يوضح (الشكل 6) توزيع الاستجابات لأدوار لجان المقاومة خلال الفترة الانتقالية.

يعتقد فريق البحث أن هذه النتائج تتوافق مع نتائج الاستطلاع السابق، وتحديداً الجزء الذي يتعلق بدور اللجان في الأحياء (دور سياسي، اجتماعي، أم خدمي)، فالنتائج كانت تصب في اتجاه دور اللجان في التوعية السياسية لسكان المناطق، وأن هناك حاجة للتنظيم والتنسيق، بالإضافة إلى أن لجان المقاومة تختلف عن اللجان التي عُرفت  بــ “لجان التغيير والخدمات”، التي كانت تختص بالدور الخدمي في الأحياء، وتعمل وفقاً لموجهات وخطط الحكومة الانتقالية التي سبقت انقلاب 25 أكتوبر.

الشكل 6 - دور لجان المقاومة في الفترة الانتقالية
الأحزاب السياسية

تَبيّن لنا من الاستطلاع الأول، أن عدداً كبيراً من أعضاء لجان المقاومة قد فقد الثقة في الأحزاب السياسية، وتحديداً فيما يتعلق بإدارة الدولة خلال الفترة الانتقالية. تتوافق هذه النتائج مع محاولة التعرف  على الدور المأمول من الأحزاب السياسية في الفترة الانتقالية، والذي تم الوقوف عليه في هذا الاستطلاع، حيث أجابت الأغلبية بنسبة (91.6 %) بأن الأحزاب دورها الأساس يتمثل في التجهيز للانتخابات كأولوية، مما يتضمن البناء الداخلي للحزب. بالإضافة إلى ذلك، رأى (32.5 %) من المستجيبين أن الأحزاب لديها دور رقابي أيضاً يتمثل في مراقبة سير الحكومة الانتقالية والتزامها بالخطط المعلنة. بينما رأى (21.6 %) أن الأحزاب يجب أن تُشارك في هياكل الدولة في ظل الحكومة الانتقالية. يوضح (الشكل 7) أدوار الأحزاب السياسية من وجهة نظر المشاركين بالاستطلاع.

الشكل 7 - دور الأحزاب السياسية في الفترة الانتقالية
النقابات والأجسام المهنية

اتفقت أغلبية المستجيبين بنسبة (71.6 %) أن الدور الأساس للنقابات المهنية هو التركيز على القضايا الفئوية المتعلقة بالقواعد التي يمثلها الجسم المهني. وأجاب (52.2 %) بأن النقابات أيضاً لديها دور رقابي يتمثل في مراقبة سير الحكومة والتزامها بالخطط المعلنة، بينما رأى (30.9 %) فقط من المستجيبين أن النقابات المهنية يجب أن تشارك في هياكل الدولة والحوار السياسي. يوضح (الشكل 8) توزيع الاستجابات.

الشكل 8 - دور النقابات في الفترة الانتقالية
منظمات المجتمع المدني

يُشكل المجتمع المدني أيضاً كتلة مهمة في التغيير، فمنظمات ومبادرات المجتمع المدني تلعب دوراً في توعية المواطنين وفي التغيير الاجتماعي الذي يأتي بجانب التغيير السياسي. 

ووفقاً لذلك رأت أغلبية المستجيبين الذين يشكلون نسبة (72.5 %) أن المشاركة في تنفيذ خطط الحكومة الانتقالية تمثل الدور الأهم للمجتمع المدني. يأتي ذلك بافتراض أن الحكومة تتعامل بجدية مع دعوتها لتحقيق أهداف التحول الديمقراطي المتفق عليها. ويمكن استخراج بعض الأمثلة لذلك من بين الإجابات التي تمت إضافتها، مثل المشاركة في وضع سياسات الدولة عبر آليات تضعها الحكومة، وإقامة الأنشطة والفعاليات التوعوية التي تساعد على تفكيك قضايا التحول الديمقراطي بالنسبة للمواطنين، وقضايا الحريات والأقليات، ودعم الأجسام التي تدعو إلى التغيير.

يأتي بعد ذلك الدور المتعلق بمراقبة سير الحكومة والذي حصل على نسبة (53.4 %) من المستجيبين، وهو الدور المشترك بين جميع عناصر التحول الديمقراطي، ثم تأتي المشاركة في هياكل الدولة أو الحوار السياسي بنسبة (16.9 %)، وتمثل نسبة الاستجابات الأقل فيما يخص دور منظمات المجتمع المدني. وتضمنت أغلبية الإجابات التي صُنفت كـــ “أخرى” بنسبة (7.5 %) إشارات لأدوار تتعلق بتعزيز الحوار المجتمعي عبر الأنشطة الثقافية والتوعوية. يوضح (الشكل 9) توزيع الاستجابات.

الشكل 9 - دور منظمات المجتمع المدني في الفترة الانتقالية

ما هي قضايا الانتقال الأهم؟

إن الفترات الانتقالية تعتبر من أكثر الحقب السياسية تحدياً. يأتي ذلك بسبب تراكم القضايا الحاسمة في عملية التحول الديمقراطي في ظل الخلاف بشأن أولوياتها، إلى جانب المعوقات التي تواجه  إنجازها قبل الانتخابات، مثل قضايا العدالة، وإصلاح المؤسسات الحكومية بما فيها المؤسسات الأمنية والعسكرية، وقضية الدستور.

أضاف الباحثون أسئلة لمعرفة قضايا الانتقال ذات الأولوية بالنسبة لأعضاء لجان المقاومة المشاركين بالاستطلاع، وهي أغلب القضايا التي ذُكرت في الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب. تم تقييم كل قضية على حدة من حيث الآتي فيما يخص أولويتها:

  1. ليس بالضرورة حلها خلال الفترة الانتقالية.
  2. يجب حلها خلال الفترة الانتقالية، ولكن ليست ذات أولوية قصوى.
  3. ذات أولوية قصوى، ويجب حلها بأسرع وقت ممكن.

 

يوضح (الشكل 10) أن جميع القضايا حظيت بتقييم عالي الأهمية من قبل أغلبية المشاركين بالاستطلاع، ولكن يبدو أن القضايا ذات الأولوية القصوى على التوالي، تتمثل في إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية وإصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية والقصاص والعدالة الانتقالية. 

الشكل 10 - قضايا الانتقال الأهم من وجهة نظر المستجيبين

تكوين هياكل الحكم

المجلس السيادي

اتفقت أغلبية المستجيبين بنسبة (70 %) على عدم تشكيل مجلس سيادي خلال الفترة الانتقالية، وقال (26.5 %) إن المجلس السيادي يجب أن يكون تشريفياً فقط ولا يملك أية صلاحيات تنفيذية، بينما ذهبت أقلية بنسبة (2.5 %) إلى أن المجلس يجب أن يمتلك صلاحيات تنفيذية. يوضح (الشكل 11) توزيع الاستجابات.

الشكل 11 - صلاحيات المجلس السيادي

وأجابت الغالبية العظمى من المستجيبين بنسبة (93.1 %) بأن نموذج الشراكة بين العساكر والمدنيين على مستوى المجلس السيادي لا يجب أن يستمر لشكل 12). وأوضح عدد كبير من بين الرافضين للشراكة يمثلون نسبة (46.3 %) أن المؤسسة العسكرية لا يمكن الوثوق بها من وجهة نظرهم، وأن التجارب عبر تاريخ السودان قد أثبتت أن الجيش يُعتبر مهدداً حقيقياً لعملية التحول الديمقراطي. ويعتقد البعض بنسبة (37.9 %) أن السبب وراء رفضهم يعود إلى أن مشاركة المؤسسة العسكرية في هياكل السلطة ليست من ضمن مهامها ولا صلاحياتها، وأنها لا يجب أن تتدخل في السياسة بصورة عامة. وأشار عدد من المستجيبين إلى ضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية، مما يستدعي أيضاً إبعادها عن الحكم والوظائف المرتبطة به، سواء كانت سيادية أم تنفيذية أم تشريعية.

الشكل 12 - هل يجب أن تستمر الشراكة المدنية - العسكرية على المستوى السيادي؟

وأشار الذين يعتقدون أن الشراكة يمكن أن تستمر ونسبتهم (6.9 %)، إلى ضرورة إيجاد شروط لاستمرار الشراكة، من بينها القصاص للشهداء وتحقيق العدالة الانتقالية، وعدم التدخل في مهام الحكومة التنفيذية، وأن تكون مهامهم متعلقة فقط بضمان الأمن والسلام على مستوى البلاد، وإصلاح المؤسسة العسكرية.

مجلس الوزراء

أما بالنسبة لتكوين الحكومة التنفيذية، أي مجلس الوزراء الانتقالي، أفادت الأغلبية بنسبة (60 %) أن المجلس يجب أن يتكون من كفاءات مستقلة فقط، بينما رأى (36.6 %) أنه يجب أن يتكون من كفاءات مستقلة وحزبية، و(3.4 %) فقط من المستجيبين يرون وجوب تكوينه من الكفاءات الحزبية. يوضح لشكل 13) أن محليتي جبل أولياء والخرطوم تتوافق نتائجهما مع هذا التوزيع، بينما انقسمت محلية أمدرمان ما بين الكفاءات المستقلة فقط والمستقلة وحزبية (19 مستجيب لكل خيار)، وتقاربت نتائج محلية بحري كذلك، كما هو موضح في الشكل.

الشكل 13 - تكوين مجلس الوزراء، العدد الكلي وتوزيع المحليات

ورأى الذين أجابوا بـ (كفاءات مستقلة فقط)، أن كوادر الأحزاب يجب ألا تشارك في الحكومة التنفيذية لعدة أسباب، أهمها هو فقدان الثقة في الأحزاب، ولتفادي التمكين الحزبي داخل الحكومة وأجهزة الدولة، وإبعاد الأحزاب عن صراع السلطة خلال الفترة الانتقالية، مما يمكنها من التفرغ للبناء التنظيمي والتجهيز للانتخابات.

ويعتقد بعض الذين أجابوا بـ (كفاءات مستقلة وحزبية)، أن الكفاءة يجب أن تكون المعيار الأساس لاختيار المسؤولين بالحكومة، بغض النظر عن الانتماء الحزبي أو التوجه السياسي للفرد. ويرى البعض الآخر أن هناك مهاماً تتطلب وجود رؤية سياسية، مما يجعل الخلط بين الكفاءة الأكاديمية أو العملية، والخبرة السياسية، هو الأمثل لإدارة مؤسسات الدولة.

المجلس التشريعي الانتقالي

إن ضمان تمثيل فئات المجتمع ككل في المجلس التشريعي الانتقالي ظلت من أكبر التحديات التي تواجه الفترة الانتقالية. يهمنا معرفة آراء أعضاء اللجان بخصوص مشاركة الأجسام الفاعلة سياسياً في المجلس، وبينت النتائج أن أغلبية المستجيبين تميل بصورة عامة إلى أن مشاركة الفاعلين السياسيين ككل ضرورية في المجلس التشريعي. ويوضح (الشكل 14) أن النقابات المهنية حصلت على أعلى نسبة تأييد لمشاركتها في المجلس (90.8 %)، تليها لجان المقاومة بنسبة (83.7 %)، والأحزاب السياسية بنسبة (74.4 %)، ثم المجتمع المدني بنسبة (73.7 %).

الشكل 14 - هل يجب أن تشارك هذه الأجسام في المجلس التشريعي الانتقالي؟

توضح هذه النتائج أن (26.3 %) من المشاركين بالاستطلاع يعتقدون بعدم وجود ضرورة لتمثيل المجتمع المدني بصورة مباشرة في المجلس التشريعي الانتقالي. وأرجع (45 %)  – من بين الذين أجابوا بذلك – وجهة نظرهم إلى أن مهام منظمات المجتمع المدني يجب أن تكون منفصلة عن هياكل الدولة، وتصب في العمل المباشر مع المواطنين لنشر التوعية وإثراء الحوار العام، وفي الضغط على السلطة من أجل إنجاز قضايا محددة، إلى جانب مراقبة أداء الحكومة في قضايا الانتقال. وأضاف عدد قليل، يمثلون نسبة (9 %) من الذين لا يتفقون مع مشاركة المجتمع المدني في المجلس التشريعي، أن أسبابهم للرفض تتعلق بعدم الثقة في منظمات المجتمع المدني، باعتبار أنها يمكن أن تتبنى أجندات خارجية، أو أن بعض هذه المنظمات عُرفت بالفساد الإداري والمالي.

وبالنسبة للذين أجابوا بأن الأحزاب السياسية لا يجب أن تُمَثل بصورة مباشرة في المجلس، أشار (41 %) منهم إلى أسباب تتعلق بفقدان الثقة في الأحزاب السياسية، مثل انفصالها عن القواعد، أو تفضيلها المناصب الحكومية على مصالح المواطنين، وأن تخصيص حصص للأحزاب سيفتح المجال للصراعات الحزبية. ورأى (26.7 %) أن الأحزاب يجب أن تركز على التجهيز للانتخابات فقط.

ومن بين الذين يعتقدون أن لجان المقاومة يجب أن تُمثل بصورة مباشرة في المجلس التشريعي الانتقالي، رأى (75.4 %) أن اختيار الممثلين يجب أن يكون من لجان الأحياء، بينما رأى (15.8 %) أن الاختيار يجب أن يكون من تنسيقيات اللجان مباشرة. ويوضح (الشكل 15) أنه لا يوجد تباين بين المحليات بشأن هذه النتائج، حيث أن الأغلبية في أي محلية تتفق مع فكرة أن الاختيار يجب أن يكون من لجان الأحياء.

الشكل 15 - طريقة اختيار ممثلي لجان المقاومة في المجلس التشريعي الانتقالي.
المجالس المحلية

بينت نتائج الاستطلاع السابق أن العديد من أعضاء لجان المقاومة يعتقدون أن قضايا الحكم المحلي وكيفية تشكيل هياكله، من المهام الأكثر إلحاحاً في الفترة الانتقالية. وعلى هذا الأساس، تمت إضافة أسئلة في هذا الاستطلاع لمعرفة الآراء الخاصة بالمجالس المحلية وتصور المستجيبين لمهامها وصلاحياتها.

رأت الأغلبية بنسبة (62.6 %) أن المجالس المحلية يجب أن تتكون خلال الفترة الانتقالية بصورة عامة، ويعتقد (19.6 %) أن تكوين المجالس يجب أن يكون بعد تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي مباشرة، بينما رأى (11.2 %) أنها يجب أن تتكون قبل المجلس التشريعي، من جهة أن تشكيل المجلس التشريعي يجب أن يتم عبر هذه المجالس وليس العكس، ويوضح (الشكل 16) أن هذا الرأي سائد أكثر وسط محليتي أمدرمان وبحري. ورأى عدد قليل بنسبة (5.9 %) أن المجالس المحلية يجب أن تتكون بعد نهاية الفترة الانتقالية.

الشكل 16 - متى يجب أن تتكون المجالس المحلية؟

وبالنسبة لتصور الأعضاء عن دور لجان المقاومة في تشكيل المجالس المحلية، كان هناك تباين في الإجابات بهذا الخصوص. فعلى الرغم من أن العدد الأكبر بنسبة (66.6 %) يعتقد أن دور اللجان المحوري هو البناء القاعدي وتجهيز المواطنين لتشكيل المجالس، يعتقد (43.4 %) أن اللجان يجب أن تلعبَ دوراً مباشراً في تكوين المجالس، من خلال اختيار الممثلين، بينما يرى (41.8 %) أن دور اللجان يجب حصره في مراقبة العملية الانتخابية. 

يوضح لنا (الشكل 17) أنه بالإضافة إلى الدور المتعلق بالبناء القاعدي، يتفق العدد الأكبر في محليتي الخرطوم وأمدرمان مع فكرة أن اللجان يجب أن تلعبَ دوراً مباشراً في تكوين المجالس واختيار الممثلين، على عكس محليتي بحري وجبل أولياء اللتين يعتقد العدد الأكبر فيهما أن دور اللجان يجب حصره في مراقبة تكوين المجالس، ومراقبة عملية الانتخابات، وليس اختيار الممثلين بصورة مباشرة.

الشكل 17 - دور اللجان في تكوين المجالس المحلية

لمعرفة تصور المستجيبين عن مهام وصلاحيات المجالس المحلية، تم اتباع نهج الأسئلة النوعية المفتوحة، وأجابت الغالبية أن هذه الهياكل تعتبر بمثابة الترسيخ الفعلي لمفهوم نقل السلطة إلى الشعب عبر تقليص مركزية الحكم، وضمان مشاركة المواطنين في عملية صناعة القرار عبر تصعيد أعضاء المجالس المحلية إلى المجالس التشريعية الولائية، من أجل المشاركة في سَنْ التشريعات والقوانين. وأضاف عدد كبير أن من مهام المجالس أيضاً مراقبة أداء الجهاز التنفيذي، وضمان توفير الخدمات الأساسية في المحليات وتنميتها بالتوزيع العادل للموارد.

دور اللجان ما بعد الفترة الانتقالية

يراود الكثير من الناس تساؤلات بشأن مستقبل لجان المقاومة فيما بعد الفترة الانتقالية، باعتبارها أجسام تطورت بصورة ملحوظة منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2018، وارتفعت مقدراتها على الحشد والتنظيم والضغط على الحكومات طوال هذه الفترة. يوضح لشكل 18) أن أغلبية المستجيبين بنسبة (95.9 %) تعتقد أن لجان المقاومة، كأجسام منظمة، يجب استمرارها بعد نهاية الفترة الانتقالية.

الشكل 18 - هل يجب استمرار اللجان في العمل بعد نهاية الفترة الانتقالية؟

ومن بين الذين أجابوا بذلك، يعتقد العدد الأكبر منهم بنسبة (69.4 %) أن اللجان يجب أن تلعبَ دوراً رقابياً فقط، أي أن يتواصل دورها كمجموعات ضغط تراقب سير الحكومة، والتزامها بالخطط المعلنة. ونوه (25 %) إلى ضرورة مشاركة اللجان في تنفيذ خطط الحكومة المنتخبة، بينما تعتقد أقلية بنسبة (19.4 %) أن اللجان يجب أن تلعبَ دوراً سياسياً عبر المشاركة في هياكل الدولة. يوضح (الشكل 19) توزيع الاستجابات.

الشكل 19 - ما هو دور اللجان في ظل حكومة منتخبة؟

الختام

تُظهِر نتائج الاستطلاع الثاني من سلسلة استطلاعات لجان المقاومة بولاية الخرطوم، أن التصور العام يصب في اتجاه أهمية مشاركة جميع الفاعلين السياسيين في القرارات التي تختص بالفترة الانتقالية ومستقبلها، وأن دور اللجان، من منظور المستجيبين، يجب أن يُركز على البناء القاعدي خلال هذه الفترة، بينما تتجه الأحزاب السياسية إلى البناء الداخلي لتنظيماتها والتجهيز للانتخابات، بدلاً من التركيز على المشاركة المباشرة في هياكل السلطة. وأما النقابات المهنية فدورها الأهم هو تمثيل قضاياها الفئوية. كذلك على منظمات المجتمع المدني التركيز على تنفيذ خطط الحكومة الانتقالية المعلنة وتوعية المواطنين.

يتضح لنا أيضاً أن قضايا الانتقال الأهم، من وجهة نظر المستجيبين، هي إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية، وإصلاح المنظومة العدلية، والقصاص والعدالة الانتقالية، وقضايا الحكم المحلي، على التوالي. وبالنسبة لهياكل الحكم في الفترة الانتقالية، تذهب الأغلبية إلى عدم ضرورة وجود مجلس سيادي، وأنه حتى في حال وجود المجلس السيادي، لا يجب أن يكون ذلك مبرراً لاستمرار الشراكة بين المدنيين والعسكريين. أيضاً، يجب أن يتكون مجلس الوزراء من كفاءات مستقلة وليست حزبية، ويجب تمثيل الجميع في المجلس التشريعي الانتقالي، من لجان المقاومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية. على الرغم من ذلك، يتأكد لنا أن الكثير من الأعضاء قد فقدوا الثقة في الأحزاب السياسية، وهي نتيجة اتضحت منذ الاستطلاع السابق. بالإضافة الى ذلك، يرى عدد معتبر أيضاً أن منظمات المجتمع المدني لا يجب أن تشارك في هياكل الدولة، بل يجب أن تدعم القواعد والمواطنين عبر الأنشطة التوعوية والثقافية.

وترى الأغلبية أن المجالس المحلية يجب أن تتشكل خلال الفترة الانتقالية، إما قبل تكوين المجلس التشريعي الانتقالي، أو بعد تكوينه مباشرة. ويعتقد عدد كبير من المستجيبين أن اللجان يجب أن تلعبَ دوراً في تجهيز المواطنين لتكوين هذه المجالس عبر البناء القاعدي، ولكن يوجد تباين وسط المستجيبين بحسب المحليات التي ينتمون إليها بخصوص طبيعة هذا الدور، في كون إما أن تكتفي اللجان بدور مراقبة العملية الانتخابية، أو أن تشارك بصورة مباشرة في اختيار ممثلي هذه المجالس.

وكما ذكرنا سابقاً، تزداد أهمية البحوث المتعلقة بالرأي العام السوداني، خصوصاً مع التطور المتسارع للأحداث السياسية خلال هذه الفترة. ويتضح لنا أيضاً عبر هذا الاستطلاع تحديداً، أن هناك ضرورة لإقامة فعاليات توعوية بخصوص الحكم المحلي على مستوى السودان ككل، وأنه يجب التركيز على أهميته وآليات تنفيذه، وإثراء النقاش العام بخصوص المهام والصلاحيات المتوقعة للمجالس المحلية.

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE