الأثر النفسي للمعلومات المضللة: «موت حميدتي» نموذجًا

إجتماعي

الأثر النفسي للمعلومات المضللة: كيف استقبل الجمهور خبر «موت حميدتي»؟ وكيف تفاعلوا مع ظهوره لاحقًا؟ وكيف أثرت فيهم التجربة نفسيًا؟

 

في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أداةً قوية لنشر المعلومات والأخبار، لكنها تحولت، في الوقت نفسه، إلى بيئة خصبة لانتشار الشائعات والمعلومات المضللة، لا سيما في سياقات الصراعات السياسية والاجتماعية. وتُعد الشائعات أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات في عصر المعلومات، إذ يمكن أن تؤثر، بدرجة كبيرة، في الرأي العام وتشكيل التصورات الجماعية وحتى في القرارات السياسية والاجتماعية.

في هذا الإطار، تأتي هذه الدراسة لتحليل ديناميات انتشار شائعة وفاة قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو «حميدتي»، والتي انتشرت على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وخاصةً «إكس» (تويتر سابقًا). وتُعد شائعة «وفاة حميدتي» مثالًا واضحًا لكيفية استخدام الشائعات أداةً للتأثير في الرأي العام في سياق الصراعات الداخلية، إذ تُداولت بكثافة، وسط حالة من عدم اليقين وغياب المعلومات المؤكدة من المصادر الرسمية.

تهدف هذه الدراسة إلى فهم العوامل التي ساهمت في انتشار هذه الشائعة، بما في ذلك الدور الذي اضطلعت به التصريحات المؤثرة، واستخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والسياق الاجتماعي والسياسي المضطرب في السودان. كما تسعى الدراسة إلى تحليل ردود فعل الجمهور تجاه الشائعة، وكيفية تفاعلهم مع المحتوى المرئي والمكتوب الذي تُداول خلال هذه الفترة.

تقدم هذه الدراسة رؤية معمقة بشأن كيفية انتشار الشائعة، والفترات التي شهدت ذروة التفاعل، والأطراف التي ساهمت في تضخيمها. وبالإضافة إلى ذلك، تستعرض الدراسة تأثير الشائعة في المشاعر والمواقف الاجتماعية، وديناميات تداول المعلومات في العصر الرقمي في البيئات التي تعاني من الصراعات وعدم الاستقرار السياسي.

 

خلفية

في اليوم الثالث لاندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفي ظل تسارع الأحداث وسط حالة من الارتباك والقلق من المواطنين، أثارت الإعلامية إسراء عادل موجة من الجدل عند نشرها على صفحتها على «فيسبوك» –التي تضم أكثر من نصف مليون متابع– أنّ هناك «أنباء عن مقتل حميدتي» دون توضيح المصدر؛ وبينما قابل بعض المتابعين الخبر بالسخرية وعدم التصديق، بحث آخرون عن التأكيد وعدّوه واردًا وسط غياب عام للمعلومات المؤكدة من الأطراف الرسمية.

ظهر بعد يومين إعلان على الموقع الإلكتروني لقوات الدعم السريع ينعى قائدها «حميدتي»، ولكن قوات الدعم السريع سارعت إلى إصدار بيان نفت فيه تحكمها بالموقع، متهمةً الجيش السوداني ببث رسائل من خلال الموقع وصفتها بأنها «غير أخلاقية». ولفتت إلى أنّ أيّ بيانات رسمية أو معلومات ستُنشر حصريًا عبر صفحاتها الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعي، داعيةً الجمهور إلى تجاهل ما يُنشر على الموقع المخترق.

وبعد مرور أسبوع من اندلاع الحرب، ظهر مقطع فيديو لـ«حميدتي» بتاريخ غير محدد، على متن مركبة عسكرية ضمن رتل من المركبات. وأشار البحث عبر الأقمار الصناعية والتحقق من البنايات الظاهرة في الفيديو إلى أنه التقط جوار مقر ديوان الحكم الاتحادي المطل على شارع النيل بالخرطوم حسب تحقيق قناة «الجزيرة».

وفي 20 أبريل 2023، أجرى «حميدتي» مقابلةً مع قناة «الجزيرة»؛ وبعدها بيومين، تحدث إلى قناة «العربية» في مقابلة أخرى، كما أجرى مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وتواصل مع وسائل إعلام أخرى مثل صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق». ومع ذلك، لم يتوقف نشر شائعات عن «موت حميدتي». وردًا على ذلك، نشرت قوات الدعم السريع تسجيلًا بصوت «حميدتي»، في 15 مايو 2023، على صفحتها على موقع «إكس»، نفى فيه الشائعات المتداولة عن موته، وقال إنه في الخرطوم وسط قواته، متهمًا الجيش السوداني بنشر تلك الشائعات.

ولم يقتصر تداول شائعة «موت حميدتي» على مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، بل صدرت أيضًا تصريحات عن مسؤولين وسياسيين بشأن المسألة، إذ صرح سفير السودان لدى ليبيا إبراهيم محمد أحمد، في مقابلة على قناة «الجزيرة»، في 17 أغسطس 2023، بأن قائد الدعم السريع قد مات بالفعل. وكرر رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل الادعاء نفسه، في 19 سبتمبر 2023، قائلًا إنّ «حميدتي مات منذ أربعة أشهر»، وأن جميع التسجيلات المنسوبة إليه مصنوعة بالذكاء الاصطناعي. 

ومع أنّ «حميدتي» ظهر في مقاطع عديدة، والتقى مسؤولين دوليين وقوى سياسية سودانية، إلا أن التكهنات والنظريات بشأن مصيره لم تتوقف حتى الآن على وسائل التواصل الاجتماعي.

تحليل انتشار خبر «موت حميدتي» على مواقع التواصل الاجتماعي

تهدف هذه الجزئية من البحث إلى تحليل مدى انتشار خبر «موت حميدتي» على منصة «إكس»، باستخدام أداة Meltwater. وأجري هذا التحليل بناءً على 20 ألف منشور، جُمعت خلال الفترة الزمنية الممتدة من 22 أغسطس 2023 إلى 22 أغسطس 2024. ويركز هذا التحليل على عدة محاور أساسية لتقديم فهم دقيق وشامل لديناميات انتشار الخبر وتأثيره في المنصة.

أولًا، تحلل الدراسة الزمن الذي شهد فيه عدد المنشورات ارتفاعًا أو انخفاضًا، بهدف التعرف إلى الفترات التي شهدت زيادة ملحوظة في التفاعل مع الخبر. ويرتبط هذا التحليل بتحديد أبرز الأحداث أو التطورات التي أثرت في تزايد النقاشات بشأن موضوع «موت حميدتي»، سواء كانت مرتبطة بأخبار مؤكدة أو شائعات جديدة أو تداول محتوى بصري مثير للجدل مثل الصور ومقاطع الفيديو.

ثانيًا، يركز التحليل على الفاعلين الرئيسيين في النقاشات، سواء الذين دعموا أو روجوا خبر «موت حميدتي»، أو الذين عارضوه وشككوا في صحته. ومن خلال تحديد الحسابات المؤثرة (Influencers) أو الجهات الفاعلة، يتيح هذا الجزء فهم دور الأطراف المختلفة في تضخيم الشائعة أو دحضها، وكذلك معرفة الاتجاهات العامة للجمهور المرتبط بالخبر.

ثالثًا، يسلط التحليل الضوء على الكلمات المفتاحية والوسوم (الهاشتاقات) المصاحبة للخبر، والتي تُبرز طبيعة النقاشات المرتبطة بموضوع «موت حميدتي». ويساعد تحليل الكلمات والوسوم على فهم الرسائل الرئيسية المتداولة، بالإضافة إلى تحديد السياق العام للنقاش، سواء كان يميل نحو تأكيد الخبر أو التشكيك فيه، أو يُركز على أبعاد سياسية واجتماعية أوسع.

أهمية هذا التحليل

تأتي أهمية هذا التحليل من قدرته على تتبع كيفية انتشار الشائعات والأخبار غير المؤكدة على منصة واسعة الانتشار مثل «إكس»، خاصةً في سياقات النزاعات والأزمات. كما يُبرز دور الفاعلين المختلفين في التأثير في الرأي العام، سواء من خلال ترويج الشائعات أو محاربتها. وأخيرًا، يُساعد تحليل الكلمات والوسوم في تقديم فهم دقيق للديناميّات التي تحكم تداول الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي ودورها في تشكيل التصورات العامة.

الأهداف الرئيسية للتحليل

  1. تحليل ديناميّات انتشار شائعة «موت حميدتي»: دراسة كيفية انتشار الشائعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مع التركيز على العوامل الزمنية، والفاعلين الرئيسيين، والسرديات البديلة.

2.تحديد تأثير التكنولوجيا والسرديات البديلة: فهم دور التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، والسرديات المرتبطة بالشائعة، مثل فكرة الشخصية البديلة، في تعزيز انتشار الشائعة ودعم صدقيّتها.

منهجية التحليل

  • جُمعت البيانات المتعلقة بشائعة «موت حميدتي» باستخدام أداة Meltwater، وشملت نحو 20 ألف منشور من منصة «إكس»، خلال الفترة من 22 أغسطس 2023 إلى 22 أغسطس 2024. وتضمنت البيانات معلومات عن المنشورات، والمؤلفين، والكلمات المفتاحية، ومدى الوصول وعدد المشاهدات.
  • اعتمد التحليل على دراسة الاتجاهات الزمنية لتحديد فترات الذروة في التفاعل مع الشائعة، وربطها بالأحداث أو التصريحات المؤثرة. كما ركّز على الفاعلين الرئيسيين مثل الشخصيات البارزة والحسابات المؤثرة التي ساهمت في تضخيم الشائعة أو التشكيك فيها.
  • حُللت السرديات المرتبطة بالشائعة، مثل فكرة الشخصية البديلة واسم «آدم السائر»، إلى جانب دور التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك أدوات الذكاء الاصطناعي، في تعزيز الشكوك وإعادة توجيه النقاش. وشمل التحليل النصوص والتعليقات، لفهم طبيعة النقاش العام والمواقف المتباينة بين التصديق والتشكيك.

تحليل انتشار خبر «موت حميدتي» في وسائل التواصل الاجتماعي

يوضح الشكل «1» الانتشار الواسع لشائعة «موت حميدتي» عبر وسائل التواصل المختلفة، في الفترة من 22 أغسطس 2023 إلى 22 أغسطس 2024، إذ بلغ مدى الوصول نحو 389 مليون مشاهدة، بمتوسط يومي قدره 1.06 مليون مشاهدة، مسجلًا زيادة ملحوظة بـ 69% مقارنةً بالفترة السابقة. 

بلغ إجمالي المنشورات بشأن الشائعة 26.1 ألف منشور، واستحوذت منصة «إكس» على النصيب الأكبر بنسبة 97% من التفاعل، بواقع 25.3 ألف منشور، فيما كانت مساهمة منصات الأخبار والمنصات الأخرى محدودة للغاية.

الشكل رقم «1»

تحليل انتشار خبر «موت حميدتي» على منصة «إكس»

تشير البيانات إلى انتشار واسع للشائعات المتعلقة بـ«موت حميدتي» على موقع «إكس» (تويتر سابقًا)، إذ بلغ إجمالي عدد الحسابات التي ساهمت في النقاشات نحو 11.3 ألف حساب. ويُظهر هذا العدد الكبير تنوع المصادر التي شاركت في نشر الشائعة، مما يدل على تأثيرها الكبير وقدرتها على الوصول إلى جمهور متنوع. ويوضح الشكل «2» ذروة واضحة في عدد المؤلفين خلال فترات محددة، مما يشير إلى تصاعد النشاط في أوقات مرتبطة بأحداث أو أخبار جديدة عن «حميدتي» ستتناولها الدراسة على نحو مفصل في الأجزاء القادمة. أما عدد المنشورات، فقد بلغ نحو 25.7 ألف منشور، مما يبرز حجم النقاش الكبير الذي دار حول الشائعة، لا سيما في أواخر ديسمبر 2023 وبداية يناير 2024، إذ شهدت هذه الفترة ذروة في التفاعل.

الشكل رقم «2»

أما من حيث الوصول التقديري، فقد بلغ إجمالي الوصول نحو 59.6 مليون شخص، مما يُظهر حجم الجمهور المحتمل الذي تعرض للمحتوى المتعلق بالشائعة. ويشير هذا الانتشار الواسع إلى تأثير الشائعة وقدرتها على الوصول إلى شرائح كبيرة من المستخدمين عبر منصات التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، بلغ عدد المشاهدات نحو 9.48 مليون مشاهدة، وهو مؤشر واضح إلى التفاعل الفعليّ مع المحتوى المرئي المتعلق بالشائعة. ويُظهر الرسم البياني ذروات واضحة في عدد المشاهدات، تتزامن مع الفترات التي شهدت زيادة في عدد المنشورات، مما يُظهر حجم الاهتمام الذي حظيت به الشائعة خلال هذه الأوقات.

ومن حيث أنواع المنشورات، أظهرت البيانات أنّ إعادة النشر مثلت النسبة الأكبر بـ 42.7% من إجمالي المنشورات، مما يُظهر اعتماد المستخدمين، بدرجة رئيسة، على إعادة نشر المحتوى بدلًا من إنشاء محتوى جديد؛ تلتها الردود والتي مثلت 39.8%، مما يشير إلى حجم التفاعل والنقاشات بين المستخدمين بشأن الشائعة. أما المنشورات المقتبسة، فقد بلغت نسبتها 9.5%، إذ أعاد المستخدمون نشر المحتوى مع إضافة تعليقاتهم وآرائهم، مما أضاف طابعًا شخصيًا إلى النقاش. وأخيرًا، مثلت المنشورات الأصلية 8.1%، وهو ما يُظهر مساهمات محدودة للمستخدمين في إنتاج محتوى جديد مرتبط بالشائعة.

وفيما يتعلق بالوصول التقديري، وصل المحتوى المرتبط بالشائعة إلى نحو 140 مليون انطباع. وتُظهر هذه البيانات التأثير الواسع للمحتوى في الجمهور، لا سيما خلال الفترات التي شهدت ذروات في النقاشات. وتتزامن الذروات التي ظهرت في الرسم البياني مع فترات شهدت زيادة في أعداد المنشورات والمشاهدات، مما يؤكد أن الشائعات لم تكن محدودة في نطاق تأثيرها، بل أثرت في جمهور واسع جدًا.

تحليل الفترات ذات أعلى مستويات التفاعل مع شائعات «حميدتي»

بداية تداول خبر «موت حميدتي»

كشف فريق البحث أنّ خبر «موت حميدتي» بدأ تداوله لأول مرة على وسائل التواصل الاجتماعي في 17 أبريل 2023، بعد يومين فقط من اندلاع النزاع في الخرطوم. وكان المصدر الأول لهذا الخبر هو منشور على صفحة إسراء عادل، المذيعة في قناة «الشروق»، على «فيسبوك»، والتي يتابعها نحو 650 ألف متابع. وجاء المنشور على شكل خبر عاجل نصه: «أنباء عن مقتل حميدتي».

الصورة رقم «1»

لاقى المنشور تفاعلًا كبيرًا، إذ تجاوز عدد التفاعلات 10 آلاف تفاعل، فيما جرت مشاركته 743 مرة، مما ساهم في انتشار الخبر على نطاق واسع خلال ساعات قليلة. وأظهر تحليل التفاعلات أنّ معظم المتفاعلين استقبلوا الخبر بسعادة؛ إذ سجلت التفاعلات الإيجابية نحو 1,714 تفاعلًا، مما يشير إلى رضا شريحة كبيرة من الجمهور عن النبأ/ الشائعة. ومع ذلك، لم تكن التفاعلات خالية من الجدل؛ إذ تضمنت التعليقات العديد من التشكيكات التي طالبت بتوضيح مصدر موثوق للخبر، ولكن كان تأثير هذه التعليقات المشككة محدودًا في مدى انتشار المنشور؛ بل على العكس، في بعض الحالات، وُوجِه المشككون بردود غاضبة من المصدقين للخبر، مما زاد من حدة النقاش وساهم في تعزيز تداول المنشور.

الفترات ذات مستويات التفاعل الأعلى

عند تحليل البيانات المتعلقة بعدد المنشورات المتضمنة للكلمة المفتاحية «حميدتي»، ظهرت فترات محددة سُجلت فيها أعلى مستويات من التفاعل. وجُمعت الأيام المتقاربة ضمن فترات زمنية متصلة لتوضيح الاتجاهات على نحو شامل، مع إضافة الفترات البارزة في مارس 2024 – يوضح الشكل رقم «15» ارتفاع مستوى تداول خبر «موت حميدتي» وانخفاضه خلال الفترة من 22 أغسطس 2023 إلى 22 أغسطس 2024. 

الشكل رقم «3»

الفترة من 21 إلى 23 سبتمبر 2023: تصريح رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل

يوضح الشكل «3» بداية تداول خبر «موت حميدتي» خلال الفترة المذكورة، إذ شهد يوم 21 سبتمبر 2023 زيادة كبيرة في التفاعل، مع تسجيل 529 منشورًا، بارتفاع ملحوظ بـ 316% مقارنةً باليوم السابق. واستمر هذا النشاط في التصاعد يوم 22 سبتمبر، وبلغ التفاعل ذروته بتسجيل 572 منشورًا، وهو ما مثّل قمة النقاشات بشأن الخبر. ومع ذلك، بدأ الاهتمام يتراجع في يوم 23 سبتمبر 2023، إذ انخفض عدد المنشورات إلى 263 منشورًا، مما يشير إلى فتور نسبي في الزخم المرتبط بتداول الخبر.

بعد تحليل محتوى المنشورات في هذه الفترة، تبيّن أنّ الارتفاع المفاجئ في مستوى التفاعل كان نتيجة لتداول تصريح مثير للجدل أدلى به مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة، خلال مقابلة أجراها مع قناة «الجزيرة» الإخبارية، في يوم 21 سبتمبر 2023. وقال الفاضل في تصريحه: «حميدتي مات وكل تسجيلاته الصوتية بالذكاء الاصطناعي»، مضيفًا أن من يقود قوات الدعم السريع حاليًا هو عبد الرحيم دقلو، شقيق «حميدتي». وأسند الفاضل معلوماته بالإشارة إلى النفوذ الكبير لحزب الأمة في إقليم دارفور، مسقط رأس «حميدتي»، مما جعل تصريحاته أكثر قبولًا ومصداقية لدى الجمهور، وهو ما ظهر في حجم التفاعل الكبير مع المنشورات التي تناولت الخبر.

ومع أنّ تصريحات مشابهة من شخصيات أخرى تُدولت من قبل، إلا أنّ صدور تصريح بهذه الدرجة من الوضوح والثقة من شخصية سياسية بارزة منح الخبر مصداقية إضافية، مما ساهم في انتشاره على نطاق واسع، كما هو موضح من مستويات التفاعل المرتفعة. وتباينت ردود الأفعال على هذه التصريحات بين التصديق والتشكيك، لكنها أسهمت بدرجة كبيرة في تضخيم النقاش بشأن مصير «حميدتي»، ليصبح الخبر نقطة اهتمام رئيسة على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام خلال تلك الفترة.

الصورة رقم «2»

الفترة من 27 إلى 29 ديسمبر 2023: لقاء «حميدتي» مع موسيفيني وآبي أحمد

شهدت الفترة من 27 إلى 29 ديسمبر 2023 أعلى مستوى من التفاعل خلال فترة الدراسة، إذ سجلت يوم 27 ديسمبر قفزة هائلة في عدد المنشورات بـ 1,680 منشورًا، بزيادة مذهلة بلغت 1746% مقارنةً باليوم السابق. واستمر التصاعد في يوم 28 ديسمبر 2023، مع تسجيل ذروة جديدة عند 1716 منشورًا، مما يُظهر استمرار النقاش المكثف بشأن شائعة أو خبر ذي أهمية كبيرة. وبحلول 29 ديسمبر 2023، بدأ التفاعل في الانخفاض على نحو حاد إلى 510 منشورات، مما يشير إلى بداية انحسار النقاش. وتُظهر هذه الأرقام التأثير الكبير للأخبار أو الشائعات المتعلقة بـ«حميدتي» في جذب اهتمام الجمهور والتسبب في موجة من التفاعل المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأظهر تحليل المحتوى أن هذا الارتفاع الكبير كان مرتبطًا بنشر الصفحة الرسمية لـ«هيئة الإذاعة الأوغندية»، على منصة «إكس»، في 27 ديسمبر 2023، صورةً تُظهر استقبال الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في منزله قائدَ قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي». وتضمّن المنشور تفاصيل عن نقاشات بين الطرفين بخصوص تطورات الأوضاع في السودان وجهود وقف الحرب. وحقق المنشور تفاعلًا واسعًا، إذ وصلت مشاهداته إلى 1.4 مليون مشاهدة.

وفي اليوم التالي –أي 28 ديسمبر 2023– ظهرت صور جديدة تُوثق لقاءً آخر جمع «حميدتي» إلى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال زيارة الأول إلى أديس أبابا. وأثارت الصور تفاعلًا كبيرًا، مما ساهم في استمرار النقاشات الحادة على المنصات الاجتماعية.

ومع أنّ الصور نُشرت على منصات رسمية تابعة لدولتي أوغندا وإثيوبيا، إلا أنّ ذلك لم يمنع انتشار نظريات مشككة في صحتها، إذ ادّعى العديد من المستخدمين أنّ الصور أنشئت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، فيما أشار آخرون إلى أنّ الصور قديمة أو أنها لشخص يُشبه «حميدتي» استعين به للتغطية على خبر وفاته. ورافقت هذه النظريات المنشورات التي تناولت الصور، مما ساهم في إشعال الجدل وزيادة التفاعل – انظر إلى الصورتين «2» و«3».

الصورة رقم «3»

الصورة رقم «4»

الفترة من 1 إلى 3 يناير 2024: لقاء حميدتي مع تنسيقية «تقدم»

مع بداية العام الجديد، عاد «حميدتي» إلى الظهور مجددًا، مما أثار موجة جديدة من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ تداول المستخدمون، في الأول من يناير 2024، مقاطع فيديو تُظهر لقاءً جمع «حميدتي» مع أعضاء بارزين في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وأثار هذا الحدث نقاشات واسعة، إذ بلغ عدد المنشورات المتعلقة بالخبر في ذلك اليوم 649 منشورًا، مسجلًا زيادة بـ 229%، مقارنةً باليوم السابق. ومع ذلك، شهدت الأيام التالية انخفاضًا في حجم التفاعل؛ إذ انخفض عدد المنشورات إلى 417 منشورًا في الثاني من يناير 2024، ثم إلى 300 منشور في الثالث من يناير 2024، مما يشير إلى بداية تراجع نسبي في النقاشات.

ومع أنّ ذلك الظهور كان الثالث لـ«حميدتي» في أقلّ من أسبوع، إلا أنه لم يمنع الأصوات المشككة من مواصلة نشر نظرياتٍ بشأن وفاته. وأظهر تحليل المحتوى المنشور خلال هذه الفترة استمرار تداول تحليلات تزعم أنّ الشخص الذي ظهر في مقاطع الفيديو ليس «حميدتي»، بل شبيه له. واعتمدت هذه النظريات على عوامل، مثل لغة الجسد والمظهر الخارجي، إذ أشار المشككون إلى اختلافات واضحة عن المظهر المعتاد لـ«حميدتي»، مما ساهم في تعزيز الشكوك بشأن المسألة، وإبقاء الجدل محمومًا.

على الجانب الآخر، عدّ المؤيدون لصحة مقاطع الفيديو أنها دليلٌ على أنّ «حميدتي» على قيد الحياة، مشيرين إلى مشاركته في لقاءات دبلوماسية مع شخصيات بارزة مثل عبد الله حمدوك. ومع ذلك، استمر المشككون في طرح فرضيات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي لتزييف المقاطع أو استبدال «حميدتي» بشخص آخر يشبهه. وساهم هذا التباين في الآراء في استمرار النقاش، وانتقلت الموضوعات من النقاش في صحة الظهور إلى طبيعة الأدلة المستخدمة لتأكيد الخبر أو نفيه – الصورتان «4» و«5».

الصورة رقم «5»

الصورة رقم «6»

مارس 2024: برنامج شبكة

في 27 مارس 2024، أثار برنامج «شبكة» التابع لقناة «الجزيرة 360» موجة جديدة من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن بثّ حلقة بعنوان «مقابلة خاصة مع شبيه حميدتي قائد الدعم السريع». وحققت الحلقة انتشارًا ملحوظًا على منصة «يوتيوب»، إذ سجلت 194 ألف مشاهدة. وتناولت الحلقة العديد من المواضيع بطريقة ساخرة، بما في ذلك علاقة «حميدتي» بتنسيقية «تقدم»، إلى جانب التطرق إلى الشائعات بشأن إصابة «حميدتي».

وأثارت الحلقة اهتمامًا كبيرًا على منصة «إكس»، إذ بلغ عدد المنشورات المتعلقة بها 208 منشورات في اليوم نفسه، مسجلةٍ زيادةٍ كبيرةٍ بـ 494%، مقارنةً باليوم السابق. ويُظهر هذا الارتفاع حجم تأثير المحتوى الساخر في إعادة إشعال النقاش بشأن مسألة «موت حميدتي»، فقد أثارت الحلقة تفاعلًا واسعًا بين المصدقين والمشككين على حد سواء.

كيف تُصنع السرديات البديلة؟

في سياق شائعة «موت حميدتي»، كان من الواضح أنّ الشخصيات التي تدفع بهذا الخبر استندت إلى مجموعة من السرديات التي تهدف إلى تدعيم موقفها وإقناع الجمهور. وتتناول هذه الجزئية تحليل هذه السرديات والدلائل التي اعتمدت عليها لتضخيم الشائعة ونشرها على نطاق واسع.

 

  1. تصريحات الشخصيات البارزة:

اعتمدت السرديات البديلة، بدرجة أساسية، على التصريحات التي أدلت بها شخصيات بارزة في المشهد السوداني، سواء كانوا صحفيين أو سياسيين أو مسؤولين في الدولة. ومن أبرز هذه التصريحات كان تصريح إبراهيم محمد أحمد، سفير السودان لدى ليبيا، في 27 أغسطس 2023، خلال لقاء مع قناة «الجزيرة» الإخبارية. في هذا التصريح، قال السفير بوضوح: «خدها مني حميدتي مات.. أنا مسؤول عن كلامي..». وأشعل هذا التصريح مواقع التواصل الاجتماعي، وعُدّ تأكيدًا رسميًا لـ«وفاة حميدتي».

ومع أنّ السفير نفى، في المقابلة نفسها، عِلم البرهان بهذه المعلومات، إلا أنّ هذا النفي لم يقلل من تأثير التصريح، بل استمر الخبر في الانتشار بين المصدقين والمشككين على حد سواء. وكان لتصريح السفير تأثير إضافي تجاوز نشر الخبر، إذ أصبح لفظ «البعاتي» الذي استخدمه للإشارة إلى «حميدتي»، أحد المصطلحات المتداولة بكثافة عند الحديث عن الموضوع. واستُخدم المصطلح في الشهور اللاحقة ضمن سردية تهدف إلى إقناع الجمهور بأنّ «حميدتي» قد توفيّ بالفعل، ليصبح المصطلح نفسه جزءًا من الخطاب العام – انظر إلى الصورتين «6» و«7».

الصورة رقم «7»

الصورة رقم «8»

ومن بين التصريحات التي ساهمت مساهمة كبيرة في تعزيز انتشار خبر «وفاة حميدتي» كان تصريح الفريق أول الطيار صلاح عبد الخالق، عضو المجلس العسكري السابق، في حوار مع صحيفة «الكرامة»، في الثامن من أغسطس 2024. وفي هذا الحوار، أكد عبد الخالق على نحو صريح: «حميدتي مات مات مات يوم 17 أبريل»، مضيفًا: «حقو الناس المعاه الكانو معاه في المستشفى يقولو إنو مات ومنهم د. سليمان فضيل». وأثار هذا التصريح جدلًا واسعًا وتفاعلًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

وانتشر التصريح بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً بعد تناوله من قبل قنوات إخبارية مثل قناة «الحدث». كما أدى تضخيم الخبر إلى زيادة كبيرة في النقاشات بشأن «وفاة حميدتي»، لا سيما على منصة «إكس». وساهمت حسابات بارزة في نشر التصريح، ومنها حساب باسم «ياسين أحمد»، يُتابعه نحو 364.3 ألف شخص. وحقق منشور هذا الحساب الذي تضمن تصريح عبد الخالق نسبة مشاهدة عالية بلغت 219 ألف مشاهدة – انظر إلى الصورتين «8» و«9».

الصورة رقم «9»

الصورة رقم «10»

 

وتوضح هذه الحالة كيف يمكن لتصريحات، مثل تلك التي أدلى بها عبد الخالق، أن تصبح محورًا لتضخيم الشائعات، لا سيما عند تداولها من قبل حسابات ذات عدد كبير من المتابعين. وتزيد إعادة نشر مثل هذه التصريحات، من قبل حسابات بارزة، من مصداقيتها لدى الجمهور، مما يدفع مزيدًا من المستخدمين إلى التفاعل معها، سواء بالإيجاب أو التشكيك.

ولم تقتصر تصريحات عبد الخالق على تقديم معلومات صادمة فحسب، بل أضافت عناصر جديدة إلى النقاش، مثل الإشارة إلى الدكتور سليمان فضيل بوصفه أحد الأشخاص الذين يُفترض أنهم شهدوا «وفاة حميدتي». ويُساهم هذا النوع من التصريحات في تعزيز السرديات القائمة ويُعطيها تفاصيل إضافية تُستخدم لدعمها. في الوقت نفسه، يسهم تضخيمها، عبر وسائل الإعلام والحسابات البارزة على منصات التواصل الاجتماعي، في تعزيز انتشار الخبر وتحويله إلى نقطة نقاش رئيسة.

 

2. الشخصية البديلة

من بين السرديات البارزة التي ساهمت في تغذية شائعة «موت حميدتي» كانت فكرة أن الشخص الذي ظهر في مقاطع الفيديو والصور المنشورة بعد وفاته المزعومة ليس «حميدتي» نفسه، بل شخصية بديلة تشبهه. وتوسعت هذه السردية، بدرجة كبيرة، لتشمل افتراضات متعددة؛ أولى هذه الافتراضات كانت أن «حميدتي» استخدم اسمًا مستعارًا لمغادرة السودان والاختفاء عن الأنظار، فيما ركز الافتراض الثاني على أنّ الشخص الظاهر في الصور ومقاطع الفيديو هو شخص مختلف تمامًا وُضع في مكانه لإخفاء خبر وفاته.

في هذا السياق، برز اسم «آدم السائر» ضمن المحاور الرئيسة لهذه السردية، وأصبح هذا الاسم أحد أكثر الكلمات تداولًا في النقاشات المتعلقة بخبر «وفاة حميدتي»، إذ استخدم في إطارين رئيسيين: الأول هو أن «آدم السائر» هو اسم مستعار استخدمه «حميدتي» نفسه أثناء خروجه من السودان؛ والثاني أنّ «آدم السائر» هو شخصية بديلة تمامًا، أُقحمت في المشهد لتضليل الرأي العام وإخفاء حقيقة «وفاة حميدتي»  – انظر إلى الصور بالأرقام «10» و«11» و«12».

الصورة رقم «11»

الصورة رقم «12»

الصورة رقم «13»

اضطلعت منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما «إكس»، بدور بارز في تضخيم هذه السردية. وعلى وجه الخصوص، ساهمت حسابات بارزة مثل حساب «عبد الغني النور» –الذي يتابعه نحو 90 ألف شخص– في تعزيز هذه الفرضية. وعمل هذا الحساب، على نحو ممنهج، على نشر اسم «آدم السائر» في العديد من منشوراته التي حصدت آلاف المشاهدات – انظر إلى الصور «13» و«14» و«15».

الصورة رقم «14»

الصورة رقم «15»

الصورة رقم «16»

3. دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز سردية «موت حميدتي»

مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وسهولة استخدامها في الآونة الأخيرة، أصبح السودانيون أكثر تشككًا تجاه الأخبار والمعلومات، حتى تلك الصادرة عن مصادر كانت تُعدّ موثوقة في السابق. وكان لهذا التأثير دور كبير في تعزيز الشكوك المحيطة بـ«موت حميدتي»، خصوصًا خلال الفترة التي سبقت ظهوره الأخير في اللقاءات المصورة وزياراته الخارجية.

قبل هذا الظهور، كان «حميدتي» يخاطب الجمهور عبر تسجيلات صوتية تصدر باسمه. ومع انتشار الوعي بإمكانيات التلاعب بالصوت باستخدام الذكاء الاصطناعي، بدأت العديد من الجهات الفاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي بالدفع بسردية أنّ هذه التسجيلات ليست حقيقية، بل وُلّدت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ووجدت هذه الادعاءات قبولًا لدى الجمهور، لا سيما مع تصاعد التشكيك العام في صحة المحتوى الذي يُنشر على الإنترنت.

ولتعزيز هذه السردية، أنشأ بعض المستخدمين تسجيلات صوتية مفبركة تُظهر «حميدتي» وهو يتحدث أو يلقي شعرًا، لتوضيح مدى سهولة التلاعب بالمقاطع الصوتية. ومن بين التسجيلات التي رصدها فريق البحث، تسجيل يُظهر «حميدتي» وهو يُلقي قصيدةً للشاعر نزار قباني. ولاقى هذا التسجيل –وتسجيلات أخرى مشابهة– تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وساهمت في زيادة شكوك الجمهور في مصداقية التسجيلات الصوتية التي صدرت باسمه – انظر إلى الصورة رقم «16». 

وعزز انتشار هذه التسجيلات المفبركة سردية «موت حميدتي» وجعل الجمهور أكثر ميلًا إلى تصديقها. كما أظهر كيف يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب استغلال السياق السياسي والاجتماعي، بقوّة، في التشكيك في المحتوى وتشكيل الرأي العام. وفي هذه الحالة، أدت سهولة استخدام الذكاء الاصطناعي إلى خلق حالة من الشك العام، مما ساهم في تقويض الثقة في المصادر الرسمية وإعادة توجيه النقاش نحو تعزيز السرديات البديلة.

الصورة رقم «17»

لماذا يصدق بعض الناس خبر «موت حميدتي»؟

خلُص فريق البحث من الأجزاء السابقة إلى الأسباب التي تدعو الناس إلى تصديق خبر «موت حميدتي»، ولخّصها في أربعة عوامل رئيسة تُبرز تفاعلًا معقدًا بين التصريحات المؤثرة والسياق السياسي والاجتماعي والتطورات التكنولوجية:

  1. التصريحات المؤثرة: كان لتصريحات شخصيات بارزة مثل إبراهيم محمد أحمد وصلاح عبد الخالق دور رئيسي في تصديق الجمهور للشائعة، إذ جاءت من مسؤولين لديهم مكانة رسمية وسياسية، مما جعل الجمهور ينظر إليهم على أنهم مصادر موثوقة.

  2. التلاعب بالتكنولوجيا: ساهمت التسجيلات المفبركة التي انتشرت باستخدام الذكاء الاصطناعي، مثل تسجيل «حميدتي» وهو يلقي قصيدة، في تعزيز الشكوك إزاء صحة التسجيلات الرسمية، مما جعل الجمهور أكثر ميلًا لتصديق الشائعة.

  3. السرديات البديلة: انتشرت فكرة أن الشخص الذي ظهر في الصور ومقاطع الفيديو ليس «حميدتي» بل شخصية بديلة، مثل «آدم السائر»، مما زاد من تعقيد النقاش، وأعطى الشائعة بعدًا إضافيًا من المصداقية لدى بعض الفئات.

السياق السياسي والاجتماعي: انعدام الثقة في المصادر الرسمية ووسائل الإعلام، في ظل التوترات السياسية والنزاعات المستمرة، ساهم في جعل الجمهور أكثر استعدادًا لتبني الشائعات، خصوصًا في ظل غياب تأكيدات قاطعة.

استطلاع لآراء المواطنين بشأن خبر موت/ اختفاء «حميدتي»

يُركز الاستبيان على دراسة التأثيرات النفسية والاجتماعية للمعلومات المضللة، متخذًا تداول خبر موت/ اختفاء محمد حمدان دقلو «حميدتي» موضوعًا للدراسة. وجاءت هذه الدراسة استجابةً لتصاعد حجم انتشار المعلومات الزائفة وغير الموثوقة المرتبطة بشخصية «حميدتي» منذ بداية الحرب في السودان، وما رافقها من تداول مكثف لمواد تروّج الإشاعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

يهدف البحث إلى فهم وجهات نظر المواطنين في تأثير تداول هذا النوع من الأخبار في المجتمع، وتأثير نشر صور ومقاطع فيديو لـ«حميدتي»، سواء خلال زياراته الخارجية إلى دول الجوار أو بعد عودته. كما يسلط الضوء على كيفية تلقي المواطنين لهذه المواد الإعلامية، ومدى تأثيرها في مشاعرهم ومواقفهم وسلوكهم تجاه الأحداث الجارية. ومن خلال هذا الاستبيان، نسعى إلى استخلاص رؤى معمقة بشأن دور المعلومات المضللة في تشكيل التصورات الجماعية، وتقييم حجم تأثيرها في الأفراد والجماعات في سياق اجتماعي وسياسي مضطرب.


  1. منهجية الدراسة 

الفترة الزمنية للدراسة

جُمعت البيانات التي بُنيت عليها نتائج الدراسة في الفترة بين 7 سبتمبر 2024 وحتى 14 سبتمبر 2024، ويجدر التنبيه إلى احتمالية وجود فروقات في الآراء خارج الإطار الزمني المذكور.

مجتمع الدراسة

المواطنون/ات السودانيّون/ات داخل السودان وخارجه.

إستراتيجية المعاينة

نظرًا إلى اتساع نطاق انتشار العينة وخطورة الوضع الأمني في بعض المناطق داخل السودان بسبب الحرب، بالإضافة إلى محدودية الموارد، اعتمد فريق البحث الطرق غير الاحتمالية، واستخدام طريقة العينة الملائمة من خلال منصات «بيم ريبورتس» على مواقع التواصل الاجتماعي.

حجم العينة

كان الهدف جمع 500 عينة، واختير هذا العدد لتحقيق أعلى درجة دقة وأوسع تمثيل ممكنين، وفق ما يتناسب مع الموارد المتاحة لإجراء البحث، وجُمعت 557 عينة سليمة بنهاية الفترة المحددة لجمع البيانات.

عملية جمع البيانات

جُمعت جميع البيانات عبر الإنترنت، إذ صَمّم فريق البحث الاستبيان باستخدام تطبيق «KoboToolbox»، واستخدم التطبيق نفسه في جمع البيانات. ونشر فريق البحث رابط الاستبيان عبر منصات «بيم ريبورتس» على مواقع التواصل الاجتماعي.

الاعتبارات الأخلاقية

قدّم فريق البحث توضيحًا في بداية الاستبيان يتيح للمشاركين الاطلاع على أهداف المشروع. كما حرص الفريق على الحفاظ على سرية بيانات المشاركين عن طريق جمع الحد الأدنى من المعلومات الشخصية التي تسمح لفريق البحث بالتأكد من صحة العينات المجموعة ومصداقيتها.

2. نتائج تحليل الاستبيان

صفات العينة

التوزيع الجغرافي: أظهرت نتائج تحليل العينة أنّ 43.1% من المستجيبين (240 فردًا) كانوا مقيمين داخل السودان، فيما كان 56.9% (317 فردًا) مقيمين خارجه، مما يُظهر انتشارًا جغرافيًا واسعًا للعينة. وتوزعت العينة خارج السودان على 32 دولة، وكانت النسب الأعلى في المملكة العربية السعودية بـ91 عينة، تلتها مصر بـ79 عينة، ثم الإمارات العربية المتحدة بـ35 عينة، وأوغندا بـ15 عينة، وليبيا وقطر بـ11 عينة لكل منهما، والولايات المتحدة الأمريكية بـ10 عينات. وذلك لسهولة الوصول إلى المقيمين خارج السودان عبر المنصات الرقمية، مقارنةً بمن هم داخل السودان، في ظل الظروف الأمنية الصعبة، علاوةً على زيادة أعداد السودانيين في الخارج – انظر إلى الشكل رقم «4».

 

الشكل رقم «4»

الفئات العمرية: يوضح الشكل رقم «5»، توزيع أعمار المستجيبين المشاركين في الدراسة، إذ أنّ الغالبية العظمى من المستجيبين كانت ضمن الفئة العمرية (26 – 35) عامًا، بعدد 247 مستجيبًا (44.3% من العينة الكلية)، وهي تمثل المجموعة الأكبر بين جميع الفئات. وجاءت الفئة العمرية (36 – 45) عامًا في المرتبة الثانية، بعدد 144 مستجيبًا (25.9% من العينة الكلية)، فيما سُجلت الفئة العمرية (18 – 25) عامًا بـ«8 مستجيبًا (16% من العينة الكلية). أما الفئة العمرية (46 – 55) عامًا، فقد تضمنت 54 مستجيبًا (9.7% من العينة الكلية)، وكانت الفئة العمرية (أكبر من 55) عامًا الأقل تمثيلًا بعدد 23 مستجيبًا (4.1% من العينة الكلية).

الشكل رقم «5»

المستوى التعليمي: يوضح الشكل رقم «6» توزيع المستجيبين حسب المستوى التعليمي. وتُظهر البيانات أنّ معظم المشاركين يحملون مؤهلات جامعية، إذ بلغ عددهم 386 مستجيبًا (69.3% من العينة الكلية)، مما يجعلهم الفئة الأكبر؛ تلتهم فئة الحاصلين على دراسات عليا، والتي تضمنت 147 مستجيبًا (26.4% من العينة الكلية). أما بقية الفئات التعليمية، فقد كانت أقل تمثيلًا على نحو واضح، إذ تضمنت فئة الحاصلين على الشهادة الثانوية 21 مستجيبًا (3.8% من العينة الكلية)، وفئة الحاصلين على تعليم حرفي مستجيبيْن فقط، وأخيرًا فئة الحاصلين على التعليم الأساسي، والتي ضمت مستجيبًا واحدًا فقط. وتوضح النتائج أنّ عينة الدراسة موجهة، بدرجة كبيرة، نحو الأفراد ذوي التعليم العالي، مع تمثيل محدود للفئات الأقل تعليمًا، ويمكن أن يُعزى هذا الانخفاض إلى عوامل مثل ضعف الوصول إلى الاستبيان أو قلة التفاعل مع الدراسة من قبل هذه الفئات. وعليه، يشير فريق البحث إلى ضرورة وضع هذا القيد في الاعتبار عند النظر إلى نتائج التحليل، بالإضافة إلى ضرورة مراعاة التنوع التعليمي في الدراسات المستقبلية لضمان شمولية النتائج.

الشكل رقم «6»


3. مدى انتشار خبر «موت حميدتي» وردود أفعال المستجيبين عند سماعه لأول مرة

أجرى فريق «سوداليتيكا» مقابلات مع الطبيبة النفسية لبنى محمد، والاختصاصية النفسية هناء الطاهر؛ لمناقشة الآثار النفسية لتداول المعلومات المضللة، خصوصًا في نطاق الحرب، وفهم طبيعة الأشخاص الأكثر عرضة لتصديق هذه المعلومات. وتناول النقاش عدة نقاط مهمة، مثل الفهم العام للمعلومات المضللة وتأثيراتها النفسية، بالإضافة إلى مناقشة شائعة «موت حميدتي» وتأثيراتها النفسية في المجتمع. كما تطرقت المقابلات إلى التدخلات والعلاجات المتاحة، ودور الأطباء النفسيين في دحض هذه المعلومات وتوعية الأفراد بشأن تأثيرها.

أشارت الدكتورة لبنى إلى أنّ انتشار الشائعات يتجلى بوضوح في المجتمعات التي تربط أفرادها علاقات اجتماعية قوية أو يجمعها ظرف مشترك، إذ تنتقل المعلومات بينهم بسرعة ملحوظة – بحسب لبنى. وتوضح أنه عندما يكون مصدر الخبر شخصية مؤثرة، حتى وإن افتقر هذا الشخص إلى الصلة السياقية، فإنه يسهم، بدرجة كبيرة، في تعزيز انتشار المعلومة، بصرف النظر عن صحتها. وترى لبنى أن الأفراد يميلون إلى التوافق مع الرأي السائد ضمن المجموعة. «هذا التوجه يسهم في انتشار المعلومات على نطاق واسع، بصرف النظر عن مدى دقتها أو موثوقيتها» – أضافت لبنى.

يوضح الشكل رقم «7» توزيع ردود المستجيبين على السؤال المتعلق بسماعهم خبر موت/ اختفاء «حميدتي». تُظهر النتائج أنّ الأغلبية الساحقة من المشاركين (543 مستجيبًا) أجابت بـ«نعم» –ما يعادل 97.7% من العينة الكلية– فيما أجابت نسبة قليلة جدًا (14 مستجيبًا) بـ«لا» – أي ما يعادل 2.5% من العينة الكلية. وتشير هذه النتائج إلى أنّ أخبار موت/ اختفاء «حميدتي» كانت شائعة جدًا، ووصلت إلى معظم المستجيبين، مما يبرز أهمية الحدث وتأثيره في الوعي الجمعي. ويُظهر هذا التفاعل الواسع مع الخبر التأثير الكبير لهذه المعلومات في الأوساط الاجتماعية، ومدى انتشارها بين الأفراد.

الشكل رقم «7»

مصادر تلقي الخبر

يوضح الشكل رقم «8» ردود المستجيبين عن السؤال المتعلق بالمصادر التي وصلهم منها خبر موت/ اختفاء «حميدتي». وتُظهر النتائج أنّ الغالبية العظمى من المستجيبين (395 مستجيبًا) سمعت بخبر موت/ اختفاء «حميدتي» عن طريق «فيسبوك» –ما يعادل 72.7% من العينة الكلية– فيما كان المصدر الثاني القنوات الإخبارية بـ(61 مستجيبًا) – أي ما يعادل 11.2% من العينة الكلية؛ فيما قال 31 مستجيبًا –أي ما يعادل 5.7% من العينة الكلية– إنهم تلقوا الخبر عبر منصة «إكس». وأخيرًا أجاب بقية المستجيبين (50 مستجيبًا) –أي ما يعادل 9.2% من العينة الكلية– بأنهم سمعوا الخبر عن طريق النقاشات الاجتماعية.

تُظهر هذه النتائج الدور البارز لمنصات التواصل الاجتماعي، وبالأخص «فيسبوك»، بوصفها منصات رئيسة لتلقي الأخبار. ومع أننا أصبحنا أكثر وعيًا بوجود الشائعات غير المدعومة بالأدلة أو غير الصحيحة، إلا أن المعلومات المضللة تنتشر بكثافة أعلى على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز أحيانًا نوعًا من القبول الجماعي للأخبار غير الموثوقة.

الشكل رقم «8»

مدى تصديق المستجيبين لخبر «موت حميدتي» عند سماعه لأول مرة

يُظهر الشكل رقم «9» مدى تصديق المستجيبين لخبر موت/ اختفاء «حميدتي» عند سماعه لأول مرة. وتشير النتائج إلى أنّ أغلب المستجيبين (329 مستجيبًا) أجابوا بـ«نعم»، مما يشير إلى أنهم صدّقوا الخبر مباشرةً عند سماعه، وهو ما يمثل نسبة 59% من إجمالي العينة. على الجانب الآخر، صرّح 173 مستجيبًا بعدم تصديقهم للخبر، وهو ما يمثل نسبة 31% من إجمالي العينة. أما نسبة المستجيبين الذين أجابوا بـ«لا أذكر»، فقد بلغت 7%، بعدد 41 مستجيبًا.

وتُظهر هذه النتائج تباينًا واضحًا في ردود أفعال المستجيبين تجاه الخبر، إذ يبدو أنّ هناك ميلًا واضحًا إلى تصديق الخبر عند سماعه لأول مرة لدى أغلب أفراد العينة. وقد يُظهر هذا الأمر تأثير المعلومات الموجهة، وطبيعة الصدمة الناتجة عن الخبر، أو الاعتماد الكبير على مصادر معلومات قد تكون غير موثوقة. ستُدرس العوامل المؤثرة في مستوى تصديق الخبر بمزيد من التفاصيل في الأقسام اللاحقة من التحليل، مع التركيز على تأثير المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية على الاستجابات.

الشكل رقم «9»

يُظهر الشكل رقم «10» توزيع مستويات تصديق خبر موت/ اختفاء «حميدتي» حسب مصدر تلقي الخبر. وتُبرز النتائج اختلاف مستويات التصديق بناءً على المصدر. وأظهرت البيانات أنّ «فيسبوك» كان المصدر الأكثر تداولًا للخبر، إذ استقبل عبره الخبرَ 395 مستجيبًا، ولكن أغلبهم لم يصدقوا الخبر عند سماعه لأول مرة، إذ أجاب 240 مستجيبًا بأنهم لم يصدقوا الخبر عبر «فيسبوك». وفي المقابل، أكد 122 مستجيبًا تصديقهم للخبر عبر «فيسبوك»، فيما أجاب 33 مستجيبًا بـ«لا أذكر» عند سؤالهم عن مدى تصديقهم للخبر.

أما بالنسبة إلى القنوات الإخبارية، فقد كانت النتائج أكثر توازنًا، إذ صدّق 25 مستجيبًا الخبر، فيما رفض 33 مستجيبًا تصديقه، وثلاثة مستجيبين فقط أجابوا بـ «لا أذكر». ويشير هذا التوازن إلى مستوى أعلى من الموثوقية للقنوات الإخبارية، مقارنةً بـ«فيسبوك».

وفيما يخص منصة «إكس»، فقد أظهرت النتائج أنّ 11 مستجيبًا أكدوا تصديقهم للخبر عند الاطلاع عليه من خلال المنصة، فيما رفض 21 مستجيبًا تصديق الخبر، وخمسة مستجيبين فقط أجابوا بـ «لا أذكر». أما «المصادر الأخرى»، فقد سجلت نسبة أقل من التصديق، فبينما صدّق 15 مستجيبًا فقط الخبر، رفض 35 مستجيبًا تصديقه.

وتشير هذه النتائج إلى أنّ «فيسبوك» –مع أنه المصدر الأساسي لنقل الخبر– يواجه مشكلة في الموثوقية لدى المستخدمين مقارنةً بالقنوات الإخبارية التي تبدو أكثر توازنًا من حيث التصديق وعدم التصديق (43.1% صدقوا الخبر بعد سماعه عبر القنوات الإخبارية، مقارنةً بـ30.9% من المستجيبين صدقوا الخبر بعد سماعه عبر «فيسبوك»). ومن جانب آخر، تُظهر النتائج دورًا محدودًا لكل من منصة «إكس» والمصادر الأخرى في تشكيل مواقف المستجيبين من الخبر. وفي المجمل، تُبرز النتائج أهمية المصدر في تشكيل مواقف الأفراد تجاه الأخبار ومدى تصديقها. وستُناقش العوامل الأخرى المؤثرة في التصديق، مثل الجوانب الديموغرافية والمجتمعية للمستجيبين، في أقسام البحث اللاحقة.

 

الشكل رقم «10»

يُظهر الشكل رقم «11» توزيع تصديق خبر موت/ اختفاء «حميدتي» عند سماعه لأول مرة بحسب النوع الاجتماعي (ذكور/ إناث). وتُبرز البيانات أنّ أغلب الذكور الذين شاركوا في الاستبيان لم يصدقوا الخبر عند سماعه لأول مرة، وبلغ عددهم 281 مستجيبًا. وفي المقابل، صدّق 149 مستجيبًا فقط الخبر، فيما أجاب 36 مستجيبًا بـ «لا أذكر». ويُظهر هذا التوزيع تفاوتًا ملحوظًا بين من صدّقوا الخبر ومن رفضوا تصديقه، ويشير إلى مستوى مرتفع من الشك بين الذكور.

بالنسبة إلى الإناث، كانت النتائج مشابهة، إذ شكّل الذين لم يصدقوا الخبر النسبة الأكبر بـ48 مستجيبة، فيما أكدت 24 مستجيبة تصديقهن للخبر. أما اللاتي أجبن بـ «لا أذكر»، فكان عددهن خمس مستجيبات فقط. ومع أنّ النسب أقل من تلك الخاصة بالذكور، إلا أن النمط العام يشير إلى غلبة الشك على التصديق لدى الإناث أيضًا.

وتُظهر البيانات أن الذكور والإناث، على حد سواء، يميلون إلى عدم تصديق الخبر عند سماعه لأول مرة، ولكن الذكور يشكّلون العدد الأكبر من المستجيبين في جميع الفئات (تصديق/ عدم تصديق/ لا أذكر). وقد يُظهر هذا الفارق اختلافات في حجم العينة بين الذكور والإناث، أو ربما تباينًا في طريقة تلقي الأخبار بين النوعين.

وتشير النتائج إلى أن الشك كان السمة الأبرز عند سماع خبر موت/ اختفاء «حميدتي»، بصرف النظر عن النوع الاجتماعي، مع تباين بسيط في نسب التصديق والرفض. ويحتاج التحليل المستقبلي إلى فحص أسباب هذا التوزيع وربطها بعوامل أخرى مثل المصادر الإعلامية والثقة بالمعلومات.

الشكل رقم «11»

يُظهر الشكل رقم «12» توزيع تصديق خبر موت/ اختفاء «حميدتي» عند سماعه لأول مرة بحسب الفئات العمرية المختلفة. وتُبرز البيانات تباينًا واضحًا بين الفئات العمرية في مدى تصديقها للخبر. بالنسبة إلى الفئة العمرية (18 – 25) عامًا، كان أغلبهم يميل إلى عدم تصديق الخبر عند سماعه لأول مرة، إذ بلغ عددهم 54 مستجيبًا، فيما صدّق 25 منهم الخبر، وأجاب ستة مستجيبين بـ«لا أذكر». ويُظهر هذا النمط ميلًا إلى الشك ضمن هذه الفئة العمرية، مع نسبة لا بأس بها من الذين أكدوا تصديقهم للخبر. وفي الفئة العمرية (26 – 35) عامًا، وهي الفئة الأكبر حجمًا من حيث المشاركين، كان عدم التصديق هو الغالب بدرجة أكبر، إذ بلغ عدد المستجيبين الذين أجابوا بـ«لا» 136 مستجيبًا، فيما صدّق 85 مستجيبًا الخبر؛ أما الذين أجابوا بـ «لا أذكر»، فكان عددهم 20 مستجيبًا، مما يشير إلى أن هذه الفئة تتميز بارتفاع مستوى الشك عند تلقي الأخبار.

أما في الفئة العمرية (36 – 45) عامًا، فقد تكرر عندها النمط، إذ لم يصدق 88 مستجيبًا الخبر عند سماعه لأول مرة، فيما صدّق 44 منهم الخبر، وأجاب تسعة منهم بـ«لا أذكر». ومع أن هذه الفئة تُظهر شكًا أكبر، إلا أن نسبة التصديق ما تزال ملحوظة. وفي الفئتين العمريتين الأكبر –(46 – 55) عامًا، وأكثر من 55 عامًا– كانت الأعداد أقل؛ ففي الفئة العمرية (46 – 55) عامًا، بلغ عدد الذين لم يصدقوا الخبر 35 مستجيبًا، مقارنةً بـ 16 فردًا صدّقوه، وستة أجابوا بـ«لا أذكر». أما في الفئة العمرية (أكثر من 55 عامًا)، فقد كانت الإجابات متقاربة نسبيًا، إذ لم يصدق 12 مستجيبًا الخبر، فيما صدّق سبعة منهم، وأجاب ستة بـ«لا أذكر».

وتشير هذه النتائج إلى أنّ الفئة العمرية (26 – 35) عامًا هي الأكثر شكًا عند تلقي الأخبار لأول مرة، تليها الفئة (36 – 45) عامًا. أما الفئات الأصغر (18 – 25 عامًا) والأكبر (46 عامًا فما فوق)، فتُظهر شكًا أقلّ مقارنةً بالفئات الأخرى، مع وجود نسب متفاوتة من التصديق وعدم التصديق. ويُظهر هذا التحليل اختلافات واضحة في كيفية استقبال الأخبار بناءً على الفئة العمرية، مما يستدعي دراسة أعمق لربط هذه الأنماط بعوامل أخرى مثل الخبرة الإعلامية والثقة بالمصادر.

الشكل رقم «12»

يعرض الشكل رقم «13» توزيع تصديق خبر موت/ اختفاء «حميدتي» عند سماعه لأول مرة وفقًا للمستوى التعليمي. ويُظهر التحليل اختلافًا واضحًا في التصديق بين الأفراد بحسب مستوياتهم التعليمية. وبالنظر إلى الأفراد ذوي المستوى التعليمي الثانوي، تُظهر الأرقام قلة المشاركة، مقارنةً بالمستويات الأخرى. وبلغ عدد الذين لم يصدقوا الخبر 15 مستجيبًا، فيما صدّقه ستة أفراد. ويشير ذلك إلى تباين محدود في استجابات هذه الفئة نتيجة قلة عددها. ويتكرر النمط نفسه مع الأفراد ذوي التعليم الحرفي أو الأساسي، فقد كانت أعداد المشاركين قليلة جدًا، مما يجعل التحليل التفصيلي محدودًا. وفي التعليم الحرفي، أجاب فرد واحد بـ«لا»، وآخر بـ«نعم». أما بالنسبة إلى التعليم الأساسي، فقد أجاب فرد واحد بـ«لا».

وفي فئة التعليم الجامعي، كان النمط السائد هو الشك في الخبر، إذ بلغ عدد الذين أجابوا بـ«لا» 231 شخصًا، مما يجعل هذه الفئة هي الأعلى من حيث نسبة الشك. وبينما صدّق الخبر 117 شخصًا، أجاب 28 شخصًا بـ«لا أذكر». ويُظهر هذا الاتجاه نسبة عالية من التردد وعدم القبول الفوري للخبر لدى هذه الفئة.

أما الأفراد ذوي التعليم فوق الجامعي (الدراسات العليا)، فقد كان توجههم نحو عدم التصديق أيضًا واضحًا، ولكن بدرجة أقل مقارنةً بالمستوى الجامعي؛ فقد أجاب 81 فردًا بـ«لا»، فيما أكد 49 فردًا تصديقهم للخبر، وأجاب 13 فردًا بـ«لا أذكر». ويُظهر هذا التوزيع درجة من التوازن النسبي بين التصديق وعدم التصديق، مقارنةً بالفئات الأخرى.

وبصورة عامة، يشير الشكل إلى أنّ المستوى التعليمي يؤثر، على نحو واضح، في مدى تصديق الأفراد للأخبار عند سماعها لأول مرة. وفيما أظهرت الفئة الثانوية أعلى مستوى من الشك، سجلت الفئة الجامعية توازنًا نسبيًا بين التصديق وعدم التصديق، مما يُظهر أهمية التعليم في تشكيل مواقف الأفراد تجاه المعلومات وضرورة التركيز على تعزيز الوعي الإعلامي في جميع المستويات التعليمية.

الشكل رقم «13»

تحليل توزيع المشاعر بعد سماع خبر موت «حميدتي»

يوضح الشكل رقم «14» توزيع المشاعر التي عبّر عنها المشاركون بعد سماع خبر موت/ اختفاء «حميدتي». وتُظهر البيانات أنّ الفئة الأكبر من المشاركين لم يشعروا بشيء أو عبّروا عن شعور غير محدد، وبلغ عددهم 245 مشاركًا، مما يُظهر حالة من الحياد أو عدم التأثر بالخبر. وقد يكون هذا الحياد ناتجًا عن عدم اليقين في صدقية الخبر أو لكونه غير مرتبط، على نحو مباشر، بحياتهم الشخصية أو بمواقفهم من الصراع القائم. وجاء الشعور بالسعادة في المرتبة الثانية، بعدد 184 مشاركًا، مما يشير إلى أن عددًا كبيرًا من المشاركين رأوا في «موت حميدتي» جانبًا إيجابيًا. وقد يُظهر هذا الشعور نظرة هؤلاء الأفراد إلى «حميدتي» بوصفه أحد الأطراف الفاعلة في الصراع بالسودان، أو أن وفاته قد تساهم في تغيير المعادلة السياسية أو إنهاء النزاع.

ويأتي بعد ذلك الشعور بالأمل، إذ عبّر 71 مشاركًا عن إحساسهم بالتفاؤل. وعلى النقيض، جاءت المشاعر السلبية، مثل الإحباط والغضب، في مستويات منخفضة للغاية؛ إذ عبّر 14 مشاركًا فقط عن إحساسهم بالإحباط، فيما كان الغضب أقلّ المشاعر تمثيلًا، بثلاثة مشاركين فقط، مما يشير إلى أنّ الخبر لم يُثِر استجابات عاطفية سلبية قوية لدى أغلب المشاركين. ومن جهة أخرى، صنّف 26 مشاركًا شعورهم تحت فئة «أخرى»، مما قد يُظهر مشاعر متباينة أو معقدة، مثل القلق من تداعيات الخبر أو عدم القدرة على تحديد موقف واضح إزاء الحدث.

وبصورة عامة، يعكس الرسم البياني هيمنة مشاعر الحياد والإيجابية (السعادة والأمل) على استجابات المشاركين بعد سماع خبر «موت حميدتي»، مع قلة المشاعر السلبية. ويُظهر هذا التوزيع تباينًا في تأثير الخبر بناءً على مواقف المشاركين الشخصية تجاه «حميدتي» ودوره في الصراع. 

وأوضحت الاختصاصية النفسية هناء الطاهر أنّ هذه الشائعة انسجمت مع مشاعر الناس في تلك اللحظة، مشيرةً إلى أن تجربة الحرب كانت، بالنسبة إلى بعض مناطق السودان، «جديدة تمامًا»، مما جعلها تترك «آثارًا نفسية عميقة وصدمات غير مسبوقة». وعند ظهور شائعة تفيد بوفاة الشخص الذي يُعتقد أنه المسؤول عن معاناتهم، «يشعر الأفراد بالراحة النفسية ويهربون من مواجهة الواقع والحقائق» بحسب هناء التي وصفت الظاهرة بأنها «شكلٌ من أشكال آليات الدفاع النفسيّ». وأضافت أن محاولة محاربة هذه الشائعات، قد تنتج عنها «ردود فعل عدائية». وأردفت: «الشائعات الذكية تفهم جيدًا الحالة النفسية للأفراد». وفي السياق نفسه، قالت الطبيبة النفسية لبنى محمد إن الشائعة انتشرت لأنها تقدم شعورًا بالاطمئنان. «على المستوى السياسي، تعطي الشائعة انطباعًا بتقدم طرف في الحرب، مما يعزز شعور الأفراد بالطمأنينة، خاصة في المناطق التي تشهد تهديدات مثل القصف» – تضيف لبنى.

الشكل رقم «14»

 

تحليل استجابة المشاركين بشأن مشاهدة صور أو مقاطع فيديو لـ«حميدتي»

يشير الشكل رقم «15» إلى استجابة المشاركين لسؤال عما إن كانوا قد شاهدوا صورًا أو مقاطع فيديو حديثة يظهر فيها محمد حمدان دقلو «حميدتي». وتُظهر البيانات، أن أغلب المشاركين أجابوا بـ«نعم»، وبلغ عددهم 378 مشاركًا، وهو ما يمثل نحو ثلثي العينة الإجمالية. ويُظهر هذا الرقم الانتشار الواسع للمقاطع والصور المتعلقة بـ«حميدتي»، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو منصات التواصل الاجتماعي. ويشير إلى أن الأخبار المرتبطة بـ«حميدتي» تحظى بانتشار كبير في المجال العام السوداني، وهو ما قد يكون ناتجًا عن الاهتمام الشعبي بشخصيته أو بدوره في الحرب الجارية.

وعلى الجانب الآخر، أجاب 179 مشاركًا بـ«لا»، وهو ما يعادل نحو ثلث إجمالي المشاركين. وترى لبنى أن بناء تصديق رواية بعينها تنتج عنها «نزعة تأكيدية وتحيز في الانتباه يولي الاهتمام فقط للمعلومات التي تدعم القناعات المسبقة»، مما يؤدي إلى «تنافر معرفي داخل المجتمع يجعل الذين يحاولون التحقق من المعلومات يشعرون بأنهم أقلية في ظل وجود غالبية تؤمن برأي مختلف». وتضيف: «مع الوقت، يصبح المجتمع متشبعًا برأي واحد، مما يجعل من الصعب تغييره». كما أن هذا العزوف عن مشاهدة المواد يمكن أن يُعزى إلى عدة أسباب محتملة، منها قلة الاهتمام الشخصي، أو عدم الثقة في مصادر الأخبار، أو محدودية الوصول إلى الإنترنت أو وسائل الإعلام في بعض المناطق، أو حتى الرغبة في تجنب متابعة الأخبار ذات الطابع السياسي أو المضلل – بحسب لبنى.

الشكل رقم «15»

 

يشير الشكل رقم «16» إلى استجابات المشاركين بشأن كيفية تفاعلهم مع الصور أو مقاطع الفيديو المتعلقة بـ«حميدتي».ّ وتُظهر النتائج أن أغلب المشاركين، وعددهم 199 مشاركًا، قد صدقوا الصور والفيديوهات، مما يشير إلى استعداد نسبة كبيرة من المشاركين لتصديق المحتوى المرئي دون شك كبير في صحته، وهو ما قد يرتبط بعدة عوامل، منها ثقتهم في الوسائل التي شاهدوا عبرها المحتوى، أو تأثير التكرار والانتشار الواسع لهذه المواد على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

وكشفت استجابات المشاركين بشأن أسباب تصديقهم للخبر، أنّ أغلبهم رأوا أنّ «الفيديوهات تبدو حقيقية» أو «نُشرت في قنوات موثوقة/ رسمية»، مما يُظهر دور المصداقية الظاهرة للمحتوى والمصادر الإعلامية في تعزيز التصديق. ويلي ذلك فئة من المشاركين صدقت المحتوى لأن «حميدتي» ظهر في لقاءات مع رؤساء دول في إثيوبيا وأوغندا، مما زاد من مصداقية الأخبار لديهم. أما المرتبة الثالثة، فقد تقاسمها مستجيبون صدقوا الخبر بناءً على اقتناعهم السابق بأن «حميدتي» لم يمت، أو بسبب عدم اقتناعهم بوجود أدلة كافية على موته وعدم تصديقهم للمصادر التي تروج خبر وفاته.

على الجانب الآخر، أعرب 82 مشاركًا عن عدم تصديقهم للصور ومقاطع الفيديو، مما يشير إلى وجود شريحة مهمة من الأفراد الذين تعاملوا مع المحتوى بالشك والنقد. وتضمنت أسباب عدم تصديق الخبر قناعة أغلب المشاركين بأن «الفيديوهات مفبركة أو مصنعة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)». ويلي هذا السبب، عدم تصديق الفيديوهات بسبب اقتناعهم المسبق بأنّ «حميدتي» قد مات بالفعل، مما يُظهر تأثر هذه الفئة بالروايات التي تؤكد وفاته. وأخيرًا، أشار بعض المشاركين إلى أنّ الفيديوهات تبدو قديمة أو أنهم لا يثقون في المصادر التي نشرت هذه المواد.

بالإضافة إلى ذلك، أجاب 97 مشاركًا بأنهم لم يتمكنوا من تكوين رأي واضح تجاه الصور ومقاطع الفيديو، مما يُظهر حالة من الحيرة أو التردد لدى هذه الفئة. وقد يرتبط هذا التردد بضعف المعلومات المتوافرة لديهم، أو بتناقض الروايات المحيطة بالمحتوى الذي شاهدوه، أو حتى بعدم قدرتهم على التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيّف. وفسرت الطبيبة النفسية لبنى ذلك بأن انتشار المعلومات المضللة يؤدي إلى تقويض الثقة في وسائل الإعلام والمصادر المختلفة للحصول على المعلومات. وتضيف: «حتى عندما يسعى الفرد إلى التحقق من معلومة ما، فإنه غالبًا ما يصبح مترددًا أو متوجسًا من المصدر الذي يستقي منه المعلومة».

وبصورة عامة، تُظهر النتائج تباينًا في تفاعل المشاركين مع الصور والفيديوهات، إذ برزت غالبية تميل إلى التصديق، تليها فئة مترددة، ثم شريحة أصغر –لكنها مهمة– من المشككين في المحتوى. وتشير الأسباب التي دفعت المشاركين لتصديق المحتوى أو رفضه إلى دور كبير للمصداقية الظاهرية للمصادر، وتأثير الروايات المتداولة في تشكيل المواقف. فيما يُبرز هذا التفاوت أهمية دراسة العوامل النفسية والاجتماعية والإعلامية التي تؤثر في تفاعل الأفراد مع المحتوى المرئي، لا سيما في سياقات الصراعات السياسية مثل الحالة السودانية. في سياق البحث، تُظهر هذه النتائج ضرورة التركيز على تأثير المحتوى المرئي في تشكيل الرأي العام في الشخصيات البارزة مثل «حميدتي»، كما تشير إلى أهمية تحليل دور وسائل الإعلام في ترسيخ الصور الذهنية أو تضليل الجمهور.

الشكل رقم «16»

 

يُظهر الشكل رقم «17» توزيع مشاعر المشاركين بعد مشاهدة الصور أو مقاطع الفيديو المتعلقة بظهور محمد حمدان دقلو «حميدتي»، بعد إعلان خبر موته. وتشير النتائج إلى أنّ الفئة الأكبر، وعددها 236 مشاركًا، أفادت بعدم شعورها بشيء محدد أو بشعور غير واضح. وتُظهر هذه النتيجة حالة من الحياد أو عدم التأثر المباشر لدى الأغلبية، ما قد يكون مرتبطًا بعدة عوامل مثل طبيعة المحتوى، ومستوى تفاعلهم الشخصي مع الأخبار المرئية، أو فقدان الثقة في المعلومات المتداولة. وعلى الجانب الآخر، أبدى 71 مشاركًا شعورًا بالإحباط، مما يشير إلى أن الخبر كان له تأثير سلبي في شريحة لا بأس بها من الأفراد. ويُظهر ذلك ارتباط بعض المشاركين بالمحتوى بدرجة أعمق، ربما بسبب التوقعات التي لم تتحقق بشأن غياب «حميدتي» أو تداعيات عودته المحتملة على الوضع السياسي والاجتماعي في السودان.

أما الشعور بالغضب، فقد عبّر عنه 31 مشاركًا، وهو ما يمثل نسبة أقل، لكنه يُبرز كاستجابة سلبية حادة، مقارنةً بالفئات الأخرى؛ وقد يكون الغضب ناتجًا عن الشعور بالإحباط من استمرار تداول الأخبار المتضاربة، أو بسبب القلق من التأثير المستقبلي لظهور «حميدتي» على مجريات الصراع. وعلى النقيض، عبّر 17 مشاركًا عن شعورهم بالأمل، مما يشير إلى وجود شريحة صغيرة من الأفراد الذين رأوا في المحتوى المرئي احتمالًا للتغيير الإيجابي أو الاستقرار. وفي المقابل، كانت السعادة هي الأقل تمثيلًا بين المشاعر، إذ عبّر خمسة مشاركين فقط عن هذا الشعور.

أثر المعلومات المضللة

عند سؤالها عن الأثر النفسي الناتج عن انتشار المعلومات المضللة في سياق الحرب في السودان، قالت الاختصاصية النفسية لبنى محمد إنه عندما تكون المعلومات المضللة متكررة وصادمة، فإنها قد تؤدي إلى «اهتزاز الشعور بالطمأنينة الداخلية». وأشارت إلى أن الاستمرار في التعرض لهذه الشائعات وحالة الشك التي تخلقها يمكن أن تتسبب في حالة من القلق والتوتر المستمرين، مما يؤثر بدوره في كيمياء الدماغ (النواقل العصبية)، مثل انخفاض مستوى «السيروتونين»، موضحةً أن انخفاض «السيروتونين»، قد يُظهر تراجعًا في القدرة على التركيز. وأضافت: «في الوضع الطبيعي، يعود مستوى السيروتونين إلى حالته الطبيعية، ولكن في حالات القلق المستمر، قد يستمر الانخفاض ولا يستطيع الجسم استعادة مستواه الطبيعي، وإذا استمر هذا الانخفاض لمدة طويلة، قد يتحول إلى اكتئاب». وزادت بالقول إن التوتر المستمر يؤثر في الجهاز الهضمي، مما يتسبب في تدهور عملية الهضم وفقدان الشهية. وعلاوةً على ذلك، يؤثر التوتر المستمر في القدرة على النوم، إذ يعاني الشخص من صعوبة في النوم العميق أو يعاني من النوم المتقطع – بحسب لبنى.

وأكدت لبنى ضرورة تعزيز وعي مجتمعي بشأن سبل التعامل مع المعلومات بصورة عامة. وأضافت: «يجب أن يدرك الأفراد أن وسائل الإعلام تؤثر، على نحو مباشر، في صحتهم النفسية وفي القرارات التي يتخذونها»، لافتةً إلى ضرورة أن يكونوا حريصين في تعاملهم مع المعلومات وأن يتحملوا مسؤولية التحقق من صحتها قبل نشرها، وموكدةً أهمية فهم كيفية تأثير هذه المعلومات في الأفراد وكيفية مساعدتهم في الوصول إلى التوازن النفسي الذي يعينهم على عدم التأثر بالمعلومات المضللة.



تحدث فريق البحث مع فريق «مرصد بيم» عن انتشار الشائعات في فترة الحرب، وناقش معهم شائعة «موت حميدتي» بالأخص؛ وأوضح فريق المرصد أن انتشار مثل هذه الشائعات هو نتيجة تسارع الأحداث وكثافة المعلومات الصادرة عن مختلِف الأطراف، بما في ذلك الجيش والدعم السريع والقوى السياسية والناشطين والصحفيين. وأبان فريق المرصد أن «هذا الكم الهائل من البيانات يخلق حالة من الغموض والارتباك لدى الجمهور، ويجعل من الصعب على الناس التمييز بين الحقائق والشائعات».

علاوةً على ذلك، أشار فريق المرصد إلى أن غياب مركز معلومات موثوق، يساهم في تعقيد المشكلة، إذ يدفع النقص في المعلومات الموثوقة الناسَ إلى اللجوء إلى مصادر غير رسمية، مما يخلق «بيئة خصبة للشائعات»، مشيرًا إلى «الدور غير الفعّال» الذي تضطلع به وكالة الأنباء الرسمية «سونا» في مواجهة هذه المشكلة، إذ تأتي استجاباتها متأخرة على الشائعات المنتشرة، مما يترك مساحة واسعة لتداول المعلومات الخاطئة – بحسب المرصد.

ولفت فريق المرصد إلى أن بيئة الصراع الحالي، إلى جانب الدعوات إلى التفاوض والعملية السياسية غير المستقرة، تشكل «مناخًا مثاليًا لنشر الشائعات»، إذ تضعف ثقة المواطنين في المصادر الرسمية، فيما تتزايد الحاجة إلى مركز معلومات يُعتمد عليه في تقديم الحقائق على نحو مستمر وسريع.

أطراف وشبكات فاعلة

كذلك تحدث فريق المرصد عن أن الخداع العسكري يُعد إستراتيجية شائعة تُستخدم في الحروب لإرباك العدو وتضليله والتأثير في قراراته، إذ تُنشر معلومات مزيفة أو مبالغ فيها لتحقيق أهداف محددة. وفي كثير من الحالات، يكون الهدف من هذا التضليل التأثير في خطط العدو وتوجيهه إلى اتخاذ قرارات تخدم مصلحة الطرف الآخر؛ وينسحب هذا الأسلوب على المواطنين أنفسهم، إذ يُضللون بشائعات متعمدة تهدف إلى إثارة الرأي العام أو دعم جهة معينة، مما يجعلهم ضحايا للتضليل العسكري، وذلك بسبب نقص الوعي بأساليب التحقق من المعلومات.

وذكر فريق المرصد أنّ أطرافًا عديدة خارج معسكريْ الجيش والدعم السريع تستفيد من التضليل الإعلامي في السودان، مشيرًا إلى نشاط دول في التضليل بطرق ممنهجة لتحقيق مصالحها الخاصة في الصراع، فيما تعمل عدد من الشبكات الإقليمية على نشر معلومات مضللة ضمن إستراتيجية شاملة للتأثير في الرأي العام السوداني. وقال فريق المرصد إنه رصد على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، عددًا من المنصات التي تنشط في نشر المعلومات المضللة، موضحًا: «رصدنا على سبيل المثال قناة إثيوبية تُعنى بنشر أخبار عن سد النهضة وتطورات إثيوبيا، لكنها أيضًا تنشر معلومات مضللة عن السودان منذ ما قبل الحرب». ومع أنّ هذه القناة لا تتبع سياسة تضليل واضحة لدعم طرف معين في الصراع السوداني، لكن يبدو أنها تهدف إلى نشر الشائعات بصورة عامة – بحسب المرصد.

أبرز الشائعات في الحرب

قال فريق المرصد إن أبرز المعلومات المضللة التي رصدها في فترة الحرب هي تلك المتعلقة بالتقدم العسكري والسيطرة على مناطق محددة، لافتًا إلى أنها أصبحت تؤثر، على نحو مباشر، في المجتمعات المحلية في السودان، وتخلق حالة من الفوضى والتوتر، إذ يتداول الناس المعلومات بشأن تقدم القوات المسلحة أو سيطرة «الدعم السريع» على مواقع معينة دون التحقق من صحتها. ونتيجة لذلك، يشعر الناس بالخطر ويتخذون قرارات بناءً على هذه المعلومات، مثل النزوح أو الاتصال لترتيب خطط للخروج من المنطقة، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وزيادة الضغط على الموارد المحلية المتاحة في مناطق النزوح.

وأشار فريق المرصد إلى أن خطورة هذه الشائعات تظهر حينما تُرفق معها مقاطع فيديو، غالبًا ما تكون غير متصلة بالأحداث المذكورة، ولكنها تنتشر سريعًا وتزيد من حدة التوتر بين السكان. وذكر أن إحدى هذه الشائعات كانت متعلقة بتصريحات منسوبة إلى الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بشأن «هزائم الجيش»، وتُداولت على نطاق واسع، في شهري سبتمبر وأكتوبر من العام الماضي، مما أثر في معنويات الناس وأثارت شعورًا باليأس لدى المواطنين. 

وكذلك أبان المرصد أن استخدام شعارات قنوات إخبارية، مثل «الجزيرة»،  يضيف عنصرًا من المصداقية الزائفة، إذ «يعتمد ناشرو الشائعات على قوة هذه العلامات التجارية الإخبارية لتمرير الأخبار المضللة وجعلها تبدو وكأنها مؤكدة، بهدف تشتيت الانتباه عن التحقق من صحة الخبر، مما يؤدي إلى قبول الناس للمعلومة دون مراجعة».

وذكر المرصد أنّ بعض الناس يعتقد أن نشر أخبار غير مؤكدة عن انتصارات الجيش أو هزائم «الدعم السريع» يرفع من معنويات الجيش ويمثل نوعًا من النُصرة، دون اعتبارٍ للعواقب السلبية لنشر الشائعات على الاستقرار المحلي واستقرار المجتمع.

«موت حميدتي»

قال فريق المرصد إن شائعة «موت حميدتي» كانت مثيرة للاهتمام، إذ لم تختفِ حتى بعد أن ظهرت الكثير من الصور والمقاطع التي تُظهره بصحبة زعماء دول أخرى، مضيفًا: «بعض الناس ما زال يميل إلى القول بأن تلك المشاهد مولّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي، على وضوح الأدلة». «رفض العديد من الناس تصديق ما رأوه، وفضلوا التمسك بأمل أن وفاته قد تعني نهاية الحرب» – زاد فريق المرصد.

وذكر المرصد أن هذه الشائعة انتشرت على مراحل عديدة، بدءًا من تقارير إصابته، ثم تدهور حالته الصحية، ووصولًا إلى التأكيد الزائف لوفاته، وقد عُززت هذه الشائعة من خلال مقاطع فيديو تروج محتوى متقن باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما دفع المتلقي إلى الاقتناع بتراجع قوات الدعم السريع عن موقفها من الحرب. وأعدّت هذه المقاطع المصوّرة والمعلومات المضللة خصيصًا لإقناع المتلقي بأن «الدعم السريع» في موقف ضعيف وأنه يستعد للتراجع، وهو ما يخدم أهدافًا سياسية وإستراتيجية معينة.

وكذلك أوضح المرصد أن ذلك يحدث عبر بناء سردية تدريجية للمعلومات المضللة، بحيث تتسلل إلى عقول الناس على نحو متسلسل، ويزيد من قبولهم للمعلومات الزائفة. ويبدأ هذا التدرج في نشر الشائعة بتسريبات أو أخبار غير مؤكدة، ثم تزداد انتشارًا وتصبح أكثر إقناعًا مع مرور الوقت، «خاصةً حينما يتناولها أشخاص مؤثرون مثل مبارك الفاضل، مما يزيد من مصداقية القصة حتى وإن لم تكن حقيقية» – زاد فريق المرصد.

وأضاف المرصد أن تجذر الشائعات في ذهن الجمهور يجعل عملية تصحيحها شديدة الصعوبة حينما تصل الشائعة إلى نسبة عالية من القبول، فتنخفض فعالية محاولات التوعية والتصحيح، لأن الشائعة تصبح جزءًا من قناعة يصعب زعزعتها. ويكمن التحدي في بناء وعي مجتمعي قوي بسبل التعرّف إلى الأنماط المضللة وتطوير مهارات التحقق من المعلومات قبل تبنيها ونشرها.

خاتمة

تُظهر شائعة «موت حميدتي» ديناميات معقدة لكيفية تفاعل الجمهور مع الأخبار والشائعات في السياقات السياسية والاجتماعية المضطربة. من خلال تحليل التصريحات المؤثرة، وتوظيف التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، وانتشار السرديات البديلة عبر منصات التواصل الاجتماعي، اتضح أنّ مثل هذه العوامل تعزز، على نحو متكامل، الشائعات وتوسع نطاق انتشارها. كما تكشف النتائج أهمية الأدوار التي تضطلع بها الشخصيات المؤثرة، سواء بتصريحاتها أو بمشاركتها غير المباشرة في نشر الشائعات، إلى جانب الأثر العميق للسياق الثقافي والاجتماعي في تشكيل الرأي العام. كما تسلط الضوء على دور وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم الشائعات، فقد أصبحت منصات فعالة لنشر المحتوى، سواء كان دقيقًا أو مضللًا.

علاوةً على ذلك، فإن انتشار المعلومات المضللة، خاصةً في سياق الصراعات والحروب، يمكن أن يكون له تأثيرات نفسية في الأفراد والمجتمعات. وفي حالة شائعة «موت حميدتي»، أظهرت النتائج أن الأفراد الذين تعرضوا لهذه الشائعة عانوا مشاعر متباينة، تتراوح بين الراحة والسعادة وتصل إلى الإحباط والغضب. وبالنسبة إلى بعض المشاركين، كان خبر «وفاة حميدتي» مصدرًا للتفاؤل، إذ رأوا فيه إمكانية لتغيير المعادلة السياسية أو إنهاء الصراع. فيما أدى تكشّف أن الشائعة غير صحيحة إلى شعور بالإحباط.

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE