يواجه الآلاف من الفارين كل عام من الحروب والفقر والتغير المناخي رحلات خطيرة عبر صحارى أفريقيا نحو ساحلها الشمالي، لعبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، أملًا في حياة أفضل. وثّق «مشروع المهاجرين المفقودين» للمنظمة الدولية للهجرة أكثر من (63,000) حالة وفاة على مسارات الهجرة في العقد الماضي، (44%) منها نتيجة الغرق في البحر الأبيض المتوسط. وفي العام 2023، سجّل المشروع رقمًا قياسيًا بلغ (8,542) حالة وفاة أو اختفاء، بزيادة (20%) على العام 2022.
أدى تصاعد النزاعات خلال العقد الماضي إلى زيادة مطردة في عدد النازحين، وصل إلى (114) مليون نازح خلال العام الماضي، بالتزامن مع زيادة في معدلات الهجرة غير النظامية، إذ يبحث الناس عن ملاذات آمنة، بعيدًا من الحروب والنزاعات. وفي المقابل تركز الدول الأوروبية على الحد من الهجرة غير النظامية عبر التنسيق الأمني والمالي مع دول المعبر. وفي هذا السياق، وقّع الاتحاد الأوروبي مؤخرًا على اتفاقات تعاون مع عدد من دول شمال أفريقيا، من بينها مصر وتونس وليبيا، تهدف جميعها إلى محاصرة الهجرة غير النظامية ومنع المهاجرين من الوصول إلى سواحل أوروبا. وربما ساهمت هذه الاتفاقات، على نحوٍ مباشر، في تدهور أوضاع المهاجرين الذين يمرون عبر هذه الدول وفي تعرضهم لمزيدٍ من العنف والتضييق، مع استمرار غياب الطرق الآمنة والرسمية التي يمكن أن يسلكها المهاجرون إلى أوروبا.
يقول ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي ماثيو رينولدز إنه «دون سبل كافية للوصول إلى الأمان، سيستمر المهربون في استغلال الأشخاص الضعفاء واليائسين أو أن هؤلاء سيضطرون إلى اللجوء إلى تدابير يائسة لعبور الحدود». ومن بين أولئك الذين يشرعون في هذه الرحلات، طالبو لجوء ولاجئون فارون من العنف والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان، فضلًا عن المهاجرين وضحايا الاتجار وغيرهم – طبقًا لرينولدز.
في السنوات الأخيرة، منح التقدّم التكنولوجي فرصةً واسعةً لشبكات التهريب لتطوير أساليب جديدة لتحقيق أرباح ضخمة وتفادي الرقابة القانونية في الوقت نفسه. وشهدت شبكات تهريب المهاجرين تحولًا ملحوظًا نحو «المنصات الرقمية»، وبدأ المهربون يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي لترويج خدماتهم، لا سيما «فيسبوك».
تحليل نشاط مجموعات «فيسبوك» المرتبطة بالهجرة غير النظامية في شمال أفريقيا
لاحظ فريق «سوداليتيكا» في «بيم ريبورتس» تزايد نشاط مجموعات «فيسبوك» المتعلقة بالهجرة غير النظامية في شمال أفريقيا، وتصدى لدراستها، مع التركيز على متابعة الاتجاهات والتفاعلات داخل هذه المجموعات. تمكن «فريق بيم» من رصد (11) مجموعة على «فيسبوك» مخصصة للهجرة غير النظامية، تضم ما مجموعه أكثر من (1,642,000) عضو. لكن «بيم ريبورتس» حصرت الرصد على المجموعات المفتوحة والناطقة بالعربية في ليبيا والسودان ومصر وتونس والمغرب والجزائر، إلى جانب متابعة حسابات (16) مهربًا، بمن فيهم ثمانية مهربين سودانيين وثلاثة مغاربة ومهربين مصريين ومهربين ليبيين ومهرب سوري.
تركزت الدراسة على تحليل هذه المجموعات لفهم طريقة عملها، وعدد أعضائها، والدول التي ينتمي إليها هؤلاء الأعضاء، بالإضافة إلى تحليل مسارات الهجرة غير النظامية المرتبطة بها. كما أجرى الفريق تحليلًا موسعًا للمحتوى المنشور وطبيعته في عدد مختار من هذه المجموعات، بهدف فهم الأساليب التي يستخدمها المهربون لترويج رحلاتهم، واللغة والمصطلحات المستخدمة في هذا النوع من المحتوى. علاوةً على ذلك، درس «فريق بيم» طرق التفاعل بين المهربين وطالبي الخدمة، ورصد ديناميكية السوق «العرض والطلب» داخل هذه المجموعات.
أولًا: رصد المجموعات مرتبطة بليبيا
رصد «فريق بيم» مجموعتين في السودان ومصر مخصصتين للسفر إلى ليبيا ومن ثم إلى اليونان أو إيطاليا.
المجموعة الأولى: أنشئت في ديسمبر 2023 تحت اسم «السفر إلى إيطاليا»، وبلغ عدد أعضائها أكثر من (29) ألف عضو، في فترة وجيزة، بمعدل (89) عضوًا جديدًا في كل أسبوع. ويعد النشاط في هذه المجموعة ضعيفًا نسبيًا، مقارنةً ببقية المجموعات المرصودة، إذ ينشر أعضاؤه ثمانية منشورات يوميًا في المتوسط.
بعد تحليل محتوى المجموعة، تبيّن أنّ نشاطها يتركز في مصر، إذ يستخدم المهربون المجموعةَ منصةً لعرض خدماتهم على الجمهور، بثلاث طرق أساسية:
- العرض المباشر للخدمة: وفي هذه الحالة يعلن المهرب عن رحلة جاهزة إلى إيطاليا أو اليونان، ويُرفق رقم هاتف بالإعلان، للتواصل المباشر (الصورة رقم 1).
الصورة رقم «1»
2. عرض الخدمة وكأنها «رحلة سياحية»: وفي هذه الحالة يعرض المهرب رحلة إلى اليونان وكأنها «رحلة سياحية». وتُستخدم هذه الطريقة للالتفاف على خوارزميات «فيسبوك» التي تعمل على حذف المحتوى المتعلق بعروض رحلات التهريب وطلباتها (الصورة رقم 2).
الصورة رقم «2»
3. عرض الخدمة في التعليقات: وفي هذه الحالة، عندما يعبر الأعضاء عن رغبتهم في السفر إلى ليبيا أو إيطاليا، يعلق المهربون على منشوراتهم ويدعونهم إلى التواصل معهم في البريد الخاص (الصورة رقم 3).
الصورة رقم «3»
لاحظ «فريق بيم» أنّ المهربين والناشطين في المجموعات المخصصة للهجرة غير النظامية مدركون لسياسات «فيسبوك» الخاصة بمراقبة المحتوى، إذ تتضمن توجيهات هذه المجموعات منع استخدام كلمات معينة، مثل «الدفع بعد الوصول» و«تهريب»، في المنشورات والتعليقات (الصورة رقم 4).
الصورة رقم «4»
وتدار هذه المجموعة بواسطة شخصين، أحدهما يستخدم حسابًا وهميًا، ويتضح من تحليل هذا الحساب أنه أنشئ خصيصًا لإدارة المجموعات المخصصة للتهريب، كما يُظهر التحليل أنّ هذا الحساب يدير ثلاث مجموعات مختلفة، جميعها مخصصة للهجرة غير النظامية. وتعد المجموعة التي جرى تحليلها سابقًا، الأحدث والأصغر ضمن هذه المجموعات، إذ أنشئت في ديسمبر 2023 وتضم نحو (29) ألف عضو.
أما المجموعة الأكبر والتي أنشئت في يناير 2022، فتضم نحو (260.5) ألف عضو (الصورة رقم 5). يثير هذا التحليل احتمال أن تكون هذه الشبكات مدارة من قبل الأشخاص أنفسهم. ومع ذلك، من المهم التنبيه إلى أنّ التنظيم المشترك للمجموعات لا يعني بالضرورة أنّ هذه الشبكات تعمل ضمن الإطار أو النشاط نفسه في الهجرة غير النظامية. قد تكون هناك اختلافات في الأدوار أو طرق العمل، لذا يجب توخي الحذر عند استخلاص الاستنتاجات المتعلقة بالعلاقة بين هذه المجموعات.
الصورة رقم «5 »
المجموعة الثانية: أنشئت المجموعة الثانية في يونيو 2021 تحت اسم «الوصول إلى ليبيا عن طريق المثلث»، ويتركز نشاط هذه المجموعة في السودان. تضم المجموعة نحو (62) ألف عضو، مع زيادة كبيرة في عدد الأعضاء الجدد، بمعدل (3,551) عضوًا في الأسبوع، مما يُظهر تزايدًا في حركة الانضمام إلى المجموعة في الفترة الأخيرة. وتحظى هذه المجموعة بمستوى عالٍ من التفاعل، إذ يُنشر فيها نحو (57) منشورًا يوميًا، بمجموع (1,450) منشورًا في الأسبوع.
بعد تحليل محتوى هذه المجموعة، رصد «فريق بيم» اختلافات في طرق تواصل المهربين مع الراغبين في السفر من السودان. بالإضافة إلى الطرق التي ذُكرت سابقًا لعرض الخدمات، يكمن الاختلاف الأساسي في استخدام المهربين منصات منفصلة عن «المجموعة» للتواصل؛ إذ يُوجّه الراغبون في السفر إلى مجموعات أخرى على منصتي «تلغرام» و«واتساب» (الصورتان بالرقم 6 و7)، مما يقلل من نشر أرقام التواصل المباشر في المجموعة نفسها.
الصورة رقم «6»
الصورة رقم «7»
كما لاحظ الفريق اختلافًا آخر وهو أنّ المنشورات في هذه المجموعة لا تقتصر على طلبات السفر أو عروض المهربين، بل تشمل أيضًا مجموعة متنوعة من الاستفسارات عن حالة الطرق وفرص العمل في ليبيا، وأحيانًا حتى البحث عن رفاق للسفر. بالإضافة إلى ذلك، يتبادل أعضاء المجموعة النصائح بشأن المواد الغذائية الضرورية للرحلة، والمبالغ المالية المطلوبة، والمناطق التي يجب التوجه إليها بعد الوصول إلى ليبيا. من هذا التحليل، يمكن استنتاج أنّ عمليات البحث والتنسيق بين الراغبين في السفر تحدث جزئيًا على أرض الواقع في السودان، إذ تشير المنشورات إلى وجود نقاط تهريب وسيارات نقل في أسواق وأماكن معروفة للناس (الصورة رقم 8).
الصورة رقم «8»
لاحظ «فريق بيم» أيضًا قلة استخدام الناشرين للمصطلحات المرتبطة بالتهريب، إذ يفضلون استخدام ألفاظ محلية، مثل «متحركين»، و«متوكلين»، و«مارقين»، و«مسافرين»، وهي ألفاظ شائعة وتستخدم بكثافة في المحادثات اليومية، مما يصعب على خوارزميات «فيسبوك» رصدها. وعلى عكس المجموعة السابقة، لم تكن هناك توجيهات محددة في هذه المجموعة بخصوص نوع الألفاظ التي يجب استخدامها في العرض أو الطلب، مما يشير إلى أنّ تجنب الألفاظ المرتبطة بالتهريب قد يكون ناتجًا عن سلوك طبيعي أو غير منظم.
ثانيًا: رصد المجموعات المرتبطة بالمغرب وتونس والجزائر
رصد «فريق بيم» أربع مجموعات مخصصة للهجرة غير النظامية عبر المغرب وتونس والجزائر:
- المجموعة الأولى: أنشئت في يونيو 2021 تحت اسم «جنقو المغرب»، وغُيّر الاسم لاحقًا إلى «جنقو المغرب الجزائر وتونس». وتضم هذه المجموعة أكثر من (46) ألف عضو، مع معدل انضمام بلغ نحو (960) عضوًا جديدًا كل أسبوع، مما يشير إلى ارتفاع عدد المنضمين في الفترة الأخيرة. وتُعد المجموعة نشطة نسبيًا، إذ يُنشر فيها (16) منشورًا يوميًا، بمعدل (1,300) منشور في الأسبوع.
- المجموعة الثانية: أنشئت في مارس 2022، تحت اسم «السمبك بس»، وتشير كلمة «السمبك»، في العامية السودانية، إلى السفر عبر الطرق غير الرسمية، وعادةً ما تستخدم للإشارة إلى السفر إلى أوروبا عبر البحر. غُيّر اسم المجموعة لاحقًا إلى «الغربة». ومع أن هذه المجموعة لم تُنشأ منذ مدة طويلة، إلا أنها تضم (652) ألف عضو، لكن معدل انضمام الأعضاء الجدد تراجع تراجعًا ملحوظًا ليصبح (77) عضوًا جديدًا في الأسبوع. ويُعدّ نشاط هذه المجموعة منخفضًا مقارنةً بالأولى، إذ يُنشر فيها بمعدل ثمانية منشورات يوميًا، على العدد الكبير من الأعضاء.
- المجموعة الثالثة: أنشئت في يوليو 2023، تحت اسم «تفجيرات جنقو تونس»، وتضم ما يزيد على (24) ألف عضو، مع معدل زيادة منخفض جدًا يبلغ عضوين جديدين في الأسبوع. وتُعد هذه المجموعة الأقل نشاطًا بين المجموعات المرصودة، إذ يُنشر فيها بمعدل منشور واحد يوميًا. ولاحظ الفريق استخدام مصطلح «تفجيرات» في هذه المجموعة لوصف عمليات الهجرة غير النظامية من تونس والمغرب والجزائر إلى أوروبا.
تشترك هذه المجموعات في استخدام لغة خاصة، إذ يُطلق السودانيون الذين يودون الهجرة إلى أوروبا، عبر الطرق غير النظامية، اسم «الجنقو» على أنفسهم. ويُطلق اسم «جنقو»، في العادة، على العمال الموسميين الذين يعملون في الحصاد، ولكن أُعيد استخدامه للإشارة إلى الراغبين في الهجرة عبر البحر إلى أوروبا. ولاحظ الفريق أيضًا أنّ المصطلح يُستخدم، بدرجة أكبر، لوصف المهاجرين من المغرب وتونس والجزائر، مقارنةً بليبيا. كما لاحظ استخدام مصطلح «تفجيرات» لوصف عمليات الهجرة غير النظامية في المغرب وتونس والجزائر، ويمكن اعتباره مرادفًا لمصطلح «السمبك».
بعد تحليل محتوى المجموعات الثلاث، يتضح أنّ جزءًا كبيرًا من المنشورات لا يتناول الهجرة غير النظامية بطريقة مباشرة، بل يتناول موضوعات مختلفة. أما المنشورات التي تتناول الهجرة غير النظامية، فهي تقتصر على استفسارات عن أفضل طرق الهجرة، وقصص نجاح أفراد وصلوا إلى أوروبا، وبعض المهربين الذين يعرضون خدماتهم.
- المجموعة الرابعة: أنشئت في 17 نوفمبر 2023 تحت اسم «جنقوو تونس الخضراء»، ومن ثم تغير الاسم لاحقًا ليصبح «جنقو مسامير الأرض- السمبك التونسية». وتضم المجموعة ما يزيد على (84) ألف عضو، بمعدل زيادة أعضاء مرتفع بلغ (1,673) عضوًا في الأسبوع. ويتركز نشاطها على السودانيين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا عن طريق البحر. وعلى العدد الكبير لأعضاء المجموعة يُعدّ مستوى النشاط فيها منخفضًا، إذ بلغ عدد المنشورات فيها (26) منشورًا في الشهر، خلال فترة البحث.
عند تحليل محتوى هذه المجموعة، لاحظ «فريق بيم» وجود نوع مختلف من المنشورات، إذ ينشر مدير المجموعة باسم «الجوكر»، دوريًا، مقاطع فيديو توثق رحلات هجرة غير نظامية ناجحة إلى إيطاليا من ليبيا أو المغرب (الصورة رقم 9).
الصورة رقم «9»
بالإضافة إلى مقاطع الفيديو، ينشر مدير المجموعة معلومات دورية عن إحداثيات سفن الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط وعمليات الإنقاذ، تتضمن أسماء السفن وعددها وعدد المهاجرين الذين أنقذوا وجنسياتهم والمنطقة التي أنزلوا فيها، والمدن التي انطلقوا منها (الصورتان بالرقم 10 و11).
الصورة رقم «11»
الصورة رقم «10»
من خلال البحث المعمق في منشورات الباحثين عن طرق الهجرة غير النظامية، تبيّن أنّ المعاملات مع المهربين غالبًا ما تحدث في مجموعة على تطبيق «واتساب» تحمل اسم المجموعة الأولى نفسه «جنقو المغرب الجزائر وتونس وليبيا»، ويعرض فيها المهربون خدماتهم. أنشئت هذه المجموعة على «واتساب» في أغسطس 2024، وتضم نحو (190) عضوًا. وتتبع هذه المجموعة قواعد مختلفة؛ إذ يُمنع فيها الحديث عن أيّ موضوع خارج مواضيع السفر، ولا يُسمح لغير السودانيين بالانضمام إليها. وتُستخدم هذه المجموعات لأغراض متعددة تتلخص في ثلاثة مجالات رئيسة:
- تبادل المعلومات: يتشارك أعضاء المجموعة المعلومات المتعلقة بالتنقل بين البلدان والمدن، مثل الأسعار وتكاليف السفر والمعيشة، بالإضافة إلى الأوضاع العامة في المدن وعمليات الترحيل التي تنفذها السلطات الأمنية، فضلًا عن تنظيم مكالمات جماعية دورية لتبادل المعلومات بشأن مواقعهم الحالية (كما هو موضح في الصورة رقم 12).
الصورة رقم «12»
2. تنسيق الرحلات: تبادل المعلومات بشأن الرحلات المقبلة، بما في ذلك عددها والنقاط التي ستنطلق منها. ويُستخدم مصطلح «تفجير» للإشارة إلى الرحلة الجديدة، ويتشارك الراغبون في السفر تفاصيل عن مواقعهم والطرق سيسلكونها للوصول إلى نقطة الانطلاق (الصورة رقم 13).
الصورةرقم «13»
3. تبادل أرقام المهربين والأسعار: يتداول أعضاء المجموعة أرقام المهربين وأسعار الرحلات الحالية (الصورة رقم 14). بالإضافة إلى ذلك، يشارك الأعضاء معلومات عن الرحلات التي انطلقت سابقًا وأفضل الأوقات والمواسم للسفر. تُربط مواعيد السفر بمواقع سفن الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط وإحداثياتها، إذ يعزز ارتفاع عدد سفن الإنقاذ فرص الوصول إلى شواطئ إيطاليا، وهو الهدف المنشود للعديد من المهاجرين (الصورة رقم 15).
الصورة رقم «15»
الصورة رقم «14»
ثالثًا: رصد المجموعة المرتبطة بمصر
رصد «فريق بيم» مجموعة واحدة مخصصة للهجرة غير النظامية إلى مصر. ويُعد هذا الطريق من أحدث الطرق، إذ استُحدث نتيجة الصعوبات الكبيرة التي تواجه السودانيين الراغبين في الدخول إلى مصر، مما فتح الباب أمام هذا الطريق الجديد.
أنشئت المجموعة في يناير 2024، تحت اسم «السفر إلى مصر عبر الصحراء»، وتضم نحو (5.6) ألف عضو، بمعدل زيادة مرتفع بلغ (681) عضوًا جديدًا في الأسبوع. ويعد مستوى التفاعل في هذه المجموعة مرتفعًا على قلة عدد أعضائها، إذ يُنشر فيها (32) منشورًا يوميًا، بمعدل (694) منشورًا في الأسبوع.
بعد تحليل محتوى المنشورات في المجموعة، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسة:
- عروض السفر إلى مصر: يعرض المهربون خدماتهم في المجموعة، لكن ما يميز هؤلاء المهربين، عن نظرائهم في ليبيا، هو تقديمهم خدمات ترويجية مضافة مثل: «توفير عربات جديدة ومكيفة، وتخفيضات للعائلات والمجموعات، وتوصيل إلى الفنادق، وتوفير شبكة إنترنت ستارلينك (Starlink) خلال الرحلة، وتوفير شريحة اتصال مصرية عند الوصول»، مما يدل على منافسة عالية وطلب كبير على هذا الطريق، وهو ما يدفع المهربين إلى تقديم خدمات إضافية لجذب العملاء (الصورتان بالرقمين 16 و17).
الصورة رقم «17»
الصورة رقم «16»
2. عروض العودة إلى السودان من مصر: تحتوي المجموعة أيضًا على عروض للراغبين في العودة من مصر إلى السودان؛ فالأشخاص الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب لا يمكنهم العودة عبر الطرق النظامية لعدم امتلاكهم «ختم دخول» إلى مصر، مما يضطر بعضهم إلى العودة عبر الطريق نفسه الذي دخل عبره، على خطورته (الصورة رقم 18).
الصورة رقم «18»
3. استفسارات ومعلومات بشأن الأوضاع في مصر: تُستخدم المجموعة لطرح الأسئلة عن إجراءات المفوضية في مصر، وأسعار الإيجارات، والمخاطر المحتملة على الطريق، إلى جانب استعراض خدمات أخرى، مثل توفير تأشيرات دخول إلى مصر وتقديم مواعيد لدى مفوضية اللاجئين في مصر.
من الواضح أنّ هذه المجموعات تحولت من منصات لعرض خدمات التهريب إلى مصر، إلى أسواق جديدة للخدمات البديلة، بعيدًا من مؤسسات الدولتين السودانية والمصرية، لا سيما مع صعوبة الحصول على الخدمات التي صارت شبه مستحيلة لبعض الأشخاص.
سياسة المحتوى
توضح سياسة معايير المجتمع الخاصة بـ«فيسبوك» كيفية تعامل المنصة مع قضايا استغلال البشر وتهريبهم، وتحدد الإجراءات المتبعة لإزالة المحتوى المتعلق بهذه الأنشطة. تقول «فيسبوك»، في سياسات المحتوى، إنها «تمنع نشر أيّ محتوى يساهم في تجنيد الأشخاص لأغراض الاتجار بالبشر أو يسهل إمكانية ذلك، سواء كان ذلك من خلال الاستغلال الجنسي، أو بيع الأطفال، أو الزواج القسري، أو استغلال العمالة، أو أيّ شكل آخر من أشكال الاستغلال. كما تمنع السياسة نشر المحتوى الذي يعرض تسهيل أو طلب خدمات تهريب البشر»، مع استثناء المحتوى الذي يهدف إلى إدانة قضايا الاتجار بالبشر وتهريب البشر، أو تعزيز الوعي بها، أو التقارير الإخبارية التي تتناول هذه القضايا.
وتظهر «فيسبوك» تنبيهات للمستخدمين عند البحث عن مصطلحات قد تكون مرتبطة بتهريب الأشخاص؛ فعند البحث مثلًا عن كلمات مثل «سمبك» (كما في الصورة 19) أو «تهريب» (كما في الصورة 20)، يظهر تنبيه للمستخدم يوضح أنّ المصطلح قد يكون مرتبطًا بتهريب البشر. وتحث «فيسبوك» المستخدمين على الحذر من الاستمرار في البحث عن هذه المصطلحات (كما يظهر في الصورة 21).
الصورة رقم «19»
الصورة رقم «20»
الصورة رقم «21»
لكن «فيسبوك» لم تنجح في الحد من انتشار المجموعات والصفحات التي تقدم خدمات التهريب، إذ كشف تحقيق أجراه «مشروع الشفافية الرقمية» في 2021 عن عدم فعالية رقابة المنصة على الانتهاكات المتعلقة بالمحتوى. ورصد التقرير استخدام مهربي البشر منصة «فيسبوك» في تقديم خدمات التهريب عبر الحدود، مشيرًا إلى أنّ «خوارزميات فيسبوك» توصي مستخدميها أحيانًا بصفحات المهربين. وأشار التحقيق إلى أنّ «فيسبوك» قد تكون على علم بوجود هذه الأنشطة غير القانونية على منصتها، لكنها «لم تتخذ الإجراءات الكافية للحد منها».
وحدد التحقيق عشرات الصفحات على «فيسبوك»، مشيرًا إلى أنها تعرض خدمات عبور الحدود من خلال البحث على المنصة باستخدام عبارات واضحة، إذ لا يبذل المهربون جهدًا في إخفاء نواياهم.
وفقًا للتحقيق، ينشر المهربون إعلانات مغرية تدعو المهاجرين إلى الانضمام إلى رحلات تهريب عبر الحدود، مع وعود بالوصول «الآمن والسريع» إلى وجهاتهم، تتضمن في كثير من الأحيان صورًا ومقاطع فيديو تظهر الطريق أو وسائل النقل، بهدف كسب ثقة المهاجرين المحتملين. ومع ذلك، غالبًا ما تنتهي هذه الرحلات في ظروف قاسية، ويتعرض المهاجرون للاستغلال أو الاحتجاز أو حتى الموت.