احداث العنف القبلي في السودان في الفترة ما بين يونيو 2023 إلى مارس 2024

إجتماعي ،سياسي

بعد التصعيد العسكري الأخير في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والذي يشهد حشدًا كبيرًا من قوات الدعم السريع على حدود المدينة منذ أواخر شهر أبريل الماضي، ارتفعت وتيرة التحذيرات الأممية والدولية من تمدد العنف نحو المدينة، التي تعد مركزًا للمساعدات الإنسانية في دارفور. وفي هذا السياق، أشارت التحذيرات إلى خطر انتشار موجة جديدة من النزاعات القبلية في المنطقة.

 

في الفترة بين يونيو 2023 ومارس 2024، شهدت 7 ولايات سودانية حوادث عنف ذات طابع قبلي وفقًا لما رصدته مؤسسة (إنسايتس)

يهدف هذا التقرير إلى تحليل هذه الأحداث وتوزيعها، وتحديد أبرز الفاعلين والمشاركين فيها، بالإضافة إلى تقديم تحليل للتكلفة البشرية لهذه النزاعات القبلية، ومحاولة عرض أنماط ارتفاع وانخفاض الأحداث المختلفة.

في هذا السياق، من الضروري جدًا دراسة أحداث العنف ذات الطابع القبلي في السودان نظرًا لتأثيرها العميق على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد. فهذه الأحداث ليست مجرد نزاعات محلية بسيطة، بل تمتد آثارها لتشمل العديد من الجوانب الحيوية للمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، فإن فهم جذور وديناميات هذه النزاعات يمكن أن يُسهم في تطوير استراتيجيات فعّالة للمصالحة والتسوية، وبناء السلام المستدام في المناطق المتضررة.

الإطار النظري: الصراع والنزاع

وفقًا لأستاذ العلوم السياسية، وليد الدروزي، يمكن تمييز النزاع عن الصراع، بأن النزاع أقل حدة وشمولًا من الصراع. يُعرف النزاع عادةً على أنه “خلاف بين دولتين أو أكثر حول مسائل أو قضايا محددة، ويمكن أن ينشأ بين الأفراد والجماعات داخل الدولة الواحدة”. أما الصراع فهو “تناقض الإرادات الوطنية والقومية، أو تناقض الإرادات الكبرى”. وبناءً على هذا التمييز، يمكن تصنيف الأحداث العنيفة ذات الطابع القبلي بوصفها “نزاعات قبلية”.

 

النزاع القبلي: 

 

تصنف النزاعات وفق معايير عدة أبرزها: 

  • معيار المضمون: كالنزاعات القومية والإثنية والمذهبية والقبلية، أو النزاعات السياسية أو القانونية والجغرافية أو الإيديولوجية. 
  • معيار وعي الأطراف: كالنزاع الكامن والنزاع الظاهر.
  • معيار عدد الأطراف: نزاع ثنائي أو نزاع متعدد. 
  • معيار المستوى: فحسب هذا المعيار هناك نزاعات محلية ونزاعات دولية (إقليمية أو عالمية).
  • معيار التفاعل: كالنزاعات الدبلوماسية، النزاعات غير المؤسسية، النزاعات المسلحة.

 

يقول الدروزي بأن وصف نزاع ما بأنه إثني أو قبلي يعني أن التناقض والاختلاف في المصالح بين طرفين أو أكثر مضمونه إثني أو قبلي. كما يعرف مختص العلاقات الدولية، مايكل براون، النزاع الإثني بإنه “نزاع بين دولتين أو عدة جماعات إثنية حول دعاوى وخلافات مهمة تتعلق بقضايا اقتصادية و سياسية أو اجتماعية أو إقليمية. فالنزاع أو الحرب الإثنية هي شكل من أشكال العنف المنظم بحيث يتم قياس الجماعات والقيم بلغة الإثنية”.

 

جذور النزاع القبلي في دارفور: 

 

يعتبر إقليم دارفور أحد أكثر الأقاليم التي شهدت نزاعات إثنية حادة في السودان منذ مطلع القرن الحالي، حيث كان لتلك النزاعات انعكاس وتأثير كبيرين على السودان وجواره العربي والإفريقي. بالنظر للخريطة رقم «1» نلاحظ أن غالبية النزاعات القبلية في السودان خلال الفترة المذكورة متركزة في إقليم دارفور.

 

 لخص الدروزي أبرز أسباب النزاع القبلي في دارفور في التالي:

  1. العوامل الطبيعية والاختلافات البيئية العميقة بين مناطق الإقليم الذي يعيش سكانه على الرعي. 
  2. الصراع على الأرض والمرعى.
  3. سيادة النظام القبلي في إقليم دارفور الذي هو بالإساس مجتمع عشائري يضم أكثر من 115 قبيلة من أصل 570 قبيلة سودانية.
  4. التداخل القبلي مع دول الجوار وانتشار السلاح وعدم قدرة هذه الدول على ضبط حدودها. 
  5. التهميش وغياب التنمية وسوء توزيع الموارد بين دارفور وباقي أقاليم البلاد، وبين المناطق المختلفة داخل إقليم دارفور نفسه.
  6. إلغاء الإدارة الأهلیة بالإقليم التي كان یدیرها رجال یتمتعون بسلطات واسعة متمرسون عليها، من قبل حكومة الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري، وهو ما ترك فراغًا كبيرًا في الحياة السياسية والاجتماعية المحلية عجزت الدولة عن سده.
  7. تفكك جیش جمهوریة إفريقيا الوسطى، ودخول معظم مقاتليه إلى دارفور، حیث كانت غالبیته من قبائل سودانیة.
  8. هشاشة البنية السوسيوثقافية للتنظيم الاجتماعي في دارفور، بالإضافة إلى أنه مجتمع ريفي بنسبة «80%»  وتدني مستويات التعليم وارتفاع نسب الأمية.
  9. البيئة الإقليمية والدولية المحيطة بإقليم دارفور والسودان ككل، حيث كان للفواعل الإقليمية دور في هذا النزاع الإثنو-قبلي بدءًا بالجوار السیئ وتدهور الأوضاع الأمنية في دول الجوار، ناهيك عن الامتداد القبلي لدارفور في دول الجوار.

تحليل الأحداث ذات الطابع القبلي في السودان

اعتمد الفريق في تحليل أحداث العنف القبلي بشكل أساسي على البيانات التي توفرها مؤسسة (انسايتس)، حيث تم تحليل البيانات المجموعة من قبل المؤسسة في الفترة بين يونيو. 2023 إلى مارس 2024. 

تضمن التحليل تقسيم الأحداث المرصودة أربعة أنواع أساسية: 

  1. الصراعات المسلحة: تعرف (انسايتس) الصراع المسلح بأنه الاشتباك المسلح بين طرفين في وقت ومكان معينين، يشترط أن تكون أطراف الاشتباك مسلحة، ويمكن أن تكون قوات حكومية أو جماعات مسلحة منظمة لها أجندة أو هوية أو أهداف سياسية وتستخدم السلاح لتحقيقها.
  2. العنف ضد المدنيين: تعرف (انسايتس) العنف ضد المدنيين بأنه أحداث العنف التي يمارس فيها كيان منظم العنف على المدنيين عمدًا. والمدنيون هم الأشخاص غير المسلحين وغير المنخرطين في أعمال العنف المنظم. ويشمل مرتكبي العنف ضد المدنيين القوات الحكومية والمتمردين والميليشيات والمجموعات المسلحة الأجنبية.
  3. العنف بين المدنيين: تعرف (انسايتس) العنف بين المدنيين على أنه الاستخدام المتعمد للقوة البدنية أو السلطة، عادةً بدون استخدام الأسلحة النارية. يكون المدنيون في هذا السياق عادة ضحايا في معظم الحالات، حيث يحدث اشتباك بين مجموعتين مدنيتين باستخدام الأسلحة النارية والسلاح. يشترط تصنيف حدث على أنه عنف بين مدنيين بشكل أساسي على موقع الحدث، حيث يجب أن لا تكون المنطقة تشهد صراعاً مسلحاً في وقت وقوع الحدث.
  4. اتفاقيات وقف إطلاق النار\ الصلح القبلي.

يوضح الشكل رقم «1» أعداد الأحداث المذكورة في الفترة بين يونيو 2023 إلى مارس 2024. حيث تم رصد «38» حادثة خلال الفترة المذكورة، وشكلت الصراعات المسلحة النسبة الأكبر للأحداث بعدد «18» صراعًا مسلحًا، تليها حوادث العنف بين المدنيين بعدد «10» حوادث، ثم حوداث العنف ضد المدنيين بعدد «5» حوادث، بالإضافة إلى «5» حوادث أخرى. 

الشكل رقم «1»

توضيح الخريطة «1» توزيع الأحداث المذكورة في ولايات السودان المختلفة. حيث توزعت الأحداث بين الولايات على النحو التالي: 

  • جنوب دارفور: 12 حادثة
  • جنوب كردفان: 6 حوادث
  • شمال دارفور: 6 حوادث
  • غرب دارفور: 6 حوادث
  • القضارف: حادثتين
  • شمال كردفان: حادثتان
  • النيل الأزرق: حادثة واحدة
  • غرب كردفان: حادثة واحدة
  • وسط دارفور: حادثة واحدة

الخريطة رقم «1»

يوضح الشكل رقم «2» التصنيفات الفرعية للأحداث الأربعة الأساسية المذكورة مسبقاً.  تهدف هذه الجزئية لتقديم تصور أوضح لطبيعة الأحداث الرئيسية.

  • قسمت الصراعات المسلحة إلى ثلاثة أقسام (المعارك، الغارات، والكمائن): تم رصد «18» معركة، غارتين، وكمين واحد.
  • قسمت حوادث العنف ضد المدنيين إلى (أحداث القتل العمد للمدنيين، وأحداث النهب): تم رصد «4» حوادث قتل عمد للمدنيين، وحادثة نهب وحيدة. 
  • قسم العنف بين المدنيين إلى (اشتباك بين المدنيين): تم رصد «10» اشتباكات بين المدنيين. 
  • قسمت الحوادث الأخرى إلى (صلح قبلي، اتفاق وقف إطلاق نار): تم رصد «4» اتفاقيات صلح قبلي، واتفاق وقف إطلاق نار وحيد.

تصنيف الأحداث الفرعية والضحايا

يوضح الشكل رقم «2» التصنيفات الفرعية للأحداث الأربعة الأساسية المذكورة مسبقاً.  تهدف هذه الجزئية لتقديم تصور أوضح لطبيعة الأحداث الرئيسية.

  • قسمت الصراعات المسلحة إلى ثلاثة أقسام (المعارك، الغارات، والكمائن): تم رصد «18» معركة، غارتين، وكمين واحد.
  • قسمت حوادث العنف ضد المدنيين إلى (أحداث القتل العمد للمدنيين، وأحداث النهب): تم رصد «4» حوادث قتل عمد للمدنيين، وحادثة نهب وحيدة. 
  • قسم العنف بين المدنيين إلى (اشتباك بين المدنيين): تم رصد «10» اشتباكات بين المدنيين. 
  • قسمت الحوادث الأخرى إلى (صلح قبلي، اتفاق وقف إطلاق نار): تم رصد «4» اتفاقيات صلح قبلي، واتفاق وقف إطلاق نار وحيد.

الشكل رقم «2»

 

يوضح الشكل رقم «3» توزيع الصراعات المسلحة والعنف ضد المدنيين خلال الفترة ما بين يونيو 2023 إلى مارس 2024. بالنظر للشكل، نلاحظ أن أكبر عدد من الصراعات المسلحة وقعت في شهري أكتوبر ونوفمبر 2023، حيث شهد كل من الشهرين «4» صراعات مسلحة. عند المقارنة بين الشكل رقم «3» والشكل رقم «4» الذي يوضح عدد القتلى خلال الفترة المذكورة، نلاحظ أن شهري نوفمبر وقع فيه ثاني أكبر عدد من الضحايا بمجموع «167» ضحية، وأكتوبر وقع فيه ثالث أكبر عدد من الضحايا بمجموع «160» ضحية. لكن عند المقارنة بين الشكلين تبين أيضًا أن ارتفاع عدد الصراعات المسلحة في الشهر لا يعني بالضرورة ارتفاع عدد القتلى، حيث شهد كل من شهري يونيو وأغسطس في عام 2023، وفبراير ومارس في عام 2024 حدوث صراعين مسلحين في كل شهر، ولكن عدد الضحايا الذين سقطوا في شهر أغسطس 2023 بلغ مجموعهم «204» ضحايا (وهو عدد الضحايا الأكبر خلال الفترة المذكورة)، أكبر بأربعة أضعاف عدد الضحايا الذين سقطوا في الأشهر الثلاثة الأخرى مجتمعة (مجموع عدد الضحايا في يونيو وفبراير ومارس بلغ 52 ضحية). 

عمل فريق بيم ريبورتس على محاولة فهم الأسباب التي تجعل من بعض النزاعات القبلية أكثر دموية من غيرها، وبعد النظر في كل الحوادث المرصودة التي أدت إلى سقوط ضحية. لاحظ الفريق أن النزاعات التي تكون قبيلة السلامات أحد أطرافها، يسقط فيها عدد ضحايا أكبر بكثير من بقية النزاعات الأخرى. حيث خلف النزاع بين قبيلة السلامات وقبيلة الهبانية ما مجموعه «389» ضحية، إذ وقعت «7» صراعات مسلحة منفصلة خلال الفترة المذكورة. كما خلف النزاع بين قبيلة السلامات وقبيلة البني هلبة ما مجموعه «124» ضحية خلال صراعين مسلحين فقط خلال الفترة المذكورة.

الشكل رقم «3»

الشكل رقم «4»

تحليل الفاعلين

يوضح الشكل «5» أبرز الفاعلين في الأحداث المرصودة والتفاعلات بينهم، بالإضافة إلى عدد الحوادث التي وقعت بين الفاعلين المختلفين. بالنظر للشكل «5» نلاحظ أن الصراع بين قبيلتي السلامات وقبيلة الهبانية هو النزاع الأكثر تكراراً في الفترة بين يونيو 2023 إلى مارس 2024. وقعت بين قبيلة السلامات وقبيلة الهبانية «8» اشتباكات خلال الفترة المذكورة، خلفت هذه الاشتباكات غالبية الضحايا الذين سقطوا نتيجة النزاعات القبلية في دارفور. بالإضافة إلى قبيلة الهبانية، كانت قبيلة السلامة طرفًا في نزاعين مع قبيلة البني هلبة. بينما وقعت قبيلة الهبانية في اشتباك وحيد مع قبيلة أخرى لم يتم تحديدهم. يوضح الشكل أيضًا رصد: 

  • حادثتا عنف بين مدنيين بين قبيلة الكواهلة و قبيلة الحوازمة.
  • حادثة عنف بين المدنيين بين قبيلة الحوازمة وقبيلة النوبة. 
  • صراع مسلح بين قبيلة الهبانية وقبيلة أخرى لم يتم تحديدها. 
  • صراع مسلح واحد بين قبيلة الزغاوة وقبيلة القِمِر.
  • صراع مسلح واحد بين قبيلة المسيرية وقبيلة الحِمِر.
  • صراعان مسلحان بين قوات الدعم السريع ومجموعة مسلحة تابعة لمجموعة إثنية يزعم أنهم من  قبيلة الارنقا.
  • حادثة عنف ضد المدنيين قامت بها مجموعة مسلحة تابعة للزغاوة تجاه مواطنين في سوق مدينة الطينة. 
  • بالإضافة إلى «8» حوادث مختلفة قامت بها مجموعات مسلحة محلية مجهولة. 

 

بالإضافة إلى أحداث العنف، رصد الشكل «4» اتفاقيات صلح قبلي واتفاق وقف إطلاق نار بين:

  • توقيع اتفاق صلح قبلي بين قبيلة الفور ومكونات من قبائل البقارة.
  • توقيع اتفاق صلح قبلي بين قبيلة السلامات وقبيلة البرقو.
  • توقيع اتفاق صلح قبلي بين قبيلة العركيين وقبيلة الركابية. 
  • توقيع اتفاق صلح قبلي بين قبيلة دينكا أبيي وقبيلة الرزيقات بقارة. 
  • كما وقعت الإدارات الأهلية بمحلية مليط اتفاق وقف إطلاق نار لضمان التعايش السلمي، وذلك بعد الاشتباكات بين مواطنين وعناصر من القوة المشتركة للحركات المسلحة.

الشكل رقم «5»

مشاركة التقرير

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE