مقدمة
لقد غيّرت الحرب الدائرة في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ليس فقط المشهدَ الجغرافي للبلاد، بل أيضًا واقعها الرقمي. ومع تطور الصراع، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما «فيسبوك»، ساحات معارك تزدهر فيها حرب المعلومات والدعاية وحملات التحرش المُوجّهة. ومن بين هذه التهديدات الرقمية، برز التشهير الإلكتروني بوصفه ممارسةً خبيثةً للغاية ذات عواقب بعيدة المدى على الأفراد والمجتمعات العالقة في خضمّ تعقيدات المشهد السياسي في السودان.
يتناول هذا التحليل ظاهرة التشهير الإلكتروني على «فيسبوك» في سياق الحرب السودانية، مستكشفًا تجلياتها والمستهدفين بها وتأثيراتها في المجتمع السوداني. وبفهم الخصائص الفريدة للتشهير الإلكتروني في السودان، يُمكننا فهم الآثار الأوسع نطاقًا في الحقوق الرقمية وحرية التعبير والأمن الإنساني في البيئات المتأثرة بالصراعات، على نحو أفضل.
يُظهر المشهد الرقمي في السودان واقعًا متناقضًا؛ فبينما ما يزال معدل انتشار الإنترنت منخفضًا بنسبة 28.7%، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أقل من ذلك بكثير عند 7.2% فقط، يتفاقم تأثير التحرش والتشهير الإلكترونيين، بسبب الوضع الأمني المضطرب والانقسامات المجتمعية العميقة. وفي مثل هذه البيئة، قد يكون للكشف عن المعلومات الشخصية عواقب وخيمة، لا سيما عندما يقترن باتهامات كاذبة بالانتماءات السياسية أو العسكرية.
يستند هذا التحليل إلى حالات موثقة وبيانات لفهم كيفية عمل التشهير الإلكتروني في النظام البيئي الاجتماعي والسياسي والتكنولوجي الفريد في السودان. ويكشف عن أنماط الاستهداف التي تؤثر، على نحو غير متناسب، في الصحفيين والمدنيين، مع تسليط الضوء على ضعف حوكمة المنصات والحماية القانونية التي تسمح لهذه الممارسات بالازدهار دون عقاب.
الخلفية: الصراع في السودان والمشهد الرقمي
اندلعت الحرب الجارية في السودان في أبريل 2023، عندما تصاعدت التوترات بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» إلى صراع مفتوح.
اتسمت الحرب في البلاد، بسمات حرب المدن، لا سيما في العاصمة الخرطوم، وصاحبتها فظائع مروعة، لا سيما في إقليم دارفور غربي البلاد، حيث فاقمت الأبعاد العرقية من حدة العنف. ووثّقت المنظمات الإنسانية الدولية انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بما في ذلك هجمات عشوائية على المدنيين وعنف جنسي وعمليات قتل على أساس الهوية العرقية. وقد خلّف الصراع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع نقص حاد في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية.
في سياق هذا العنف، اندلعت حرب موازية في الفضاءات الرقمية. واستثمرت كلٌّ من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بكثافة، في حرب المعلومات، سعيًا للسيطرة على الروايات وحشد الدعم وتشويه سمعة المعارضين. وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحات معارك، وتنتشر فيها، على نطاق واسع، الادعاءات المتنافسة بشأن السيطرة على الأراضي والانتصارات العسكرية والمسؤولية عن الفظائع، وغالبًا ما يكون ذلك دون تدقيق أو مراجعة للحقائق.
المشهد الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي في السودان
يتسم النظام الرقمي في السودان بقيود وتفاوتات كبيرة. ففي أوائل العام 2025، بلغت نسبة انتشار الإنترنت 28.7% فقط من السكان، مع وجود 14.6 مليون مستخدم للإنترنت في بلد يبلغ عدد سكانه قرابة 49 مليون نسمة. ويُعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر تقييدًا، إذ لا يتجاوز عدد مستخدميه 3.68 مليون مستخدم، أي ما يعادل 7.2% من إجمالي السكان. وتُبرز هذه الأرقام المنخفضة تحديات البنية التحتية والعوائق الاقتصادية أمام الوصول الرقمي.
ويُظهر مشهد وسائل التواصل الاجتماعي تفاوتًا واضحًا بين الجنسين، إذ يُشكل الرجال 72.6% من المستخدمين مقابل 27.4% فقط من النساء. وتميل التركيبة السكانية لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى الشباب في بلد يبلغ متوسط أعمار سكانه 18.6 عامًا، مما يجعل المنصات الرقمية مؤثرة، على نحو خاص، في تشكيل وجهات نظر الشبان السودانيين.
ويهيمن «فيسبوك» على نظام وسائل التواصل الاجتماعي، وباتت هذه المنصة وسيطًا مهمًا لنشر المعلومات والتعبئة السياسية، ولسوء الحظ حملات التحرش، بما في ذلك التشهير.
فهم التشهير ونشر المعلومات الشخصية في السياق السوداني
أصبح التشهير الإلكتروني –وهو ممارسة البحث عن معلومات شخصية عن الأفراد، ونشرها دون موافقتهم، وعادةً ما يكون ذلك بنيّة خبيثة– ظاهرة عالمية ذات تداعيات خطيرة للغاية في مناطق النزاع. وتطور المصطلح ليشمل مجموعة من الممارسات التي تنتهك الخصوصية وتُشكل مخاطر حقيقية على الأفراد المستهدفين.
في الديمقراطيات المستقرة، غالبًا ما يؤدي التشهير الإلكتروني إلى مضايقات أو إلحاق الضرر بالسمعة أو ضرر اقتصادي. أما في البيئات المتأثرة بالنزاعات، مثل السودان، فقد تكون العواقب وخيمة للغاية، بما في ذلك العنف الجسدي والنزوح أو حتى الموت. وتزداد هذه الممارسة خطورةً عندما تصاحبها اتهامات كاذبة بالانتماءات السياسية أو العسكرية في مجتمع شديد الاستقطاب.
عالميًا، استُخدم التشهير الإلكتروني سلاحًا في سياقات نزاع مختلفة، من أوكرانيا إلى ميانمار، إذ يُتيح الكشف عن هوية شخص ما أو موقعه فرصةً لاستهدافه من قِبل الجماعات المسلحة. وما يُميز التشهير الإلكتروني في السودان هو مزيجٌ من وضع أمني شديد التقلب وانقسامات مجتمعية عميقة على أسس سياسية وعرقية، إلى جانب ضعف الثقافة الرقمية، مما يجعل العديد من الضحايا غير قادرين على الاستجابة بفعالية لمثل هذه الهجمات أو التخفيف من آثارها.
توضح العديد من الحالات البارزة أنماط التشهير الإلكتروني وآثاره في سياق الحرب في السودان. بعد الحرب في السودان، استُهدفت عدد من الصحفيين السودانيين وتلقوا تهديدات متعددة على منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب اتهامات كاذبة بتبعيّتهم لقوات الدعم السريع.
ولا تمثل هذه الحالات سوى أمثلة موثقة لظاهرة أوسع نطاقًا؛ فالعديد من الضحايا لا يُبلغون عن تجاربهم خوفًا من استهدافهم مجددًا أو لانعدام ثقتهم في السلطات أو لقلة معرفتهم بالوسائل المتاحة. ومن المرجح أن النطاق الحقيقي للانتهاكات في السودان يتجاوز بكثير ما وُثّق رسميًا.
منهجية البحث
لوحظ انتشار ظاهرة التشهير الإلكتروني على منصة «فيسبوك» خلال فترة الحرب في السودان، إذ تنشر العديد من الصفحات معلومات شخصية لأفراد يُشتبه في تعاونهم مع قوات الدعم السريع باختلاف أنواع هذا التعاون. وبناءً على هذه الخلفية، أجرى فريق «سوداليتيكا» عملية مسح ورصد لبعض الفاعلين على منصة «فيسبوك»، مع تحليل أنماط الخطاب.
يستند هذا التحليل إلى بيانات جُمعت من 10 جهات على «فيسبوك» مرتبطة بأنشطة التشهير في السودان:
- ثلاث صفحات على «فيسبوك».
- حسابان شخصيان على «فيسبوك».
- خمس عمليات بحث باستخدام الوسوم/ الكلمات المفتاحية.
ركزت عملية الرصد على الجهات التي تُظهر أنماطًا تتوافق مع أنشطة التشهير، بما في ذلك الكشف عن المعلومات الشخصية واستخدام لغة التهديد.
النطاق الزمني
ركز الفريق، بالأخص، على المحتوى الذي نشر بين أبريل 2023 (تزامنًا مع اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع) وأبريل 2025. ويسمح هذا الإطار الزمني بتحليل كيفية تطور التشهير خلال فترة الصراع وما بعدها. وقد أجريت عملية البحث بدقة لهذا النطاق الزمني، مما أتاح فحصًا مُستهدفًا لأنشطة التشهير خلال الحرب.
استعمل فريق البحث عملية المسح اليدوي لرصد الصفحات والحسابات الشخصية والمجموعات التي يرتكز محتواها بالأساس على نشر المعلومات الشخصية لأفراد يُشتبه في تعاونهم مع قوات الدعم السريع، كما استعمل الفريق أداة «Whopostedwhat» لرصد بعض الوسوم المتداولة مع هذه المنشورات. ويتناول التقرير تحليل المنشورات على هذه المنصات وماهية هذا الخطاب المتداول.
التحليل: صفحة «هنا امدرمان»
أُنشِئت صفحة «هنا امدرمان» حديثًا في 11 يناير 2025 بديلًا لصفحة أخرى أغلقت بسبب البلاغات. كما أنشأ مديروها مجموعة على «تيليغرام» تحوطًا، مما يُظهر أن القائمين عليها يدركون مخاطر التعطيل، ويسعون للحفاظ على وجودهم عبر منصات متعددة.

تمتلك الصفحة عددًا من المعجبين يقدر بـ21 ألف شخص، كما لوحظ ازدياد عدد المعجبين بالصفحة، بقدر كبير، في الفترة الأخيرة، إذ كان عدد المعجبين يقدر بـ13 ألف شخص عندما رُصدت الصفحة في فبراير من العام الجاري. وتقدر هذه الزيادة بـ61.5%، وقد تعزى إلى الأحداث السياسية التي شهدها السودان مؤخرًا، لا سيما مع بسط الجيش السوداني سيطرته على مساحات واسعة من ولايات السودان. كما تحظى الصفحة بعدد من المتابعين يقدر بـ52 ألف، والذي شهد –بدوره– زيادة بنسبة 85.7% من فبراير الماضي، إذ كان عددهم 28 ألف شخص. والزيادة الكبيرة في عدد المعجبين والمتابعين تشير إلى الرواج الذي يحظى به هذا النوع من المحتوى.
تنشر الصفحة صور الأفراد المستهدفين مرفقة بنوع التعاون المنسوب إليهم، دون تقديم أيّ أدلة واضحة تدعم هذه الاتهامات. وتستخدم في منشوراتها خطابًا تحريضيًا يتضمن عبارات تشهير وتهديد مثل «بل بس»، مما يساهم في تأجيج التفاعل الجماهيري، إذ يُظهر المتابعون دعمًا لهذه المنشورات من خلال تعليقات تحريضية تدعو إلى مزيد من التصعيد. وتنشر الصفحة بوتيرة مكثفة، مستغلةً السياق السياسي والأمني المرتبط بالحرب الدائرة في السودان، مع التشديد على فكرة أن «المواطن هو رجل الأمن الأول»، في محاولة لحشد التأييد الشعبي لممارسات التشهير.
وتحدد الصفحة أهدافها بوضوح في عدة محاور، أبرزها: رصد المتعاونين مع «الميليشيا»، ونشر معلومات عنهم، إلى جانب تناول قضايا مثل استهداف محطات الكهرباء وتحليل المستفيدين منه، بالإضافة إلى التطرق إلى ملفات فساد تحت شعار «نكشحها والرهيفة تنقد». ومع أنها تنشر بعض أخبار الحرب وانتصارات الجيش؛ مما يعزز من تأثيرها ويجذب مزيدًا من المتابعين، إلا أن نشاطها الأساسي يتركز على التشهير بالأفراد الذين تصفهم بالمتعاونين، إذ تنشر صورهم مرفقة بتفاصيل عن نوع التعاون المنسوب إليهم. وتحظى هذه المنشورات بتفاعل واسع من المتابعين، يشمل تعليقات داعمة وتحريضية.
ويُظهر نشاط الصفحة نمطًا واضحًا من التشهير والتحريض ضد الأفراد المستهدفين، مما يزيد من المخاطر المرتبطة بمثل هذه الحملات، سواء على المستوى الاجتماعي أو الأمني.
التحليل: صفحة «كشف الخونه والمتعاونين»:
أُنشئت صفحة «كشف الخونه والمتعاونين» في 30 أبريل 2024، وتركّز نشاطها، منذ لحظة التأسيس، على نشر صور الأفراد المشتبه في تعاونهم مع أحد أطراف النزاع ومواقعهم. وبسبب كثرة البلاغات التي وُجّهت ضد الصفحة من المستخدمين، أنشأ مديروها صفحة بديلة موازية، ووجهوا دعوات إلى متابعي الصفحة الأصلية للانضمام إلى الصفحة الجديدة، في إجراء احتياطي ضد الإغلاق.

وقد رصد فريق «سوداليتيكا» ازديادًا ملحوظًا في عدد المتابعين والمعجبين بين شهري فبراير وأبريل من العام الجاري، إذ بلغ عدد المعجبين بالصفحة في فبراير نحو 30 ألف معجب، وازداد إلى 31 ألف معجب بحلول وقت كتابة هذا التقرير في أبريل 2025. أما عدد المتابعين فقد ارتفع من 37 ألف متابع في فبراير إلى 38 ألف متابع في أبريل 2025. وتزامنت هذه الزيادة مع تقدّمات ميدانية أحرزها الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، مما يشير إلى أن الجمهور يُبدي اهتمامًا متزايدًا بهذا النوع من المحتوى في أثناء التحولات العسكرية الكبرى.
في الأشهر الأولى من تأسيسها، ركزت الصفحة على نشر محتوى تشهيري مباشر يتضمن صورًا وبيانات شخصية لأفراد يُشتبه في تعاونهم. ومع مرور الوقت، تحوّلت الصفحة إلى ما يشبه منصة إعلامية ميدانية، إذ أصبحت تنشر أيضًا الأخبار العاجلة بشأن مجريات الحرب والتنبيهات الميدانية، إلى جانب المحتوى التشهيري.
وتنتهج الصفحة أسلوبًا قائمًا على التفاعل الجماهيري المنظّم؛ إذ تتلقى، باستمرار، طلبات من المتابعين بنشر معلومات عن أفراد محددين في مناطق معينة بنيّة الانتقام. كما تعتمد على نشر محتوى متسلسل يتضمن معلومات متكاملة عن مجموعة من الأفراد المنتمين إلى منطقة جغرافية واحدة دفعة واحدة، وهي ممارسة تعزز من فعالية الاستهداف الجماعي.


لاحظ فريق «سوداليتيكا» أيضًا إشارة عدد من متابعي الصفحة إلى صفحات أخرى تُمارس نشاطًا مشابهًا، وذلك في خانة التعليقات أو ضمن المنشورات نفسها. ويبدو أن هذا السلوك يهدف إلى ضمان انتشار المعلومات على أوسع نطاق ممكن أو لضمان نشر معلومات إضافية عن الأشخاص أنفسهم من قبل صفحات أخرى. ويشير هذا النمط إلى وجود نوع من التنسيق غير الرسمي بين جمهور هذه الصفحات، يُساهم في خلق شبكة مترابطة من منصات التشهير الرقمية، تتبادل المحتوى وتعزز من انتشاره.

وهذا النمط من النشر لا يُشير فقط إلى منهجية منظمة ومقصودة، بل يدل على وجود بنية تفاعلية جماعية بين إدارة الصفحة وجمهورها، تساهم في توسيع دائرة الاستهداف وتسريع نشر المعلومات دون تحقق.
التحليل: صفحة «افضح متعاون و مرشد للمليشيا»:
بدأت صفحة «افضح متعاون و مرشد للمليشيا» نشاطها في الأول من ديسمبر 2015 تحت اسم «قصة حب». وكانت تركز، في بداياتها، على نشر محتويات ذات طابع موسيقي وديني، بما يشمل مقاطع من الأغاني السودانية. وقد حافظت على هذا الطابع لسنوات.
عقب ثورة ديسمبر 2018، شهدت الصفحة تحولًا تدريجيًا في محتواها، إذ بدأت في مشاركة بعض المنشورات السياسية المتفرقة التي تتناول قضايا الناشطين أو الأحداث الجارية، مما شكّل بداية لتحولها عن الطابع الثقافي والديني نحو محتوى سياسي واجتماعي أكثر حساسية.
لكن التحوّل الأبرز في توجه الصفحة جاء في الثاني من يناير 2025، حين بدأت في نشر محتوى يتعلق بالتشهير، عبر نشر صور شخصية ومعلومات عن أفراد يُشتبه في تعاونهم مع أحد أطراف النزاع المسلح في السودان. وقد تزامن ذلك مع تنامي خطاب التهديد، إذ اتبعت الصفحة نسقًا تصعيديًا في منشوراتها، تمثل في توعد سكان بعض المناطق بنشر معلومات عن «المتعاونين» فيها، في ما يشبه التهديد الجماعي.

ومثل مثيلاتها، تعرضت هذه الصفحة لبلاغات متكررة من قبل المستخدمين، مما دفع القائمين عليها إلى دعوة المتابعين إلى تكثيف التعليقات باستخدام الملصقات على المنشورات، وذلك ضمن آليات الالتفاف على خوارزميات الإبلاغ ومنع إغلاق الصفحة من قبل إدارة «فيسبوك».
كما لوحظ أن المتابعين يشاركون، بفعالية، في تغذية الصفحة بالمحتوى، إذ يعلقون بمعلومات إضافية في المنشورات، ويرسلون صورًا ومعلومات عن متعاونين آخرين إلى إدارة الصفحة.

وعلى حساسية المحتوى، فإن وتيرة النشر على الصفحة ليست عالية، مما قد يُشير إلى اعتمادها على مساهمات المتابعين أو إستراتيجية حذرة لتجنب الإغلاق.
التحليل: الصفحة الشخصية «افضح افضح أمن ياجن»
أنشئت الصفحة الشخصية المسماة «افضح افضح أمن ياجن» في الأول من مايو 2024. وبدأت، منذ إنشائها، بنشاط ملحوظ في نشر محتوى تشهيري يتضمن معلومات وصورًا لأشخاص يُشتبه في تعاونهم مع أحد أطراف النزاع، ويختلف تصنيف «التعاون» المزعوم بحسب المحتوى.
وتعتمد الصفحة على استخدام كثيف للوسوم في كل منشور، في محاولة لزيادة الانتشار والوصول إلى جمهور أوسع، لكن الصفحة شهدت نشاطًا ملحوظًا في أول شهرين من إنشائها، إذ كانت تنشر محتوى باستمرار، ثم توقفت عن النشر تمامًا في الخامس من يوليو 2024، كما أنها تعرضت لإغلاق سابق من إدارة «فيسبوك» نتيجة البلاغات المتكررة من المستخدمين.
وفي أعقاب ذلك، أنشأ مالك الصفحة نسخة بديلة، ونشر توضيحًا يؤكد أن الصفحة الجديدة هي الصفحة الرسمية البديلة، كما دعا المتابعين إلى استخدام الملصقات في التعليقات على المنشورات لتقليل احتمالية إغلاق الصفحة مجددًا.

وحتى وقت كتابة هذا التقرير، بلغ عدد متابعي الصفحة ما يقارب 6.7 ألف متابع. ومع أن حجم المتابعة محدود مقارنةً ببعض الصفحات الأخرى، إلا أن الصفحة تحظى بتفاعل نشط من جمهورها باقتراح أسماء جديدة من مناطق محددة، وغالبًا ما يستجيب مالك الصفحة لهذه الطلبات بتأكيدات تفيد بأن «الدور آتٍ» إلى تلك المناطق.

ومن جهة أخرى، أثارت الصفحة جدلًا واسعًا ضمن ساحة الصفحات النشطة في هذا النوع من المحتوى، إذ نشرت صفحة «كشف الخونه والمتعاونين» –التي سبق تحليلها في هذا التقرير– منشورًا تتهم فيه الصفحة بأنها تتبع لقوات الدعم السريع وتبتز الأفراد مقابل حذف منشورات عنهم.

والمفارقة في الأمر أن حساب «افضح افضح أمن ياجن» ينشر أحيانًا المعلومات نفسها التي كانت قد نُشرت أصلًا في صفحة «كشف الخونه والمتعاونين»، مما يُرجّح وجود تقاطع في مصادر المعلومات أو إعادة تدوير للمحتوى دون تحقق واضح.
ومع أن مالك الصفحة أكد، في أكثر من مناسبة، أنهم لا ينشرون أي محتوى دون «التحقق من مصادرهم على الأرض»، إلا أن بعض التعليقات على المنشورات أشارت إلى أن المحتوى يُنشر بدوافع انتقامية، كما أعلن بعض الأفراد نيتهم تقديم بلاغات قانونية ضد الصفحة. وفي ردوده، اتخذ مالك الصفحة نبرة تهديدية أحيانًا تجاه المعلقين المنتقدين، مصرحًا بنيته حظرهم من الصفحة، قبل أن يعيد تأكيده للجمهور بشأن وجود آلية تحقق ميداني قبل النشر.




كما نشر مالك الصفحة تحذيرًا من صفحة أخرى تُدعى «افضح متعاون ومرشد للمليشيا»، مؤكدًا أنها لا تتبع له، وأنها مرتبطة بقوات الدعم السريع، في محاولة للتمييز بين صفحته وبين الصفحات الأخرى ذات النشاط المشابه.
من حيث التوزيع الجغرافي للمحتوى المنشور، أظهرت الصفحة تركيزًا مكثفًا على منطقة «أمبدة» غربي أم درمان، فيما شملت منشورات أخرى مناطق متفرقة مثل «الكلاكلة» و«الأزهري» و«الحاج يوسف» ومناطق «أم درمان».
التحليل الصفحة الشخصية «افضح دعامي»: استهداف النساء
تأسست صفحة «افضح دعامي» في 22 مارس 2024، وتميّزت عن غيرها من الصفحات المشابهة باتباع نهج مختلف يركز، بالأساس، على استهداف النساء، سواء من خلال نشر صورهن أو سرد علاقاتهن المزعومة بقوات الدعم السريع، دون تقديم تفاصيل واضحة عن طبيعة «التعاون» في كثير من الأحيان.
وبلغ عدد متابعي الصفحة نحو 53 ألف متابع حتى وقت إعداد هذا التقرير، وهو رقم يُظهر الانتشار الكبير ونطاق التفاعل الذي حققته، لاسيما وسط جمهور متعطش لهذا النوع من المحتوى أو منخرط فيه عاطفيًا.
وفي كثير من المنشورات، يكتفي مالك الصفحة بنشر صورة المرأة مع تعليق مقتضب مثل «متعاونة مع الجنجويد» دون تفصيل أو دليل. كما تتضمن بعض المنشورات كشوفات بأسماء رجال يُشتبه في تعاونهم، سواء كانوا ناشطين ميدانيًا أو يُعتقد أنهم يقدّمون دعمًا لوجستيًا أو معلوماتيًا لقوات الدعم السريع. وتُدرج هذه الأسماء أحيانًا ضمن قوائم تحت مسمى «إسناد»، في إشارة إلى نوع من الدعم المجتمعي أو الخلفي الذي لا يُصنّف بأنه مشاركة مباشرة في العمليات، لكنه يُقدّم على أنه مبرر كافٍ للتشهير بهم.

ومن بين الحالات اللافتة، نشرت الصفحة صورة للممثلة السودانية وجدان عادل، مرفقة بمزاعم عن زواجها من أحد أفراد «الدعم السريع». لاحقًا، ردت وجدان، عبر حساباتها الرسمية، موضحة أن الزواج تمّ تحت ضغط وإكراه نفسي شديد، وأنها تعرضت لاحقًا لإطلاق نار من الزوج نفسه، وهو ما يلقي الضوء على تعقيدات هذه الحالات التي تخلط بين الحياة الشخصية والتهديدات الأمنية.
وعلى التفاعل الكبير مع هذه المنشورات، لاحظ الفريق وعيًا مرتفعًا بين جزء من الجمهور بشأن خطورة نشر هذا النوع من المعلومات وما قد يؤدي إليه من تصفية حسابات شخصية أو أعمال انتقامية خارج القانون. فقد علّق بعض المستخدمين منتقدين غياب الأدلة، ومشيرين إلى أن التشهير، في حد ذاته، يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، وأن تطبيق القانون لا يجب أن يكون مسؤولية المدنيين.


إلى جانب ذلك، لاحظ الفريق أن المنشورات التي تستهدف النساء تحصد تفاعلات أعلى من المنشورات الأخرى، وغالبًا ما تتضمن تعليقات ذات طابع عاطفي غاضب أو حتى تحقيري، وتُظهر انفعالات جماعية متأثرة بتركيبة المجتمع السوداني وتصوراته عن «الشرف» و«الولاء» و«الأنوثة»، في زمن الحرب.
وفي المقابل، ظهر أيضًا اعتراض، في بعض الحالات، من أشخاص أكدوا أن المذكورات في المنشورات لا صلة لهن بأيّ تعاون فعلي، مطالبين بحذف المنشورات أو التحقق منها قبل النشر.
الوسوم
حلّل فريق «سوداليتيكا» كذلك، عددًا من الوسوم المتداولة، خلال الفترة من 15 أبريل 2024 وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، بعد أن رصَدها في منشورات تتعلق بالتشهير. وتُستخدم الوسوم، عادةً، بغرض زيادة التفاعل وتخصيص طابع معيّن لهذا النوع من المحتوى. ومن أبرز هذه الوسوم: «#افضح_متعاون» و«#انتم_لستم_آمنين» و«#كدايسنا_اوعى_تخربشك» و«#المواطن_هو_رجل_الأمن_الأول»، بالإضافة إلى «#بل_وجر_في_الشوك». وتُظهر هذه الوسوم الطبيعة التحريضية والترهيبية للخطاب الذي يرافق منشورات التشهير، وتضطلع بدور فاعل في تنظيم عمليات الاستهداف الرقمي وتوسيع نطاقها ضمن شبكة مترابطة من المستخدمين.
وتأتي المفارقة في أنّ هذه الوسوم، المصممة أساسًا لتأجيج خطاب الكراهية، قد استُخدمت أيضًا من قبل بعض الأفراد لدحض التّهم والدفاع عن النفس. فقد رصد الفريق منشورات تتضمن ردودًا من أشخاص شُهّر بهم أو من مقربين لهم، ينفون فيها التّهم الموجهة إليهم، ويستنكرون نشر ادعاءات غير مدعّمة بالأدلة. وفي إحدى الحالات، نشر أحد المستخدمين منشورًا مطولًا يدافع فيه عن صديقه، مؤكدًا أن الاتهامات غير صحيحة وملفقة عمدًا. وفي حالة أخرى، ردّ أحد المشهَّر بهم بنفسه على المنشور الذي استهدفه، موضحًا أن الأمر يعود إلى خلاف تجاري سابق، وأن ناشر المعلومات لجأ إلى التشهير لتصفية الحسابات. وقد أعلن عن استعداده للمثول أمام أيّ جهة تحقيق رسمية لإثبات براءته، في محاولة لاستعادة سمعته بعد الضرر الذي سببه النشر الرقمي.


كما لفت أحد المستخدمين، في تعليق على منشور تشهيري، إلى أن بعض «المرشدين» أو المتعاونين قد يكونون تحت تهديد السلاح، ما يطرح تساؤلات أخلاقية وقانونية بشأن مسؤولية هؤلاء الأفراد. ووفقًا للتعليق نفسه، فقد شُكّلت لجان داخل بعض الأحياء للفصل بين من تعاونوا بكامل إرادتهم، ومن أجبروا على التعاون تحت الإكراه، في محاولة لخلق تمييز اجتماعي وعدلي يحدّ من الانتهاكات العشوائية وعمليات التشهير غير المنصفة.

وتضمنت هذه الوسوم مزيدًا من منشورات التشهير، إذ تزايدت وتنوّعت أشكال الاتهام بـ«التعاون»، لتشمل ليس فقط المتعاونين العسكريين أو اللوجستيين، بل أيضًا علاقات شخصية واجتماعية. وربما كانت أغرب الحالات التي رصدها الفريق هي نشر معلومات شخصية حساسة، مثل صورة جواز سفر مع وثيقة طلاق امرأة يُقال إنها كانت متزوجة من أحد أفراد «الدعم السريع». وقد برّر الناشر هذا الانتهاك الفاضح للخصوصية بشعار «الأمن مسؤولية الجميع»، مشيرًا إلى أن نشر هذه المعلومات يأتي في إطار «واجب وطني» لحماية المجتمع من المتعاونين.

غير أن مثل هذه التبريرات تكشف توسعًا خطيرًا في منطق التشهير، بحيث يغدو كل شخص معرضًا للاستهداف بناءً على صلاته الاجتماعية، لا على أفعال موثقة أو مسندة قانونيًا. ويساهم هذا النوع من الخطاب في خلق مناخ رقمي يُشرعن الوصم والتشهير، لا سيما بحق النساء، دون أيّ آلية للتحقق أو المحاسبة.
من أشكال «التعاون» التي تم تداولها في هذه الصفحات
تتميز المنشورات بفرد منشور لكل «متعاون» تدرج فيه نوع التعاون وحالة الرصد من عدمه مع إدراج العديد من الوسوم لزيادة التفاعل والوصول للمنشورات.
سرقة المنازل وممتلكات الأفراد


استنفار على أساس قبلي


إرشاد



الأساليب والتكتيكات
تُظهر أساليب التشهير الإلكتروني في السودان أنماطًا مميزة تستغل نقاط الضعف الرقمية في البلاد وديناميكيات الصراع. ويستغل الجناة، في كثير من الأحيان، ضعف الثقافة الرقمية لنشر معلومات لا يستطيع الضحايا مواجهتها بفعالية. فيما يفتقر العديد من المستهدفين إلى المعرفة التقنية اللازمة لحماية خصوصيتهم أو الاستجابة لهجمات التشهير الإلكتروني، مما يجعلهم عرضة للخطر على نحو خاص.
ويُعدّ التضخيم عبر المنصات أسلوبًا شائعًا، إذ يبدأ التشهير عادةً في منصة واحدة، ولكنه ينتشر بسرعة عبر منصات وتطبيقات مراسلة متعددة. وإزاء هذا النهج يكون شبه مستحيل على الضحايا احتواء كشف معلوماتهم الشخصية فور بدء تداولها. ويُسهّل التضخيم الخوارزمي هذا الانتشار السريع داخل مجتمعات تسعى جاهدةً إلى تحديد هوية من يُفترض أنهم خصوم.
ويؤدي هذا التضليل إلى شكل أكثر تعقيدًا من الهجمات، وهو أمر ضار، على نحو خاص، في سياق النزاع، إذ يمكن أن تؤدي حتى التهم الواهية إلى استهداف مسلح.
التأثيرات والعواقب: مخاطر السلامة والأمن الجسدي
في ظلّ البيئة الأمنية المتقلّبة في السودان، يُشكّل التشهير الإلكتروني مخاطرَ أمنية جسدية شديدة تُميّزه عن ممارساتٍ مماثلة في سياقات أكثر استقرارًا. فعندما يُربط الأفراد زورًا بفصائل عسكرية من خلال التشهير الإلكتروني، قد يواجهون أعمالًا انتقامية عنيفة. كما أنّ انهيار أنظمة إنفاذ القانون والقضاء خلال النزاع يعني ضعفَ الحماية المؤسسية للضحايا من هذه التهديدات.
وتشتد المخاطر الجسدية بالأخص في المناطق التي تشهد قتالًا محتدمًا أو وجودًا كثيفًا للجماعات المسلحة، إذ قد تؤدي اتهامات دعم «العدو» إلى الاعتقال أو التعذيب أو القتل خارج نطاق القضاء. وحتى في المناطق المستقرة نسبيًا، قد يواجه الأفراد الذين يُشهّر بهم عنفًا من قبل جماعات محلية يحركها محتوى إلكتروني تحريضي. وتُجبر هذه المخاطر العديد من الضحايا على الانتقال إلى أماكن أخرى داخل السودان أو حتى الفرار من البلاد بالكامل، مما يُساهم في تفاقم أزمة النزوح.
وتتجاوز التداعيات الأمنية الأهداف المباشرة لتشمل عائلاتهم الذين قد يواجهون أيضًا تهديدات أو مضايقات بسبب صلتهم بالشخص المُفصح عن بياناته، مما يُولّد موجة من الخوف والاضطراب على شبكات التواصل الاجتماعي بأكملها، ويُضاعف تأثير حوادث التشهير الفردية.
منصة «فيسبوك» والأطر القانونية
لقد فشلت منصات التواصل الاجتماعي إلى حد بعيد في معالجة قضية التشهير في السياق السوداني معالجة مناسبة، مما يبرز تحديات أوسع في إدارة المحتوى في المناطق المتضررة من الصراع. ومع أن «فيسبوك» تعد المنصة المهيمنة في السودان، فقد أظهر تطبيقًا غير متسق للمعايير المتعلقة بانتهاكات الخصوصية والمضايقة والتحريض.
وتنبع إخفاقات هذه المنصات من عوامل متعددة، منها محدودية الاستثمار في إدارة المحتوى باللغة العربية، وضعف فهم ديناميّات الصراع المعقدة في السودان، ونماذج الأعمال التي تُعطي الأولوية للتفاعل على حساب السلامة. والنتيجة هي بيئة يزدهر فيها التشهير الإلكتروني مع عواقب ضئيلة على الجناة، بينما يُكافح الضحايا من أجل إزالة المحتوى الضار أو تعليق حساباتهم.
الفجوات القانونية والتنظيمية
لا يوفر الإطار القانوني السوداني سوى حماية ضئيلة ضد التشهير، إذ أن القوانين الحالية غير قادرة على معالجة انتهاكات الخصوصية الرقمية والتحرش الإلكتروني. وبينما يحظر قانون جرائم تقنية المعلومات لعام 2007 التشهير وانتهاكات الخصوصية الشخصية، ويُجرّم قانون جرائم تقنية المعلومات لعام 2018 استخدام الإنترنت للتحريض على الكراهية، فإن آليات التنفيذ مُعرّضة لخطر شديد بسبب الصراع المستمر وضعف المؤسسات.
إن انهيار سيادة القانون في أجزاء كثيرة من البلاد يعني أنه حتى مع وجود الحماية القانونية نظريًا، لا تتوافر للضحايا سوى سبل محدودة، إذ تفتقر قوات الشرطة إلى القدرات التقنية والموارد اللازمة للتحقيق في الجرائم الرقمية، ويواجه النظام القضائي قيودًا مماثلة، فيما تُثقل تداعيات النزاع كاهل المحاكم التي تفتقر إلى المعرفة المتخصصة بالأدلة الرقمية.
وتواجه الأطر القانونية الدولية التي قد تُتيح سُبُلًا بديلة للمساءلة، مثل اتفاقيات حقوق الإنسان أو إعلانات الحقوق الرقمية، تحدياتٍ في التنفيذ في ظل البيئة السياسية المعقدة في السودان. والنتيجة هي فجوةٌ كبيرةٌ في المساءلة، في وقت يتصرف فيه مرتكبو التشهير بمعلومات شخصية في ظل إفلاتٍ شبه كامل من العقاب، فيما يتحمل الضحايا العبء الكامل لحماية أنفسهم من التشهير الإلكتروني وعواقبه الوخيمة في الواقع.