عامٌ من الكراهية في السودان: تحليل معمق لأنماط الخطاب والفاعلين وإضاءة على مخاطره على النسيج الاجتماعي

إجتماعي ،سياسي

الوجه المظلم لمواقع التواصل الاجتماعي: تحليل معمق لخطاب الكراهية في السودان من نوفمبر 2023 إلى نوفمبر 2024

نشر قسم «سوداليتيكا»، في أبريل 2024، دراسة حللت سياقات خطاب الكراهية المتداول على منصات التواصل الاجتماعي، في الفترة من 15 أبريل إلى 15 نوفمبر 2023، في سياق الحرب في السودان.

منذ نشر التقرير، تصاعدت وتيرة الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع، وتفاقمت التوترات العرقية والإقليمية وزادت حدة الاستقطاب، مما أدى إلى زيادة حدة خطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي. يهدف هذا التقرير المتابع إلى تقديم تحليل محدث لمشهد خطاب الكراهية في السودان، مع التركيز على التطورات الأخيرة، والاتجاهات الناشئة، والتأثيرات الأوسع للخطاب في التماسك الاجتماعي وجهود بناء السلام.

تناول التقرير السابق خطاب الكراهية والتحريض المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي –«فيسبوك» و«إكس»– في السودان، إذ رصد أكثر من 500 منشور خلال الفترة من أبريل إلى نوفمبر 2023. وهدف التقرير إلى فهم طبيعة خطاب الكراهية وتأثيراته في المجتمع السوداني، مع التركيز على ثلاثة أنواع رئيسة من الخطابات: الخطاب العِرقي، والخطاب الجنسي، والخطاب العابر للحدود.

تناول التقرير كذلك الدور الذي تضطلع به منصات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«إكس». وأوضح التقرير أن هذه المنصات أصبحت أداة قوية لنشر الخطابات التحريضية، إذ تُستخدم لنشر السرديات التاريخية المشوهة، وتعزيز الانقسامات العرقية والإقليمية. وقد رُصد استخدام مصطلحات، مثل «عبيد» و«دارفور» و«عرب»، في سياق الخطابات التحريضية، واستغلال التوترات السياسية والعرقية الناتجة عن الحرب والمتعمقة في المجتمع السوداني من قبلها، لنشر الكراهية.

الخطاب العِرقي والقبَلي: تعميق الانقسامات

أحد المحاور الرئيسة التي تناولها التقرير هو الخطاب العِرقي والقبَلي، والذي يُعد أحد أكثر أشكال خطاب الكراهية انتشارًا في السودان. ويتمحور هذا الخطاب حول استهداف مجموعات عرقية وقبلية معينة، خاصةً في إقليمي دارفور وكردفان. وقد أظهر التقرير أن نسبة كبيرة من المحتوى الذي حُلّل يندرج تحت تصنيف «الخطاب الخطير»، إذ تُستخدم مصطلحات مهينة ومُحرضة لوصف هذه المجموعات، مثل وصفهم بـ«الحيوانات» أو «الحشرات» أو حتى «الفيروسات». وتهدف هذه المصطلحات إلى تجريد هذه المجموعات من إنسانيتها، مما يسهل تبرير العنف ضدها.

بالإضافة إلى ذلك، يستخدم الخطاب العرقي سرديات تاريخية مشوهة لتأجيج النزعات القبلية والمناطقية. على سبيل المثال، تصوير الصراع الحالي على أنه صراع بين «أولاد البحر» (سكان شمالي السودان) و«أولاد الغرب» (سكان دارفور وكردفان)، بهدف تعميق الانقسامات وتبرير الدعوات إلى تقسيم السودان، إذ تدفع هذه السردية نحو فصل ولايات السودان الغربية عن باقي البلاد.

العنف الجنسي كأداة تحريضية

تناول التقرير أيضًا استخدام العنف الجنسي كأداة للتخويف والترهيب في الخطابات التحريضية. فقد رُصدت خطابات تهدد النساء المنتميات إلى مجموعات قبلية معينة، بالاعتداء الجنسي أو الاغتصاب، وذلك بهدف إثارة الخوف والهلع بين هذه المجموعات. هذا النوع من الخطاب ليس فقط مُهينًا، بل يعمل أيضًا على تعزيز ثقافة العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات، إذ يُستخدم اغتصاب النساء أداة حرب لإضعاف المجتمعات والسيطرة عليها.

كما أشار التقرير إلى أنّ هذه الخطابات تساهم في استمرار دورة العنف، إذ تُشعر الضحايا بالخزي والخوف من الوصم الاجتماعي، مما يمنعهن من طلب الدعم النفسي أو القانوني. بالإضافة إلى ذلك، تعزز هذه الخطابات النظرة المتسامحة تجاه العنف الجنسي على المستوى المؤسسي، مما يُضعف من استجابة المؤسسات المعنية بحماية الضحايا وتطبيق العدالة.

السودانيون في مصر

من بين المحتويات التي حُلّلت في التقرير، سُلّط الضوء على التوترات المتصاعدة بين اللاجئين السودانيين والمجتمعات المضيفة في مصر. وقد أظهر التقرير أن للضغوط الاقتصادية والاجتماعية دور محوري في تفاقم هذه التوترات في مصر، حيث صُوّر اللاجئون السودانيون وكأنهم منافسون على الموارد المحدودة، مثل فرص العمل والخدمات العامة. وقد رُصدت زيادة في استخدام الألقاب العنصرية والمهينة من كلا الجانبين، مما يُبرز حالة من الاستقطاب والعداء.

المنهجية

يدرس هذا التقرير جانب من التفاعل الاجتماعي مع أحداث الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» منذ 15 أبريل 2023، مما قد يُصنف «خطاب كراهية» بناءً على الخصائص والتعريفات المختلفة المقدمة من الدراسات القانونية والاجتماعية؛ ويستعرض التأثيرات المحتملة لهذا الخطاب في المجتمع السوداني.

الفرضيات

وُجّه البحث بكلمات مفتاحية حُددت بوضع فرضيات عن طبيعة الخطاب المتداول بالاستناد إلى تعريفات قانونية وأكاديمية لمصطلح خطاب الكراهية، مع مراعاة السياق الثقافي والتاريخي السوداني.

جمع البيانات

من أجل جمع البيانات، رصد فريق «بيم ريبورتس» المحتوى على منصتي «فيسبوك» و«إكس» من  15 نوفمبر 2023 حتى 15 نوفمبر 2024. استند جمع البيانات إلى البحث بمجموعة من الكلمات المفتاحية المرتبطة بالحرب والمصطلحات الدالة على التوترات السياسية والعرقية والاجتماعية التي تشهدها الساحة السودانية، على منصتي «فيسبوك» و«إكس»، وذلك خلال الفترة المذكورة أعلاه. ومن بين الكلمات المفتاحية المستخدمة نجد: «النهر والبحر» و«دولة 56» و«سكان الكنابي» و«الانفصال سمح» و«فصل دارفور»، بالإضافة إلى «فلنقاي» و«عبيد دارفور» و«عرب الشتات»، وكذلك «عرب النيجر»، و«ترحيل السودانيين من مصر».

صفات العينة

تضمنت عينة البيانات محتوى منشور من سودانيين وسودانيات داخل السودان وخارجه، بالإضافة إلى مواطني ومواطنات دول أخرى تضمن حديثهم عن الحرب في السودان الكلمات المفتاحية التي وُضعت للبحث.

في أثناء عملية التصنيف، حرصت «بيم ريبورتس» على التمييز بين الحق في التعبير بحريّة عن الآراء والأفكار، حتى وإن كانت مثيرة للجدل أو تختلف عن الآراء الشعبية السائدة، وبين المحتوى الذي يشجع على الكراهية أو التمييز ضد فئة معينة على أساس عوامل، مثل العرق أو الدين أو نوع الجنس أو أيّ عامل محدِّد للهوية، بالإضافة إلى اعتبار السياق والهدف من المحتوى المنشور.

الإطار النظري

ما هو خطاب الكراهية؟

لا يوجد تعريف موحد لخطاب الكراهية، إذ تتباين مفاهيمه وفقًا للسياقات القانونية والبحثية المختلفة، ما أدى إلى نشوء أدبيات واسعة ومتعددة التخصصات تبحث في آثاره وتداعياته من المختصين في مجالات القانون والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ وغيرها. ففي حين يعرفه بعضهم بأنه أيّ خطاب يهاجم أو يحط من شأن فرد أو مجموعة بناءً على هويتهم، مثل العرق أو الدين أو الجنس، يركز آخرون على قدرة هذا الخطاب على إلحاق الأذى وتأجيج العنف. وقد أدى هذا التباين إلى ظهور مفاهيم أكثر تحديدًا، مثل «الخطاب الخطير» و«خطاب الخوف» اللذين يركزان على الآثار المدمرة لخطاب الكراهية.

تختلف كذلك وجهات النظر بين الباحثين بشأن كيفية التعامل مع خطاب الكراهية. على سبيل المثال، يرى أستاذ القانون في جامعة هارفارد نواه فيلدرمان، أن خطاب الكراهية يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الاجتماعي وحقوق الأفراد، خاصةً الفئات المهمشة. وهو يؤيد فرض قيود على خطاب الكراهية من خلال التشريعات والرقابة، ويعتقد أن حرية التعبير ليست مطلقة ويجب أن تُقيّد عندما يتعلق الأمر بحماية الأفراد من الأذى النفسي والاجتماعي.

على الجانب الآخر، تدافع أستاذة القانون في جامعة نيويورك نادين ستروسين، بقوة، عن حرية التعبير المطلقة، حتى عندما يتعلق الأمر بخطاب الكراهية. وتعتقد ستروسين أن الرقابة على خطاب الكراهية قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتُستخدم أداةً لقمع الأصوات المعارضة. وتؤكد أن الخطاب، حتى وإن كان مسيئًا، يجب أن يُواجه بمزيدٍ من الخطاب وليس بالرقابة، وترى أن الحوار المفتوح هو أفضل وسيلة لمواجهة الأفكار الضارة.

وفي العام 2012، أطلقت الأمم المتحدة، عبر مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، «خطة عمل الرباط» بوصفها إطارًا إستراتيجيًا يهدف إلى تعزيز حرية التعبير وحمايتها في جميع أنحاء العالم. وتُعد «خطة عمل الرباط» وثيقة مرجعية مهمة تسعى إلى تحقيق التوازن بين حرية التعبير ومكافحة خطاب الكراهية، مع الحفاظ على احترام حقوق الإنسان الأخرى.

وتهدف الخطة إلى تحديد الإطار القانوني والأخلاقي للتعامل مع خطاب الكراهية، مع التشديد على ضرورة التمييز بين الخطاب الذي يحمي حقوق الإنسان والخطاب الذي يهددها. وكذلك تشدد الخطة على أهمية ضمان حرية التعبير بوصفها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، وتؤكد أن هذه الحرية يجب ألا تُتخذ ذريعة لترويج خطاب الكراهية أو العنف.

وتحدد خطة عمل الرباط اختبارًا من ستة أجزاء لتحديد مدى خطورة الخطاب وإمكانية تحوله إلى أفعال عنيفة أو تمييزية:
  • السياق التاريخي والاجتماعي
    في حالة وجود تاريخ من العنف والتمييز ضد مجموعة معينة (على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو الإثنية.. إلخ)، فإن الخطاب الذي يستهدف هذه المجموعة يكون أكثر خطورة. وكذلك من الممكن أن يكون للسياق التاريخي دور في زيادة احتمالية أن يُفهم الخطاب على أنه تحريض على العنف.
  • تأثير المتحدث
    إن كان المتحدث يتمتع بسلطة أو نفوذ كبير (مثل زعيم سياسي أو شخصية دينية أو مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي)، فإن خطابه يكون أكثر قدرة على التأثير في الجمهور. وعلاوةً على ذلك، يجب تقويم ما إن كان المتحدث قادرًا على حثّ الجمهور على التصرف بناءً على خطابه، وتوجيههم نحو أفعال عنيفة أو تمييزية.
  • المحتوى والأسلوب
    إن كان الخطاب يحتوي على دعوة صريحة أو ضمنية للجمهور للقيام بأفعال عنيفة أو تمييزية، فإنه يُعد أكثر خطورة. كما أن الخطاب الذي يكون استفزازيًا أو ملهبًا للمشاعر (مثل استخدام لغة عدوانية أو تصوير المجموعة المستهدفة كتهديد) يزيد من احتمالية التحريض على العنف.
  • الانتشار والتكرار
    إن كان الخطاب موجهًا إلى جمهور كبير، مثل الخطاب الذي يُنشر على منصات التواصل الاجتماعي إلى عدد هائل من الأشخاص، أو يتكرر، على نحو متواتر، يكون أكثر تأثيرًا من خطاب منفرد.
  • الاحتمالية
    يجب تقويم ما إن كان هناك احتمال معقول لأن يؤدي الخطاب إلى أفعال عنيفة أو تمييزية، وذلك عبر تحليل ما إن كانت هناك علاقة سببية مباشرة أو وشيكة بين الخطاب والعنف، وحجم الضرر الذي يمكن أن ينتج عن الخطاب، ودرجة استعداد الجمهور للتصرف بناءً على الخطاب. على سبيل المثال، إن كان الجمهور مسلحًا أو منظمًا، فإن الخطاب يكون أكثر خطورة.
  • القصد
    هل كان المتحدث على علم بأن خطابه قد يؤدي إلى عواقب عنيفة أو تمييزية؟ حتى إذا لم يكن القصد مباشرًا، فإن الإهمال أو التهور يمكن أن يكون عاملًا مهمًا في تقويم الخطاب.

تحليل خطاب الكراهية

  • تحليل الخطاب الانفصالي

تصاعد الخطاب المناهض لوحدة السودان

أوضح تحليل فريق «سوداليتيكا» أن النقاش بشأن انفصال دارفور شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال فترة البحث الممتدة من 15 نوفمبر 2023 إلى 15 نوفمبر 2024. وجاء ذلك بناءً على تحليل 26.4 ألف تفاعل على منصة «إكس»، تضمنت تغريدات وإعادة نشر وتعليقات. وأظهرت البيانات ارتفاعًا في المحتوى المرتبط بالانفصال بـ1,517% مقارنةً بالفترة السابقة، مع تسجيل متوسط يومي بلغ 71 تفاعلًا.

وتميزت فترة البحث بموجات تصاعدية للنقاش، أبرزها كانت في أوائل يناير 2024، وخاصةً في التاسع من يناير، ثم في منتصف مارس، وبلغت النقاشات ذروتها في 30 مارس. كما استمرت التفاعلات المرتفعة من نهاية سبتمبر 2024 وحتى نهاية أكتوبر، مسجلةً أعلى مستوياتها في يوم 28 سبتمبر (انظر إلى الشكل رقم «1»).

الشكل رقم 1
استخدام المصطلحات المؤثرة في الخطاب

برزت خلال التحليل مصطلحات جديدة مثل «دولة 56» التي يُشير إليها الأكاديمي والصحفي عبد الله علي إبراهيم في مقال بصحيفة «ذي إندبندنت». وأوضح إبراهيم أن المصطلح يرتبط بالدولة السودانية التي تشكلت عقب الاستقلال في العام 1956م، والمتّهَمة من «قوى الهامش» بالهيمنة على السلطة والثروة. لكن في المقال نفسه، يوضح إبراهيم أن «دولة 56» لم تكن حكرًا على جماعة واحدة، بل كانت للهامش أدواره أيضًا في «دولة 56» خلال فترات الحكم العسكري التي امتدت لأكثر من نصف قرن. ومع أن داعمي «دولة 56» لا يعدّون أنفسهم انفصاليين بالضرورة، إلا أن استخدام هذا المصطلح بات يشكل أحد أعمدة السرديات الانفصالية. واستُخدم المصطلح، على نحو متزايد، في الدعوات إلى فصل دارفور، مع تبني جماعات انفصالية مثل «منظمة النهر والبحر» للمصطلح ضمن خطابها.

منظمة «النهر والبحر» ودعوات الانفصال العلنية

إلى جانب مصطلح «دولة 56»، شهدت فترة البحث تصاعدًا في تداول مصطلحات انفصالية قديمة، مثل «دولة النهر والبحر». وتُعد هذه المبادرة من أكثر الدعوات الانفصالية وضوحًا، إذ تنادي بفصل ولايات دارفور وولايات كردفان (باستثناء شمال كردفان) عن السودان، ليقتصر تكوين «الدولة الجديدة» على الولايات الواقعة على شريط النيل وساحل البحر الأحمر. توضح الصورة «1» خريطة متخيلة نشرها أحد الأعضاء البارزين في المبادرة، تُظهر التصور الجغرافي لما يُسمى «دولة النهر والبحر».

الصورة رقم 1

ويُعد «عبد الرحمن عمسيب» أحد أبرز منظري هذا الخطاب، ويقدّم نفسه على أنه كاتب «نهري»، ويستخدم منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها صفحته على «فيسبوك» التي يتابعها أكثر من 131 ألف شخص، وحسابه على منصة «إكس» الذي يحظى بــ 32.8 ألف متابع، للدعوة إلى فصل دارفور.

ينشر عمسيب، بانتظام، خطاب كراهية صريح ضد الإثنيات الدارفورية، ويروّج فكرة الانفصال على نحو علني. ووصل به الأمر إلى تمني انهيار التحالف بين الحركات المسلحة الدارفورية والجيش السوداني، ليصبح الصراع شاملًا مع دارفور بأكملها. وفي نظره، فإن مثل هذا السيناريو يُعد خطوة تمهيدية لجعل الانفصال خيارًا حتميًا – انظر إلى الصور «2» و«3» و«4».

رصد فريق «سوداليتيكا» نشاطًا لعدد من الحسابات والصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«إكس» و«يوتيوب»، تعمل على دعم سردية «النهر والبحر». وتركز هذه الحسابات، بدرجة أساسية، على نشر الخطاب الانفصالي وتعزيز خطاب الكراهية ضد سكان دارفور وكردفان، بالإضافة إلى تضخيم خطاب عبد الرحمن عمسيب ومنشوراته.

كشف تحليل محتوى هذه الحسابات والصفحات عن نمط من السلوك المنظم، إذ تتكرر إعادة نشر الرسائل والمنشورات نفسها من قبل عدد كبير من الحسابات. وتعتمد الشبكة، بدرجة كبيرة، على وُسوم محددة، مثل #النهر_والبحر و#الإنفصال_سمح و#الدولة_الجديدة، مما يبرز جهودًا واضحة لتوسيع نطاق انتشار هذه الخطابات وتصدّرها النقاشات على المنصات الرقمية.

تدل هذه الأنشطة على وجود تنسيق وإستراتيجية محددة تهدف إلى ترويج رؤى انفصالية وتعميق الانقسامات المجتمعية، مما يثير مخاوف بشأن تأثير هذه الشبكات في وحدة النسيج الاجتماعي ومستقبل البلاد.

  • انتشار خطاب الكراهية ضد مجتمعات دارفور وكردفان

«فلنقاي، وعبيد دارفور، وعبيد الجلابة»

يركز هذا الجزء من التحليل على انتشار المصطلحات ذات الدلالات العنصرية، والتي تندرج ضمن خطاب الكراهية، نظرًا إلى ما تحمله من إيحاءات مهينة تستهدف مجموعات سكانية محددة، وتهدف إلى تجريدها من مكانتها الاجتماعية والسياسية، من خلال إيحاءات مهينة تصف الأفراد أو الجماعات بأنهم «عبيد». ولطالما استُخدمت هذه المصطلحات في سياقها الأصلي لتمييز بعض المجتمعات في دارفور وكردفان. ومع مرور الوقت شهدت تحولات في استخدامها، إذ أصبحت تُوظف ضمن خطابات سياسية واجتماعية متداولة على نطاق واسع.

كشف تحليل فريق «سوداليتيكا» للمحتوى على منصة «إكس» عن زيادة كبيرة في استخدام مصطلحات «فلنقاي» و«عبيد دارفور» و«عبيد الجلابة»، خلال فترة البحث. واستند التحليل إلى مراجعة 33 ألف تفاعل، شملت تغريدات وإعادة نشر وتعليقات. وأظهرت البيانات ارتفاعًا في المحتوى المرتبط بهذه المصطلحات بـ 6050% مقارنةً بالفترة السابقة، مع تسجيل متوسط يومي بلغ 89 تفاعلًا.

ويشير هذا الارتفاع إلى أن استخدام هذه الكلمات في الخطاب الرقمي ازداد زيادة ملحوظة في السنتين الأخيرتين. وعلى ظهور بعضها في نقاشات سابقة، إلا أنّ العام 2024 شهد ذروة انتشارها، ما يُظهر تحوّل بعض هذه المصطلحات إلى أدوات تُستخدم في سياقات أوسع على منصات التواصل الاجتماعي.

كما يوضح الشكل رقم «2» فترات التصاعد الملحوظ في استخدام هذه المصطلحات، إذ سُجلت قفزة في نهاية مارس 2024، تلتها زيادة أخرى في منتصف يونيو، ثم ارتفاع جديد في منتصف يوليو 2024.

الشكل رقم 2

مصطلح «فلنقاي» وتطوره في الخطاب الرقمي

مصطلح «فلنقاي» مشتق من العبارة الإنجليزية «Jug filling guy»، والتي تعني حرفيًا «رجل تعبئة الإبريق» أو «حامل الإبريق». وكان هذا التعبير يشير، قديمًا، إلى مهنة هامشية في إنجلترا، حيث كان يُكلّف شخصٌ بملء الأباريق بالماء لاستخدامات مختلفة، وكانت هذه الوظيفة تُعد استعبادية في ذلك الزمن.

مع اندلاع الحرب الحالية في السودان، اكتسب المصطلح معنًى جديدًا، إذ بدأ مؤيدو قوات الدعم السريع في استخدامه لوصف القوات الدارفورية التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، وتحديدًا «قوة الحماية المشتركة في دارفور». وكان الهدف من ذلك هو الإشارة إلى أن تحالف هذه القوات مع الجيش يجعلها في موقع التبعية له، وهو السياق نفسه الذي ظهر فيه استخدام مصطلحي «عبيد دارفور» و«عبيد الجلابة»، إذ يُستخدم لفظ «جلابي» للإشارة إلى المجموعات السكانية في شمالي السودان ووسطه. ومع الوقت، توسّع استخدام مصطلح «فلنقاي» بين أنصار قوات الدعم السريع، ليشمل مجموعات سكانية أوسع – انظر إلى الصور «5» و«6» و«7».

ومع استمرار الحرب، تغيرت دلالات المصطلح مجددًا، إذ بدأ مؤيدو الجيش السوداني في استخدامه لوصف قوات الدعم السريع والمتعاونين معها، مما أدى إلى انتشار أوسع للمصطلح على منصات التواصل الاجتماعي. ومع أن استخدام المصطلح لم يُعد حكرًا على وصف مجموعات محددة، فإنه ما يزال يحمل دلالة سلبية تبرز تصورات عن التبعية والخضوع في سياق الصراع الحالي – انظر إلى الصور «8» و«9» و«10».

أمثلة إضافية لاستخدام مصطلحيْ «عبيد دارفور» و«عبيد الجلابة»

«عرب الشتات»

تركز هذه الجزئية من التحليل على خطاب الكراهية الموجّه ضد القبائل العربية في ولايات دارفور وكردفان، إذ تعرضت هذه القبائل لموجة واسعة من الخطاب العدائي بسبب الربط بينها وبين قوات الدعم السريع، فقد عُدّت الحاضنة الاجتماعية لهذه القوات. وطوال فترة النزاع الحالي، اتخذ الخطاب تجاه هذه الفئة توجهًا إقصائيًا واضحًا؛ فقد نُزِعت عنهم صفة المواطنة، ووصفوا بأنهم غزاة قادمون من دول الجوار. ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن بعض هذه المجموعات سكنت السودان نتيجة لهجرات قادمة من دول مثل تشاد وإفريقيا الوسطى. وعلى سبيل المثال، تُعد قبيلة الرزيقات إحدى الإثنيات الكبيرة في تشاد، ويمكن إرجاع وجود بعض فروعها في السودان إلى ما قبل الدولة المهدية في نهايات القرن التاسع عشر.

وأوضح تحليل فريق «سوداليتيكا» انتشار خطاب الكراهية ضد هذه القبائل على المنصات الرقمية؛ إذ استخدمت كلمات مفتاحية، مثل «عرب الشتات» و«عرب النيجر»، وأسفرت عن نحو 27.5 ألف تفاعل على منصة «إكس»، شملت تغريدات وإعادة نشر. ويوضح الشكل رقم «3» وجود علاقة مباشرة بين تزايد التفاعلات وتصاعد الخطاب، لا سيما بعد أحداث محددة، مثل سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة أو عقب تقدم الجيش وتكبيده خسائر في صفوف «الدعم السريع».

الشكل رقم 3

ومن خلال تحليل محتوى المنشورات، تبيّن أن استخدام هذه المصطلحات جاء في سياق وصف قوات الدعم السريع والداعمين لها – انظر إلى الصور «11» و«12» و«13»، إلى جانب منشورات تدعو على نحو مباشر إلى تهجير هذه القبائل من السودان أو نزع صفة المواطنة عنها ووصفها بأنها تنتمي إلى دول أخرى – انظر إلى الصور «14» و«15» و«16».

نموذج لاستخدام مصلح «عرب الشتات» لوصف قوات الدعم السريع وحلفائها:
نموذج للمنشورات التي تستخدم مصطلح «عرب الشتات» لوصف إثنيات أو مجموعات سكانية:

تبعات انتشار خطاب الكراهية ضد مجتمعات دارفور وكردفان

إن خطاب الكراهية ذي الطابع الإثني، سواء كان موجهًا إلى القبائل الإفريقية أو العربية في دارفور وكردفان، يعمل على تعميق الانقسامات الاجتماعية والإثنية في السودان؛ إذ يُؤجج الخلافات القائمة على الهوية ويُضعف الثقة بين مختلف مكونات المجتمع، مما يؤدي إلى خلق فجوة واضحة بين «نحن» و«هُم». كما يُحفز هذا الخطاب التصعيد والعنف، من خلال إثارة المشاعر السلبية وتضخيم التوتر بين الجماعات، مما يزيد من احتمال وقوع اشتباكات وصراعات تهدد الاستقرار والأمن العام. إنّ استخدام لغة جارحة ومصطلحات مسيئة يُساهم في خلق بيئة خصبة للتحريض على العنف، ويجعل من الصعب الوصول إلى حلول سلمية للنزاعات.

علاوةً على ذلك، يمكن استغلال مثل هذا الخطاب في فترات الأزمات السياسية والاقتصادية لتحقيق أجندات سياسية ضيقة، تسعى إلى نزع صفة المواطنة عن بعض الفئات وتأجيج روح الانفصال. هذا الاستخدام الإستراتيجي للخطاب يُضعف النسيج الاجتماعي ويقوض مفهوم الوحدة الوطنية، مما يزيد من حدة الانقسامات ويفتح الباب أمام صراعات أوسع. وبذلك، يشكل الخطاب المعادي تهديدًا مباشرًا للتعايش السلمي ووحدة المجتمع السوداني.

  • خطاب ضد سكان «الكنابي»

من هم سكان «الكنابي»؟

عرّف قصي همرور، وهو باحث في مجال الحوكمة ودراسات التنمية، سكان «الكنابي» بأنهم مجتمعات من العمال الزراعيين الدائمين في مشروع الجزيرة وامتداد المناقل، استقروا مع أسرهم منذ تأسيس المشروع وسكنوا في أطراف القرى وحول قنوات الري من الكنارات والتُرَع وفي البراقين وحول مصارف المياه باللُقّد، ويشكلون جزءًا أساسيًا من العملية الإنتاجية من بداية الزراعة ونظافة الحشائش وعمليات الحصاد.

وذكر همرور أن أغلب سكان «الكنابي» جاءوا من أقاليم غرب السودان، مثل كردفان ودارفور، ومن امتداد الحزام السوداني القديم، مثل ممالك وداي وكانم وسكتو. واستقروا في مناطق قرب قنوات الري والمصارف، وسُميت مساكنهم «الكنابي» (جمع «كَنْبُو» أو «كَمْبُو»). وتتألف هذه المجتمعات من مجموعات متنوعة، تشمل: التاما، والبرقو، والهوسا، والمراريت، والأرنقا، والفور، والزغاوة.

 متى بدأ انتشار الخطاب ضد سكان الكنابي؟ 

حلّل فريق «سوداليتيكا» أكثر من 3,690 تغريدة على منصة «إكس» خلال الفترة من 15 نوفمبر 2023 إلى 15 نوفمبر 2024. وشملت البحث الفترة التي سبقت دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة، بالإضافة إلى الفترات التي شهدت تقدم الجيش نحو الولاية في نهاية العام 2024.

كشف التحليل أن الخطاب المعادي لسكان «الكنابي» بدأ في الانتشار مباشرةً بعد هجوم «الدعم السريع» على ولاية الجزيرة في منتصف ديسمبر 2023. ومع ذلك، بلغ الخطاب ذروته في نهاية العام 2024، بالتزامن مع تقدم الجيش في عدة محاور نحو ولاية الجزيرة.

عند تحليل انتشار هذا الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت النتائج أنه حقق انتشارًا واسعًا خلال فترة البحث. وقد بلغ إجمالي مشاهدات المنشورات المرتبطة بالخطاب نحو 29.9 مليون مشاهدة، بمعدل يومي بلغ 81.4 ألف مشاهدة. أما معدل التفاعل مع هذه المنشورات، فقد بلغ 10.6 مليون تفاعل، مما يبرز تأثير الخطاب وانتشاره الواسع بين المستخدمين.

الشكل رقم 4

ما هي أهم موضوعات الخطاب المعادي لسكان «الكنابي»؟

  • «الكنابي»: مهدد محتمل 

في المرحلة الأولى لانتشار الخطاب، وتحديدًا في منتصف ديسمبر 2023، برزت دعوات تحذر من سكان «الكنابي» بوصفهم «مهددًا محتملًا». وروّجت فكرة أنّ سكان «الكنابي» قد يشكلون «خزانًا بشريًا ضخمًا للمليشيات»، مع احتمالية انحيازهم إلى قوات الدعم السريع.

وما يلفت الانتباه أن هذه الادعاءات برزت قبل ظهور أيّ أدلة واضحة تدعمها، مما يشير إلى أن هذه التخوفات كانت تستند إلى تصورات مسبقة أكثر من كونها معطيات واقعية. ومع الوقت، تحولت هذه التخوفات إلى أدوات فعّالة لتبرير الخطاب المعادي وتصعيده ضد سكان «الكنابي».

  • ادعاءات انضمام سكان «الكنابي» إلى قوات الدعم السريع

بحلول الربع الثاني من العام 2024، تطور الخطاب من مجرد دعوات إلى الحذر إلى اتهامات صريحة تفيد بانضمام أغلبية سكان «الكنابي» إلى قوات الدعم السريع.

ولم تتوقف هذه الاتهامات عند حد التخويف، بل مثلت بداية مرحلة جديدة من الخطاب، تضمنت دعوات متزايدة إلى تهجير سكان «الكنابي» أو إيذائهم. ومع أن هذه الاتهامات، تفتقر إلى أدلة دامغة، اضطلعت بدور رئيس في تصعيد الخطاب وإكسابه بُعدًا أكثر عنفًا.

  • دعوات إلى التهجير والعنف ضد سكان «الكنابي»

مع تقدم الجيش في محاور متعددة بولاية الجزيرة في نهاية أكتوبر 2024، تصاعد الخطاب ضد سكان «الكنابي» ليأخذ منحى أكثر انتقامية وعدائية. وظهرت أصوات علنية تدعو إلى تهجير سكان «الكنابي»، بل وحتى قتلهم، مبررةً ذلك بضرورة حماية «السكان الأصليين» للجزيرة والدفاع عن حقوقهم.

واعتمد هذا الخطاب على تصورات إقصائية، إذ روّج فكرة أن «سكان الكنابي ليسوا من السكان الأصليين للجزيرة»، مما جعل وجودهم في الولاية يبدو وكأنه تعدٍ على حقوق الآخرين. واستُخدمت هذه الحجة لتبرير الدعوات إلى تهجيرهم، وتصعيد الحملة العدائية ضدهم.

إلى جانب ذلك، لجأ مروجو هذا الخطاب إلى وسائل الوصم والتشويه، إذ استُخدمت تعبيرات مهينة، مثل وصف سكان الكنابي بـ«الملاقيط»، مع اتهامهم جميعًا بالانحدار من خلفيات إجرامية. ويمكن أن تساهم هذه اللغة العنصرية في خلق صورة نمطية سلبية عن سكان «الكنابي»، وزيادة الكراهية المجتمعية تجاههم.

علاوةً على ذلك، استند الخطاب إلى نظريات مؤامرة مفادها أن سكان «الكنابي» جزء من خطة تدعمها قوات الدعم السريع للقضاء على «السكان الأصليين» للجزيرة واستبدالهم. وأضاف هذا النوع من الادعاءات بُعدًا خطيرًا إلى الخطاب، إذ صوّر سكان «الكنابي» وكأنهم تهديد وجودي يجب القضاء عليه.

ومع أن ولاية الجزيرة شهدت انتهاكات واسعة بعد دخول قوات الدعم السريع، تجاهل الخطاب حقيقة أن سكان «الكنابي» أنفسهم كانوا ضحايا لهذه الانتهاكات، إذ تعرضوا للقتل والتشريد القسري، ونُهبت ممتلكاتهم.

  • خطاب ضد اللاجئين السودانيين في مصر

منذ بداية العام 2024، رصد قسم «سوداليتيكا» موجة من خطاب الكراهية الموجّهة ضد اللاجئين السودانيين في مصر. يوضح الشكل رقم «5» الانتشار الكبير لوسم #ترحيل_السودانيين_من_مصر خلال فترة البحث، إذ سجل هذا الوَسم ما يقارب 93.5 ألف تفاعل على منصة «إكس»، وشملت تلك التفاعلات: تغريدات، وإعادة نشر، وتعليقات.

الشكل رقم 5

في سبتمبر 2024، نشر قسم «سوداليتيكا» بحثًا مكونًا من جزأين تحت عنوان «تداعي عفوي أم سلوك منسّق؟ تحليل معمق لخطاب الكراهية ضد اللاجئين السودانيين في مصر». وهدف البحث لتحليل خطاب الكراهية المتصاعد ضد اللاجئين السودانيين في مصر. وتناول الجزء الأول من البحث السياق التاريخي لوجود السودانيين في مصر، بالإضافة إلى تحليل سياسات الحكومة المصرية تجاههم بعد اندلاع الحرب، ومدى انتشار خطاب الكراهية ضد اللاجئين عمومًا والسودانيين بالأخص في الفضاء الرقمي المصري.

أما الجزء الثاني من البحث فقد تضمن تحليلًا معمقًا لطبيعة الخطاب الموجه ضد اللاجئين السودانيين، مع تسليط الضوء على شبكات منظمة تعمل على نشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة ضدهم. وأوضح التحليل أن هذا الخطاب يعتمد، بدرجة أساسية، على نشر معلومات مغلوطة تهدف إلى تصوير اللاجئين السودانيين وكأنهم مهدد وجودي للدولة المصرية، بالإضافة إلى اتهامهم بأنهم مساهمون رئيسيون في الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، من خلال نشر رسائل إستراتيجية تروّج روايات محددة تؤثر في الآراء العامة بشأن تأثير اللاجئين في الموارد والأمن وسوق العمل في مصر.

فضلًا عن ذلك، تضمنت الحملات والادعاءات اتهامات بأن اللاجئين السودانيين هم سبب ارتفاع أسعار الشقق في مصر، وأنهم يتسببون في نفاد بعض الأدوية مثل أدوية السكري، مدعين أنهم يشترون هذه الأدوية من مصر لتهريبها إلى السودان. كما نُشرت العديد من القصص والسيناريوهات التي تصوّر اللاجئين وكأنهم لا يحترمون المجتمع المصري ويمثلون تهديدًا للقيَم الجوهرية للمجتمع، بالإضافة إلى نسبة مشكلات، مثل انقطاع الكهرباء والمياه، إليهم.

بعد تحليل محتوى المنشورات التي تداولت هذه الادعاءات، تبيّن وجود صفحات وحسابات مخصصة لمجموعات وأفراد ينشرون مثل هذه الرسائل، كما لوحظت مشاركة عدد من الشخصيات المؤثرة ذات المتابعين الكبار في نشر هذه الادعاءات، مما أعطى لهذه الرسائل شكلًا من أشكال المصداقية لدى الجمهور المتلقي.

خطاب الكراهية في العصر الرقمي

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح خطاب الكراهية أكثر انتشارًا وتأثيرًا. ولاحظ الباحثون تزايدًا في الممارسات العنصرية وخطابات الكراهية على المنصات الرقمية، إذ أصبحت منصات، مثل «ريديت» و«يوتيوب» و«إكس» و«فيسبوك»، بيئات خصبة لانتشار الخطابات العنصرية والتحريضية.

وسلّط تقرير صادر عن بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في مارس 2018، الضوء على الدور الذي اضطلعت به منصة «فيسبوك» في تفاقم الأزمة الإنسانية في ميانمار. وأشار التقرير الذي نُشر في العام 2018 إلى أن المنصة الاجتماعية العملاقة كانت أداة رئيسة في نشر خطاب الكراهية والدعاية التي ساهمت في تأجيج العنف ضد الأقلية المسلمة «الروهينغا». 

و«الروهينغا» هم أقلية عرقية ذات أغلبية مسلمة مقرها ولاية راخين شمالي ميانمار. وفي أغسطس 2017، فرّ أكثر من 700,000 من «الروهينغا» من «راخين» عندما شنّت قوات الأمن في ميانمار حملة مستهدفة من القتل والاغتصاب وحرق المنازل على نطاق واسع وممنهج. وجاء العنف بعد عقود من التمييز والاضطهاد والقمع الذي ترعاه الدولة ضد «الروهينغا» والذي يرقى إلى مستوى الفصل العنصري.

وفي الأشهر والسنوات التي سبقت الحملة العنيفة ضد «الروهينغا»، أصبحت «فيسبوك» في ميانمار غرفة صدى للمحتوى المعادي لـ«الروهينغا»؛ إذ أغرقت جهات مرتبطة بالجيش الميانماري ومجموعات بوذية قومية متطرفة المنصة بمحتوى معادي للمسلمين، بما في ذلك معلومات مضللة تدعي أن هناك «استيلاءً إسلاميًا» قادمًا، وتصور «الروهينغا» وكأنهم «غزاة».

في العام 2014، حاولت «ميتا» –مالكة «فيسبوك»– دعم مبادرة مدنية لمكافحة الكراهية تُعرف باسم «بانزاغار» أو «كلام الزهور»، من خلال نشر ملصقات لمستخدمي «فيسبوك» لنشرها ردًا على المحتوى الذي يحرض على العنف أو التمييز. وحملت الملصقات رسائل مثل «فكر قبل أن تشارك» و«لا تكن سببًا للعنف».

ومع ذلك، لاحظ الناشطون أن هذه الملصقات كانت لها عواقب غير مقصودة. وفسرت خوارزميات «فيسبوك» استخدام هذه الملصقات على أنها علامة على إعجاب المستخدمين بالمنشور، مما أدى إلى تعزيز ظهور المنشورات التحريضية. وبدلًا من تقليل عدد الأشخاص الذين يشاهدون المحتوى المحرض، جعلت الملصقات هذه المنشورات أكثر بروزًا.

ووفقًا لتقرير بعثة تقصي الحقائق، استُخدمت منصة «فيسبوك»، على نحو ممنهج، من قبل مجموعات متطرفة وحتى من قبل بعض الجهات الحكومية في ميانمار لنشر معلومات مضللة وخطابات تحريضية. وأشار التقرير إلى أن هذه المحتويات ساعدت في خلق مناخ من الخوف والكراهية، مما أدى إلى تصعيد العنف الذي شهدته البلاد، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والتهجير القسري لمئات الآلاف من «الروهينغا».  

وأشارت البعثة الأممية إلى أن «فيسبوك» فشلت في التعامل بفعالية مع هذه الانتهاكات، إذ لم تتخذ إجراءات سريعة وكافية لمنع انتشار المحتوى الضار. وأكد التقرير أن المنصة أصبحت «أداة قوية» لتعزيز الانقسامات الاجتماعية وتأجيج الصراعات في البلاد.  

وكذلك كشف تحقيق أجرته وكالة «رويترز» عن الدور الخطير الذي اضطلعت به منصة «فيسبوك» في انتشار خطاب الكراهية والعنف ضد الأقلية المسلمة «الروهينغا» في ميانمار. وشمل المحتوى منشورات وهمية وصورًا مزيفة ومقاطع فيديو مُحرّضة، تُداولت على نطاق واسع بين مستخدمي المنصة في ميانمار. وأشار التحقيق إلى أن «فيسبوك» فشلت في مراقبة هذا المحتوى مراقبةً فعالة، مما سمح بانتشاره وتأثيره السلبي في الرأي العام.  

أحد الأمثلة الصادمة التي أبرزها التحقيق كان استخدام «فيسبوك» لنشر أخبار كاذبة عن هجمات مزعومة من قبل «الروهينغا»، مما أدى إلى تصعيد العنف ضدهم. بالإضافة إلى ذلك، استُخدمت المنصة لتنسيق هجمات ضد قرى «الروهينغا»، مما أدى إلى عمليات قتل وتهجير جماعي.

التقرير أشار أيضًا إلى أن «فيسبوك» كانت تفتقر إلى الموارد الكافية لفهم السياق المحلي في ميانمار، إذ كانت اللغة البورمية واللهجات المحلية تمثل تحديًا كبيرًا لفِرَق المراقبة التابعة للمنصة. وسمح هذا القصور بانتشار المحتوى الضار دون رقابة فعالة.  

في أعقاب هذا التحقيق، واجهت «فيسبوك» ضغوطًا دولية لتحسين آليات مراقبة المحتوى على منصتها، لا سيما في المناطق التي تشهد صراعات إثنية أو سياسية. كما أثار التقرير تساؤلات بشأن مسؤولية شركات التكنولوجيا في منع استخدام منصاتها للتحريض على العنف. وفي أبريل من العام نفسه، أخبر مؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرج أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بأن موقع التواصل الاجتماعي سيوظّف عشرات المتحدثين البورميين الآخرين لمراجعة خطاب الكراهية المنشور في ميانمار.

إلا أنّ «ميتا» تراجعت عن ادعائها ببذل جهود للتصدي لخطاب الكراهية على منصتها، إذ أعلنت في الأسبوع الأول من 2025 عن تغييرات في سياساتها تتعلق بمراقبة المحتوى، مما قد يؤدي إلى زيادة انتشار خطاب الكراهية والمحتوى المسيء على المنصة. وفقًا لتقارير إعلامية، ستقلل «ميتا» من مراقبة المحتوى الذي يُعد «منخفض الخطورة»، في حين ستُبقي على الرقابة فقط على المحتوى الذي يُصنف بأنه «عالي الخطورة» مثل المحتوى المتعلق بالإرهاب.  

وأثارت هذه القرارات انتقادات من قبل ناشطي حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، الذين عبروا عن قلقهم من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة خطاب الكراهية ضد المجتمعات المهمشة والأقليات الأخرى. ومع أن «ميتا» ادعت أن هذه التغييرات تهدف إلى تعزيز حرية التعبير، يرى نقاد أنها قد تقوض هذه الحرية لكثيرين. إذ أن حرية التعبير لا تعني فقط القدرة على التعبير عن الآراء، بل تشمل أيضًا القدرة على الوصول إلى المعلومات دون خوف. وبسماحها بانتشار خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، قد تُسهم «ميتا» في تسميم البيئة الرقمية وتقويض النقاش العام القائم على الحقائق.

مشاركة التقرير

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE