«أبو لولو» على «تيك توك»: كيف تحوّلت المنصة إلى مساحة لتمجيد الفظائع في السودان

ميديا

في أعقاب سيطرة «الدعم السريع» على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، تفاقمت الكارثة الإنسانية في دارفور لتشكّل واحدة من أحلك فصول الحرب المستمرة في البلاد منذ أبريل 2023. فبعد ما يقرب من ثمانية عشر شهرًا من الحصار الخانق الذي فرضته «الدعم السريع» على المدينة، أدّى سقوطها قبل يومين إلى موجة من المجازر الواسعة، والنهب، والعنف الممنهج ضد المدنيين.

وسط هذه الوحشية، برزت جبهة موازية في فضاء رقمي، تحوّل فيه تطبيق «تيك توك» إلى منصة مركزية للاحتفاء بالفظائع، وتمجيد القتل الجماعي، ونشر دعاية «الدعم السريع».

من الشخصيات التي مارست هذا الاتجاه، مقاتل في «الدعم السريع» يُعرف باسم «أبو لولو»، ظهر مرارًا في مقاطع متداولة على نطاق واسع وهو يطلق النار شخصيًا على مدنيين في دارفور، ويستخدم حسابه على «تيك توك» في التباهي بهذه الجرائم. وقال «أبو لولو» في بث مباشر حديث على المنصة، شاركت بعض الحسابات مقاطع منه على «فيسبوك» إنه قتل أكثر من 2,000 شخص، مضيفًا أنه «توقف عن العدِّ بعد ذلك».

وتواصل قوات الدعم السريع التي أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في يناير 2025، أنها مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية في دارفور، نشاطها بحريّة على الإنترنت، ما يجسّد نمطًا أوسع: إذ تحولت البثوث المباشرة على «تيك توك» إلى تجمعات افتراضية لمقاتلي «الدعم السريع» وقادتها وأنصارها في المنصة، حيث لا يُدان العنف، بل يُحتفى به.

«تيك توك لايف»: مساحة لتمجيد الفظائع

أصبح «تيك توك لايف» الساحة الرقمية الأكثر نشاطًا في نشر دعاية «الدعم السريع» والاحتفاء بجرائم الحرب، إذ يظهر فيها مقاتلون في «الدعم السريع» وقادة عسكريون ومناصرون، بانتظام، غالبًا وهم يرتدون الزي العسكري، ويتباهون بالهجمات الجارية.

وتجذب هذه البثوث آلاف المشاهدين، ويرسل العديد منهم «هدايا افتراضية» ويتفاعلون بتعليقات معبّرة عن الإعجاب. والأخطر أنّ هذه البثوث لا تختفي بعد انتهائها؛ إذ يسجلها أنصار «الدعم السريع» ويحولونها إلى مقاطع قصيرة تُعاد مشاركتها على «تيك توك» و«فيسبوك» و«إكس» (تويتر سابقًا)، إلى جانب «تلغرام»، لتخلق دورة لا تنتهي من التمجيد والتضخيم الفيروسي للعنف.

ومن خلال هذا النظام الرقمي، يُعاد تقديم العنف الجماعي كمادة ترفيهية، ويحصل الجناة على مكانة أشبه بالمشاهير داخل مجتمعات رقمية مؤيدة لـ«الدعم السريع». وتتلاشى الحدود بين الدعاية العسكرية والأداء الرقمي والجرائم الواقعية على الأرض.

تحذير تجاهلته «تيك توك»: نتائج تقرير «سوداليتيكا»

هذه الظاهرة ليست جديدة؛ ففي مايو 2025، نشر «سوداليتيكا» تحقيقًا شاملًا بعنوان: «من إندونيسيا إلى السودان.. خطاب كراهية ودعاية حربية من أجل الربح».

وكشف التقرير عن شبكة تضم أكثر من 50 صفحة على «فيسبوك» إلى جانب عشرات الحسابات على «تيك توك»، تتربّح من نشر خطاب الكراهية والمحتوى الحربي التحريضي الموجّه للجمهور السوداني. وأظهر التقرير كيف تحول «تيك توك لايف» إلى حاضنة للكراهية مدفوعة بالربح، إذ يستغل المستخدمون ميزة «الهدايا» والخوارزميات التي تكافئ التفاعل العنيف.

وحذّر تحليل «سوداليتيكا» صراحةً من أن «تيك توك» أصبحت المصدر الأساسي للمحتوى المحرّض على العنف المرتبط بالنزاع في السودان، لكن المنصة لم تتخذ أيّ إجراء ملموس. والنتيجة هي ما نشهده اليوم: تصعيد من خطاب الكراهية إلى الاحتفاء العلني بالقتل الجماعي.

مسؤولية «تيك توك»

إن تقاعس «تيك توك» المستمر عن تطبيق قواعدها الخاصة بضبط المحتوى في السودان، جعل المنصة محركًا رقميًا لتطبيع الفظائع. ولا يمكن للشركة ادعاء الجهل، فقد تلقّتْ تنبيهات متكررة من فريق «بيم ريبورتس». فالمقاطع والبثوث المباشرة التي يظهر فيها مقاتلو «الدعم السريع»، وهم يتباهون بالحرب وينشرون خطاب الكراهية، متداولة علنًا منذ مدة طويلة.

وبسماحها باستمرار هذا النوع من المحتوى، بل ترويجه عبر خوارزمياتها المعتمدة على التفاعل، تتحمّل «تيك توك» مسؤولية مباشرة عن تمكين جرائم الحرب وتعزيزها، إذ أن إهمال المنصات الرقمية لمسؤولياتها الرقابية يجعلها شريكًا في إنتاج الدعاية، وترويج العنف، ومكافأة الجناة بالشهرة والظهور.

وفي الوقت الذي أصدرت فيه منصة «تيك توك» بيانات عامة بشأن تعاملها مع المحتوى المتعلق بصراعات أخرى، مثل حرب غزة، حين أعلنت عن إزالة أكثر من 925 ألف مقطع فيديو عن النزاع ونشر فرق إضافية لمراقبة المحتوى، لم تُصدر المنصة أيّ بيان أو تقرير شفافية بشأن الحرب في السودان، مع أن هذه الحرب سبقت الحرب في غزة بنحو ستة أشهر.

ويكشف هذا التباين عن ازدواجية مقلقة في سياسات المنصة العالمية لضبط المحتوى، إذ تتخذ إجراءات حاسمة وسريعة في بعض النزاعات، بينما تلتزم صمتًا تامًا تجاه الفظائع الجارية في السودان والمحتوى الخطير المرتبط بها على المنصة.

النتائج الأوسع: من العنف إلى الشهرة الرقمية

إن تحول الفظائع إلى محتوى رقمي له تداعيات عميقة على النزاع السوداني، ويتجلى ذلك على عدة مستويات:

  • نفسيًا، يساهم في تخدير الحس الإنساني لدى الجمهور وجعل الوحشية أمرًا مألوفًا أو مبررًا.
  • اجتماعيًا، يعزز الاستقطاب والانقسامات ودورات الانتقام.
  • وعسكريًا، يشجع مقاتلي «الدعم السريع» على ارتكاب مزيد من العنف سعيًا إلى الاعتراف الرقمي والمكانة الإلكترونية.

اليوم، لم تعد الحرب تُخاض في الميدان فقط، بل صارت تُدار رقميًا وتُستغل عاطفيًا، وتزداد فظاعتها مع كل مقطع ينتشر بسرعة على الإنترنت.

الخاتمة والتوصيات

تدعو «بيم ريبورتس» شركة «تيك توك» وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي إلى اتخاذ إجراءات فورية تشمل:

  1. إزالة الحسابات والبثوث المباشرة المرتبطة بالمقاتلين أو القادة أو شبكات الدعاية من أطراف النزاع كافة.
  2. توظيف فرق مراقبة بشرية تتحدث العربية السودانية واللهجات الإقليمية لرصد خطاب الكراهية والمحتوى المرتبط بالفظائع في الوقت الحقيقي.
  3. مراجعة ميزات الربح والهدايا المباشرة التي تشجع على العنف، خاصةً في المناطق المتأثرة بالنزاعات.
  4. حفظ الأدلة الرقمية ومشاركتها مع منظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية المعنية بالمساءلة.
  5. التعاون مع مؤسسات التحقق ومنظمات التحقيقات مفتوحة المصدر – المستقلة، لرصد الشبكات المنسقة ومواجهتها.

إن تراخي «تيك توك» في التحرك الفوري يجعلها شريكًا صامتًا في الفظائع الجارية في السودان، ويحوّل منصتها إلى فضاءٍ يغذّي الحرب بدلًا من الحدّ من آثارها.

محتويات الحساب المذكور حُفظتْ بواسطة فريق «سوداليتيكا» قبل نشر هذا التقرير.

البريــد الإلكتروني

© 2022 Beam Reports. created with PRIVILEGE